اسراء الزاملي
مؤتمر القمة العربي المعقود حاليا في بغداد، هو واحد من أغرب و أکثر مؤتمرات القمة العربية إثارة و لفتا للأنظار، وعلى الرغم من سعي جميع الدول المشارکة في القمة(بما فيه العراق ذاته)، من تجاوز الاوضاع الاستثنائية فإنه مع ذلك ليس بالامکان ابدا غض النظر عن الاضاع الدراماتيکية التي تمر بالعراق و العالم العربي و التي ترسم في خطوطها العامة معالم طريق لواقع جديد تعاد من خلاله صياغة الکثير من الامور و القضايا.

عراب القمة العربية في بغداد على الرغم من انه يبدو في الظاهر نوري المالکي، لکن کل الوقائع و الادلة و الحقائق المستشفة على أرض الواقع تؤکد بأن المالکي و في ظل أوضاعهquot;الصعبةquot;داخليا وquot;المعقدةquot;عربيا وquot;الصعبةquot;دوليا، ليس أهلا و کفؤا للتوفق في عقد هکذا مؤتمر رفيع المستوى عربيا من دون الاتکاء على عکازة و مسند قوي يعينه على الوقوف بوجه القادة العرب المتحفظين اساسا من شخصه تحديدا لما لهم من علامات إستفهام و تعجب على طريقة و اسلوب تعاطيه مع العديد من الامور المتعلقة بالعراق و علاقته بمحيطه العربي.

التصريحات المختلفة من جانب أطراف عراقية متباينة بصدد جنوح رئيس الوزراء العراقي للتفرد بالسلطة و سعيه لإقصاء و إبعاد و تصفية الآخرين بطرق و اساليب مختلفة، و أشيع و يشاع عن ثمة مبارکة إيرانية لعقد مؤتمر القمة في بغداد بمؤازرة أمريکية لامناص منها، يدفع الملوك و الرؤساء العرب المجتمعين في بغداد الى التحفظ کثيرا على إبداء مواقفهم من بعض المسائل الحساسة التي سيتم طرحها في المؤتمر.

التيارين العربي السني و الکردي مضافا إليه أطرافا من داخل التيار الشيعي نفسه و الرافضة جميعا لتوجهات المالکيquot;الايرانية المحتوىquot; و سعيهم لطرح استراتيجية وطنية عراقية بديلة ذات عمق عراقي عربي تکفل للعراق موقفا مفهوما على الاصعدة العراقية و العربية و الدولية، من الواضح جدا انها تدفع بموقف المالکي الى مفترق أقل مايقال عنه مبهم او غير مستساغ، ومن دون شك فإن النظام الايراني الذي يقف تماما خلف عقد قمة العرب في بغداد سيحاول جهد الامکان و عبر مختلف القنوات لمعالجة هذا الامر، لکن ليس هناك في الافق مايعطي إنطباعا عن ثمة نجاح قد يحققه النظام الديني المتطرف في إيران على هذا الصعيد، إذ انه و على الرغم من حضور الدول العربية في هذه القمةquot;المحيرةquot;، لکنهم جميعا على بينة تامة من المرامي و الغايات المشبوهة التي يسعى إليها هذا النظام عبر هذه القمة.

ان نفوذ النظام الايراني في العراق و الذي بات أمرا واقعا و مفهوما للقاصي قبل الداني، يفرض نفسه بقوة في أجواء هذا المؤتمر بحيث يشم جميع القادة العرب رائحة الملالي في کل رکن و زاوية من بغداد، والجميع يعلمون بأن حقيقة و واقع الامر للحکومة و الدولة العراقية المؤسسة بعد سقوط النظام العراقي السابق يختلف تماما عن هذا الذي يرونه بأم أعينهم، حيث أنهم يفکرون بالذي يکمن خلف هذه المظاهر التي تبرز أمامهم.

التحالف القوي و غير العادي الذي يربط بين نوري المالکي و الحزب الذي يقوده و بين النظام الايراني، هو من نوع التحالفات التي تستمر حتى اللحظة الاخيرة خصوصا بالنسبة للطرف الاولquot;أي نوري المالکيquot;، حيث انه الطرف التابع و ليس المتبوع و بذلك فإنه ليس لديه أي خيار لکي يفرض إملائاته او مطاليبه وانما هو مجرد (منفذ للأوامر من دون مناقشة)، وان شکل و مضمون طريقة التعامل التي يتبعها المالکي مع الاطراف العراقية و العربية و الدولية لو دققنا فيها قليلا لوجدنا أنها تتفق و تتطابق مع الخط العام لسياسات النظام الايراني ورغم أن المالکي يحاول بطريقة او بأخرى الإيحاء بأنه يستطيع أن يقول للنظام الايراني لا و هذا ما قد جسده من خلال تصريحات أطراف في حکومته بعدم السماح لإيران بإرسال السلاح لسوريا عبر الاراضي العراقية لکن هذا التصريح جاء بعد أن مرت فترة طويلة على المعلومات المتباينة التي کانت تؤکد بأن هناك تسريب للأسلحة و الافراد للنظام السوري عبر الاراضي العراقية و قطعا فإنه ليس من السهل الجزم بمصداقية تلك التصريحات، کما أن تفاقم مشکلة معسکر أشرف و السلبيات المختلفة التي رافقت عمليات نقل الوجبات الثلاثة منهم الى مخيم ليبرتي و المعلومات المؤکدة الواردة من هناك و التي تؤکد بأن سکان أشرفquot;اللاجئين السياسيين أساساquot;، قد إنقلبوا بفعل الضغوط الايرانية الى مجرد سجناء في سجن صغير نسبيا و منغلق على نفسه، وان هکذا تعاطي مع هؤلاء المعارضين الاساسيين للنظام الايراني لايخدم مصلحة و أمن العراق اولا و المصلحة و الامن القومي العربي ثانيا، فلو کانت بغداد عربية الفعل و القرار لکان ذلك يتجسد في المقام الاول في تعاطي حکومة نوري المالکي مع ملف قضية أشرف، بإختصار، بغداد بحکومتها و حزبهاquot;القائدquot;الحالي أبعد ماتکون عن العرب ولأجل هذا فإن السؤال الاکبر الذي يطرح نفسه هو:
مالغاية و الهدف من عقد مؤتمر للقمة العربية في بغداد باتت سياسيا غير عربية؟!

[email protected]