سألت المذيعة المتألقة لميس الحديدي الأستاذ محمد حسنين هيكل: ماذا تود أن تقول بخصوص الاستفتاء بعد غد؟ .. أجاب: سأقول ماقاله رئيس وزراء فرنسا قبل الحرب العالمية الثانية quot; يا إلهي نحن ننحدر بسرعة رهيبة نحو الهاوية ولا يوجد من يمكنه أن يوقف هذا السقوط ... أرفض الدستور لأنه لا يصلح للمستقبل ولا يشكل إرادة جامعة للأمة، ليس فعلا مستقبليا وليس توافقيا، بإجراء الاستفتاء بالطريقة المشبوة لدستور متخلف يقسم مصر، يكون النظام قد انتقل من الأخطاء المسموح بها الي الخطايا غير المسموح بها، أوافق علي العمل بدستور 1971 مؤقتا حتي تتحسن ظروف الحوار، لأنه لا يمكن إجراء حوار بين فرقاء تحت سيف الاستفتاءquot;.
في تصوري أن أخطر ما تواجهه مصر منذ تأسيس الدولة الحديثة عام 1805 علي يد محمد علي، هو quot; تفتيت quot; وحدة المصريين جميعا، حيث مثلت ثورة 1919 ذروة هذه الوحدة بين (شركاء الجنس والأرض والدم والنضال) وبرز quot; عقد اجتماعي جديد quot; تأسس علي فكرة (المواطنة) أو (الأخوة في الوطن) التي قضت عمليا علي أهم أفكار الخلافة الاسلامية ndash; التي يتم بعثها الآن - وهي (الأخوة في quot; الدين quot;)، إلي درجة أن شركاء الوطن من الأقباط رفضوا quot; التمثيل النسبي quot; في دستور عام 1923، بإعتبارهم quot; أقلية quot; عددية ودينية ، نتيجة إحساسهم بالإطمئنان والأمان ووحدة المستقبل والمصير المشترك.
أمام هذا المد الوطني الكاسح الذي ألتف حول الزعيم المصري سعد زغلول (1858 - 1927)، وطالب بطرد الانجليز، تفتق ذهن المستعمر الإنجليزي عن سياسة quot; فرق تسد quot; وسعي حثيثا إلي quot; تفتيت quot; مصر إلي دويلات متناحرة علي أسس دينية وطائفية، ووجدوا ضالتهم في الشيخ حسن البنا عام 1928 وتمثلت مهمته في شق الصف الوطني، وهي نفس الاستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة (وريثة بريطانيا العظمي في الشرق الأوسط) اليوم مع جماعة الإخوان المسلمين، قبل وبعد صعودها إلي الحكم عام 2012، حيث نجح الرئيس محمد مرسي خلال بضعة أشهر في تقسيم الشعب المصري، وما الدستور المزعوم (أعلي القوانين شأنا) إلا quot; وثيقة quot; تكريس هذا الانقسام بلا رجعة تمهيدا لتقسيم الأرض ومن عليها.
quot; المواطنة quot; - Citizenship في دساتير الدول الديمقراطية (المحترمة) تحافظ علي (وحدة الأرض)، وهي تقوم علي quot; المساواة quot; بين المواطنين جميعا أمام القانون ، بصرف النظر عن اللون أو الدين أو الجنس، ولا يمكن أن يتحقق كامل معناها ومبناها إلا في وجود quot; الدولة المدنية quot; ndash; Civil state. حيث أن الأصل الاشتقاقي لكلمة (مواطن) يعود إلي لفظة - rdquo; Civitasrdquo; اللاتينية ، وعضو المدينة الدولة هو Civis أي المواطن. ويتحدّد معني كلمة quot; مدني quot; في مقابل ما هو ديني أو ما هو عسكري، كما أن معنى المدني يتطابق مع معنى الدنيوي أو الحياة كما نعيشها علي هذه الأرض وليس في السماء.
الشئ نفسه في اللغة اليونانية، حيث أن كلمة quot; مواطن quot; - quot; Polis quot; تعني المدينة، ومنها جاءت كلمة السياسة - Policy، لأن المواطن هو كائن سياسي في المقام الأول سواء كان متدينا أو غير متدين، مسلما أو غير مسلم، مؤمنا أو غير مؤمن (ملحد)، يحكم ويحكم كإنسان (ليس معصوما من الخطأ)، يمارس السياسة علي هذه الأرض، ومن ثم يجب أن تكون النظم السياسية والقوانين والدساتير التي يتوافق عليها المواطنون quot; وضعيةquot; و quot; مدنية quot; لا علاقة لها بالشرائع الدينية أو السماوية.
تمرير quot; الدستور الإخواني quot; في مصر بهذه العجلة (والعجلة من الشيطان)، له علاقة قوية - وفي العمق - بإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط (الجديد)، فهو من جهة، يمثل اعترافا من القوي الدولية بصعود جماعة الإخوان المسلمين في مصر وفروعها في فلسطين quot; حماس quot; وسوريا والأردن ومعظم البلدان العربية (تباعا)، علي حساب القومية العربية العلمانية والأنظمة العسكرية، ومن جهة ثانية، فإن هذا الإقرار الدولي يعني أن القضية المركزية للصراع في منطقة الشرق الأوسط قد تحولت رسميا من كونها (قضية سياسية) تتعلق بquot; الأرض quot; المحتلة إلي (قضية دينية) وبالتالي ينبغي إعادة تعريف الصراع جوهريا، ربما في ضوء ما ذكره صامويل هنتنجتون في كتابه quot; صدام الحضارات quot; أوائل تسعينيات القرن الماضي.
ومن جهة ثالثة، فإنه يؤكد نهاية quot; حل الدولتين quot; بما يتضمنه من اتفاقيات ومفاوضات و(معاهدات للسلام) بدأت منذ أوسلو 1991، لأن الدولة اليهودية (إسرائيل) وحماس والإخوان المسلمين ليس لديهم مصلحة حقيقية في هذا الحل، وإن شئت الدقة فإن quot; حل الدولتين quot; ضد هذه المصلحة أساسا لأنه ينهي مبرر quot; الوجود quot;، وبالتالي فإن رفض هذا الحل ليس موقفا quot; تكتيكيا quot; وإنما هو قناعة quot; استراتيجية quot; راسخة: إما كل الأرض (أرض فلسطين التي تضم كل إسرائيل) أو الحرب، والشئ نفسه بالنسبة للدولة اليهودية.
تري عزيزي القارئ هل أنتهي quot; حل الدولتين (هناك)، لتبدأ (هنا) علي أرض مصر مأساة جديدة تقسم المصريين (بالدستور) علي أساس ديني، إلي دولتين؟

[email protected]