بعد أقل من سنتين على انطلاق الثورة السورية التي غيرت المشهد الدولي والاقليمي برمته، كما سترتب عليها أيضا نتائج تثبت هذه التغيرات التي لاتزال جارية على الارض. عدد شهداء الثورة الذين استشهدوا دفاعا عن كرامة هذا الشعب والموثقين 46767 شهيد في 648 يوم لغاية تاريخ 24/12/2012 إضافة إلى عدد المعتقلين خلال الثورة قد بلغ 194 ألف مواطن سوري، بينهم 9 آلاف معتقل دون سن الثامنة عشر، كما بلغ عدد المختفين قسريا في سوريا نحو 60 ألف شخص، وتقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان إنها تمكنت من توثيق قوائم بأسماء نحو 32 ألفا منهم، كما تم تدمير البنى التحتية في كل المدن السورية ما عدا مدن وقرى الساحل السوري وجباله، كما قصفت احياء بالطيران والمدفعية احياء بكاملها وعلى رؤوس ساكنيها، مما أدى أيضا إلى نزوح ملايين السوريين عن بيوتهم وقراهم.. الثورة السورية التي اوضحت بما لايقبل مجالا للشك، أن جريمة دولية ومنظمة ترتكب بحقها، على مرأى العالم ومسمعه، وتحت انظار قواه الدولية العظمى والصغرى..المعارضة السورية تتحمل قسطا من المسؤولية عما جرى ويجري وسوف يجري..وأنا لا اتحدث عن المعارضة المسلحة التي اجبرت على حمل السلاح نتيجة لما مارسته العصابة الأسدية من جرائم بحق المدنيين، ونتيجة لنذالة الموقف الدولي. المعارضة المسلحة اختلفنا او اتفقنا على طروحاتها إلا أنها هي من تقف سدا منيعا بوجه إعادة البلد لآل الأسد، وليس المعارضة السياسية..التي كان اداءها ولايزال حملا ثقيلا على هذه الثورة. بالتأكيد هنالك قوى في المعارضة المسلحة لا نتفق مع ما تطرحه سياسيا، لكننا بالمقابل لا نستطيع ادانتها لكونها تحمل السلاح بوجه هذه العصابة، الذي اتضح ايضا حجم استنادها على مرتكزات النظام الاقليمي باجنحته جميعا، الذي تم العمل عليه منذ عام 1973، هذا النظام الاقليمي قد تأسس بناء على المعطى الاسرائيلي المتفوق عسكريا ودوليا والمعادي للسلام، وبالتالي المعادي لشعوب هذه المنطقة مهما فعلت هذه الشعوب من أجل قيام سلام عادل وشامل..منذ فترة وأنا لا اتعرض كثيرا للدورين الايراني والروسي، لأن معاداتهما لشعبنا يصرحان بها علنا، ولا يتلطون خلف حجج الادارات الغربية، التي على جدول اولوياتها المعطى الاسرائيلي..لكن طبيعة المؤسسات في الدول الغربية تمنع ان يقفوا جهارا نهارا مع هذه العصابة، حيث لايوجد لديهم مستند قانوني حقوقي أوسياسي من أجل ذلك. كما ان التناقض بين موقف هذه الدول والمعطى الاسرائيلي، لا يصل إلى درجة عدم الاخذ بهذا المعطى الذي لايريد دولا طبيعية على حدوده، ليس لأنه خائف منها بل لأنه لايستطيع العيش في اجواء السلام العادل، وخير مثال تعاطي النخب الاسرائيلية والادارات الغربية مع اتفاقيات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. الادارات الغربية وعلى رأسها إدارة الرئيس باراك أوباما، لا تريد لهذا التناقض ان يظهر في سوق الاعلام من جهة وهي لاتزال حتى اللحظة تراهن على حل سياسي بعد تدمير البلد، حل سياسي يضمن استمرار المعطى الاسرائيلي..من حق المرء أن يتسائل، لماذا الدول الغربية تدعم الثورة عبر ما يسمى مؤتمرات اصدقاء سورية؟ لماذا لا تدعم العصابة الأسدية؟ من أهم الاسباب ان الثورة السورية غيرت رؤية الغرب وأدرك أن العصابة الأسدية لم يعد لديها مقومات الاستمرار كما كانت قبل الثورة، رغم كل الفرص التي اعطيت لهذه العصابة من أجل القضاء على الثورة..وهم رفضوا التدخل الدولي في سورية رغم معرفتهم الأكيدة بتفاصيل ما يجري على الارض، ومعرفتهم الأكثر تأكيدا أنه في حال عدم تدخلهم العصابة الأسدية ستدمر البلد..الثورة تستفيد فقط من تناقضات الوضع الدولي، كالتناقض بين المعطى التركي والمعطى الاسرائيلي مثلا، او التناقض بين المعطى الايراني والمعطى الخليجي، كما أن الغرب لايستطيع ببساطة ان يتجاوز كليا المعطى الخليجي، لكنها أبدا لم تحظ بميزة دعم دولي موحد كما حدث مع باقي ثورات الربيع العربي. هذه الميزة جعلت الثورة السورية عرضة لتلك التناقضات الكثيرة، وكنت منذ بدء الثورة مع قلة قد نبهنا على خطورة السيناريو الاسرائيلي في تعفين الثورة السورية، سواء في اجتماعات المعارضة أو في الكتابة.. الثورة السورية الآن تدفع ثمن عدم استفادة المعارضة السورية من زخم الثورة في البداية والمطالبة بتدخل خارجي..وتلاعبت بشكل سيئ مع مطلب الكتلة الثائرة سلميا..وهذا التلاعب جرى توظيفه بشكل قوي من قبل الادارات الغربية التي لاتريد هذا التدخل ولا تريد السماع عنه!! واقولها الآن بكل وضوح لو كانت المعارضة تريد التدخل لما تم تشكيل المجلس الوطني ولا تم حتى تشكيل الائتلاف الآن بالطريقة التي تم بها، والدليل بيان الاصدقاء في الاخوان المسلمين قبل اسبوع الذي رفض التدخل الخارجي، وتصريحات قادة الائتلاف الجديد أيضا في رفض وضع سورية تحت البند السابع..كما نلاحظ أن المعارضة اهتمت بالجانب الاغاثي رغم أنها من مهمات منظمات المجتمع المدني.. المعارضة مهمتها صياغة الخطوط العريضة وتأمين الدعم لتسليمه لمنظمات المجتمع المدني وليس للتقاتل عليه في الاجتماعات السياسية من أجل تحقيق مكاسب حزبوية أو شخصية..وهذه امور لاتهم الغرب كثيرا اقصد موضوع تسهيلات دعم اغاثي..ما يهم الغرب هو الحقل السياسي.كل هذا ادى إلى ما وصلنا إليه من سورنة كبداية لتعفين الوضعية السورية وتزمينها..الآن يتم تداول صفقة ما او مبادرة الابراهيمي أو الحديث عن خروج أمن للعصابة الأسدية كل هذا هو عبارة عن مزيد من تعفين الوضع السياسي السوري..العصابة الأسدية لن تترك البلد، ولن تستطيع قوى الثورة حتى اللحظة اجبارها على ذلك، والمجتمع الدولي ليس معنيا كثيرا كما يحاول الاعلام اظهار ذلك..لكن ان تقوم قوى المعارضة هذه باعطاء انطباع وكأن هنالك مبادرات وصفقات فهذا اعتبره مزيدا من المساهمة في صوملة البلد..المعارضة بمؤسساتها الموجودة الآن اصبحت جزء من استمرار الصوملة الجارية..الادارات الغربية تلتقي بكل صنوف المعارضة الآن...من هيئة تنسيق إلى ائتلاف إلى مجلس إلى ما لانهاية!! لأنها مجمعة كلها على تحميل الموقف الروسي المسؤولية ورافضة للتدخل الدولي..وهذا ما تريده ادارة اواباما...