لا أحد يملك السير عكس تيار التاريخ، و ما يبذله نظام بشار الأسد أو quot;الجملكquot; الأول (نسبة إلى الجملكية) من جهود دموية للبقاء على سدته السلطوية، المشيدة أساسا على كثير من الجثث البريئة و الدماء، ليس سوى هدر لمزيد من الطاقات والإمكانيات في الهواء، كان من الأكرم و الأفضل و الأقوم سبيلا توفيرها، لو كان هو أو أي واحد من بطانته quot;الجملكيةquot; العتيدة يعرف قراءة التاريخ، و من خارج هذه الدائرة كان الأكثر تفاؤلا عم الجملك المنفي، عندما توقع قبل أيام نهاية حزينة في غضون ثلاثة أشهر لابن أخيه.
ربما سينزف الدم السوري مدة أطول مما توقع العم الجملكي، لكن الثابت في كل الأحوال أن النظام السوري لن يكون quot;أسدياquot; إلى الأبد، و أنه حتى لو قيض للجملك أن يستمر لبعض الوقت، فإنه لن يتمكن من حكم السوريين على ذات الشاكلة التي حكموا بها طيلة العقود الأربعة الماضية، ضمن التاريخ العربي الاستثنائي، لكن خارج التاريخ الإنساني، و بالحديد و النار و الغلبة و القهر و الاحتقار، و بتسخير كل المعاني الجميلة تسخيرا بشعا دمويا قاتلا، حتى عادت مقاومة العدو تعني استسلاما، و الجبهة الوطنية استهبالا، و القومية العربية استغفالا، و الاشتراكية فسادا و استغلالا.
لقد قرر الجملك بدل الإنصات إلى ما تبقى من حكمة، المضي قدما في طريق الدم، مراهنا على خلط الأوراق و حرق المراكب و تشبيك جميع عقد التاريخ و الجغرافيا و السياسة في هذا البلد، ملوحا برايات الطائفية حينا و العلمانية حينا و المقاومة حينا و الأقليات حينا و عمالة المعارضة حينا و عدم نضج بديل الحكم أحيانا، لكن كل هذه المبررات و الذرائع و الأوهام لن تنفع، فالزمن ليس زمن حماة سنة 1981، بل زمن البوعزيزي و سيدي بوزيد سنة 2011، و روسيا الحامية ليست الاتحاد السوفيتي قبل ثلاثين عاما، بل روسيا اليوم الفضائية التي سيصعب عليها احتقار المشاهد أو الضحك على ذقنه وعقله و ما تراه الأعين و تنوح به الأفئدة و الألسن.
و ثمة من أنصار الجملك، عن حق أو باطل، من عاد لسرد القصص ذاتها، عن مؤامرات أمريكية و غربية و إسرائيلية و قطرية، و قد يكون لبعض هذه القصص أصل فعلا، لكنها تظل كما يرى العقلاء المخلصون مجرد قصص ثانوية لا ترقى إلى جوهر القضية، فعندما يكون الاستبداد تظهر في أفقه الملبد بالغيوم جميع الرذائل، من غزو خارجي و فساد أخلاقي و فقدان المجتمع لكل بوصلة معقولة، و لا يفيد المستبد لتشريع بقائه التلويح بخطورة هذه الرذائل، فما هو أخطر منها بقاؤه في ذاته.
يجب أن يرحل الجملك، و سيرحل اليوم أو غدا أو بعده، و لن تذهب سوريا إلى المجهول كما يخوفون، لأنها لو ذهبت ما استحقت البقاء، و لن يذهب السوريون إلى حرب أهلية أو طائفية، و لو ذهبوا لا قدر الله فإنهم سيصنعون من وراء حربهم وحدة وطنية أقوم و أسلم و أصح و أقدر على البقاء في هذا العالم الجديد الذي لا يقبل إلا من يستحق الاستمرار، و لن تستفيد إسرائيل من ذهاب الأسد كما لن تخسر مقاومتها في جنوب لبنان، فبقاء إسرائيل ليس معلقا على نظام في الجوار مناسب بل عفن في أصل المشروع نافذ، أما المقاومة فقد استمدت وجودها من عدالة القضية التي ترفع، فالثوريون لا يموتون كما قال الحكيم.
لقد بدأ الربيع العربي من أقل دول المنطقة تعقيدا و سينتهي بتحقيق غاياته السامية في أشدها تشابكا، و بين تونس و دمشق قصص عشق عتيدة، و قد جاءنا الدمشقي يوما عاشقا يحمل وردة و كتابا، و لا شك أن عدد عشاق دمشق من التونسيين يضاهي عدد أوراق الياسمين..في بيوت الشام العتيقة و على أرض الخضراء من أفريقية..و يا الله ارحل يا بشار..
*كاتب و إعلامي تونسي