في موقع ايلاف سبق وأنْ حذرتُ اكثر من مرة المسؤولين عن الامن العراقي من ان يبالغوا من منجزاتهم الأمنية، خاصة وكانت المبالغة على شكل إمضاء للامن والاستقرار على مستوى ناجز تماما! وقد كان لتحذيري هذا ثمنه بحقي من الشتائم والسباب بل وحتى من التشكيك بالانتماء الوطني والديني والمذهبي من قبل رجال السلطة وصحفيها وكتابها!
لا اريد هنا أن انبش هذه الحقيقة المرّة وكم لها من نظير، ولكن مجرد للتذكير لعل ذلك ينفع، مع علمي سوف تتكرر الظاهرة، وبالفعل، فعلى أثر التفجيرات المفزعة الاخيرة كان هناك كلام عن استقرار وامن ناجزين في العراق الجريح، وكيف لا وقد توصلت الجهات المعنية الى معلومات دقيقة عن بعض خلفيات هذه التفجيرات؟!
لقد قرات للسيد قاسم عطا الناطق السابق باسم قوات حفظ النظام في مقابلة خاصة له في صحيفة كويتية ما معناه، ان عدد الارهابيين في العراق تقلص إلى كم محدود، لقد كانوا بالالاف واليوم هم لا يتجازون بضعة مئات!
لست خبيرا في الامورالامنية بطبيعة الحال،ولكن الذي اعرفه إن شبح الارهاب وخطورته وملابساته لا تتوقف على عدد الارهابيين بقدر ما يتوقف على مهارتهم واجهزتهم واسالبيهم، فربما عشرة من الارهابين المحترفين يعادلون جيشا من الارهابيين غير المحترفين!
الارهاب في العراق جزء من هذه الفوضى الطائفية التي يمر بها الشرق الاوسط، فهو غير منعزل عما موجود من احتقان طائفي في لبنان، وعن الحرب شبه الطائفية الدائرة في سوريا، وعن التجاذبات الدينية المخيفة في مصر، وعن عموم الاجواء الطائفية التي تتصاعد وتيرتها بشكل مخيف في المنطقة باسرها...
اتحدث هنا عن أمن مدني، وعن استقرار مدني،وليس عن امن حذر، واستقرار قلق، وفيما أثبت هذه ا لنقطة المهمة، خرج علينا مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى قبل أيام ليعلن أن وجود القاعدة انحسر في العراق، لان قواعدها هاجرت الى سوريا واليمن وغيرهما من البلدان المحتقنة لتمارس ادوارها القتالية الارهابية هناك!
القاعدة ليست مجموعة أفراد بل هي ثقافة للاسف الشديد، قابلة للتفريخ، ويبدو لي أن صاحب التصريح لا يمتلك ثقافة امنية علمية ولذلك تورط بمثل هذا الكلام وكم تورط بمثله!
الغريب أن بعض المسؤولين الامنيين في العراق يصرح علنا بان ضعف الجهاز الاستخباراتي في العراق من أخطر مايهدد الوضع الامني، ولكنه من جهة اخرى يؤكد أن الجهات الامنية تسيطر على تمام الوضع، فأي تناقض هذا؟
هل ثمة أمن حقيقي واستقرار حقيقي والانبار بل الجهة الغربية من العراق الجريح تكاد تكون خارج سيطرة المركز؟
كلام كثير عن تسرب سلاح وأموال عبر الغربية العراقية إلى سوريا، وقد جاء ذلك على لسان مسؤول عراقي كبير، فهل مع هذه المفارقة الكبيرة يتحقق أمن مدني واستقرار مدني؟!
إن هذه التصريحات المتناقضة وحدها تبرهن أنْ لا امن ولا استقرار مدنيين في العراق، فكون قادة العملية الامنية يتخبطون في تصريحاتهم، وكونها تفتقد إلى المهنية والموضوعية إنما تشكل مؤشر علمي واضح على أن الامن في العراق بعد لم يكتمل وان الاستقرار بعيد المنال حتى الان.
ان قراءة بسيطة لموجة التفجيرات الاخيرة التي حصلت في العراق وفي عمق العاصمة تؤكد ان الارهاب يملك قواعده المنتشرة في العراق،وان قابلية الارهابيين اكبر من قابلية الاجهزة الامنية برمتها.
ليس من شك أن هيبة القوات الامنية العراقية قد سقطت في عيون العراقيين، ليس من كثرة العمليات الارهابية بل من تناقض تصريحات رجالها وقادتها، وقبل ذلك من اهتزاز الصورة التي طالما يقدمونها للمواطن العراقي والتي تركز على أن الامن في العراق تحت السيطرة،وأن الارهاب تمت هزيمته!
أن تشكيك الشارع العراقي بقدرات قواته الامنية ليس في صالح العراق، ولكن الذنب لا يقع على عاتق الشارعلى عاتق القوات الأمنية ذاتها.
ملاحظة لقرائي الكرام
هذه اخر مقالة لي أيها القراء الأعزاء، فقد قررت الانقطاع عن الكتابة لارتباك وضعي الصحي، خاصة هذه الأيام، وأتمنى الخير لكل الناس، وأسال الله التوفيق لكل من آذاني وظلمني والحمد لله