لا شك، أن انعقاد مؤتمر قمة الجامعة العربية في بغداد العاصمة الاتحادية، تشكل تظاهرة رسمية عربية نوعية لدعم العراق، واحترام خيار العراقيين في إختيارهم السياسي ونهجهم الديمقراطي يشكل نقطة بارزة في هذا المؤتمر، ولا شك أن عقد القمة في ظل الأوضاع الراهنة التي يمر بها العراق والمنطقة والدول العربية، ستعقد جدول أعمال المؤتمر، ولكن الاصرار على عقد القمة دليل على أن البلاد سائر في مسار عملي في طريقه الى الاستقرار والسلام، ودليل على أن العراق جزء حيوي في منظومة دول العالم العربي، وان البلد يرقد على أرض فيها بعض الاستقرار والأمن والسلام الذي تم ترسيخه بفعل الاجراءات الامنية والعسكرية المشددة، ودليل على ان العراق بدأ يستعيد الثقة للتمتع بحركة عمرانية واقتصادية وتجارية ملموسة على جميع الأصعدة.

ومن باب الاعتراف لابد لنا من القول، ان عقد مؤتمر القمة في بغداد، يؤسس لأول انطلاقة عربية تجاه العراق، ولأول انطلاقة عراقية تجاه الجامعة العربية، بعد أن غاب البلاد عن محيطه العربي طوال السنوات الماضية، وهذا ما يفسح المجال أمام بادرات عربية أخرى وعراقية على مستوى حكومات الدول والهيئات ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، لإرساء مجالات أوسع للتعاون والتنسيق والتبادل بين العراق والدول العربية.

وفي ظل أجواء القمة، وفي ظل ثورات الربيع العربي يمكن الاستفادة من النموذج العراقي لانتهاجه نهجا دستوريا جديدا أساسه احترام حقوق الانسان وفصل سلطات الدولة عن بعضها وفق مسار ديمقراطي متسم بالتعددية والنظام الاتحادي ونقل السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، وبالرغم من الازمات والمشاكل التي يعاني منها العراق، ألا ان تجربته الدستورية والانتخابية المتميزة في المنطقة ممكن الاستفادة منها لارساء السلطة المدنية وفق سياقاتها الصحيحة، وكذلك الاستفادة من تجربة اقليم كردستان المميزة، وبالرغم من الفساد المالي والاداري المنتشر فيهما، ونقل الخبرات والتجربة العراقية والكردية في مجالات الحقوق المدنية والتشريعات والتنوع الثقافي الذي يتسم به العراق المعاصر الى الدول العربية.

ولكن المتوقع ان القرارت السياسية التي ستصدرها قمة بغداد ستكون غير قادرة على تلبية الظروف التي تمر بها المنطقة، بسبب تعقيدات الاوضاع في المنقطة وخاصة حول الملف السوري وربيع الثورات العربية والدور الايراني، ولكنها تبقى محاولة لتفهم وقراءة الأحداث التي يمر بها العالم العربي، وبالرغم أنها سوف لا تكون بمستوى الطموح، الا ان عقد المؤتمر في بغداد يعتبر مكسبا سياسيا كبيرا للعراق، وتعبيرا من العرب لاحترام خيارات العراقيين ورفض أي تدخل اقليمي بالشؤون العراقية وسيادته، وتأيدا لجهود الحكومة والأحزاب والمراجع في وأد الفتنة الطائفية وإبعاد شبح الحرب الأهلية عن أهل العراق بعد ان كادت ان تشتعل قبل سنوات لتحرق اليابس والاخضر على أرض البلاد، ودعم لترسيخ سياسة التسامح ونبذ العنف بين المكونات الدينية والقومية، وتأكيد لدفع التلاحم والتحالف بين الاطراف والكتل والأحزاب السياسية لوحدة الموقف من أجل بناء العراق.

وبالتأكيد وخلال هذه القمة البروتوكولية سيطلب العراق من القمة دعمه في جهوده الدبلوماسية لاخراجه من وصاية الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة لاستعادة سيادته الكاملة، وحث الدول العربية على الاسراع بإعادة تمثيلها الدبلوماسي في بغداد بصورة كاملة، وحث المؤسسات الاستثمارية العربية لدعم ومساعدة العراق في جهوده المبذولة من أجل البناء والاعمار والاستثمار في كافة مجالات الحياتية في البلاد

وكل التأكيدات الصادرة من بغداد ورئاسة الجامعة العربية حول ضمان نجاح القمة، ترافقها استعدادات كاملة من قبل الحكومة العراقية لانجاح المؤتمر ولو بغياب الرؤساء والملوك والامراء وبحضور ممثلين عنهم للقمة، والاعلان الصادر من الرئاسة العراقية حول عقد مؤتمر المصالحة الوطنية بعد انتهاء القمة تأكيد على ضمان الدعم من كل الاطراف العراقية لانجاح المؤتمر، للدفع باتجاه عودة العالم العربي الى العراق، وعودة العراق الى المحيط العربي، والبدء بإعادة العلاقات العربية العراقية على جميع الأصعدة الحكومية وغير الحكومية الى مجراها الطبيعي، وإرسائها وفق اسس جديدة تراعي الوضع الدستوري المثبت في العراق، واحترام خيارات شعبه.

ولا شك ان هذه القمة ستكون أول اعتراف عربي رسمي على المستوى الدولي بالواقع العراقي الجديد والوجود القائم للكيان الدستوري الكردي إقليم كردستان ضمن السيادة العراقية، ولكن هذا الاعتراف مهما كان حضوره قويا بحاجة الى بادرة عربية تجاه العراق الجديد وتجاه الاقليم وهي قبول الاقليم الكردي مراقبا في الجامعة العربية تعزيزا لعلاقة العالم العربي بالعراق وباقليم كردستان.

لهذا نجد من الواجب أن نعبر عن هذا الرأي لاخواننا العرب لكي يكون الحضور العراقي متميزا ومرافقا بالحضور الكردي عبر التمثيل الرسمي لحكومة اقليم كردستان في الجامعة العربية، ونأمل ان تؤخذ هذه البادرة بجدية من قبل رئاسة الجامعة العربية ومن قبل الوفد العراقي لضمان ارساء علاقة متكاملة ومتميزة بين العالم العربي والأمة الكردية وبين الجامعة واقليم كردستان، وبالتأكيد فان تبني هذه الرؤية تشكل مسارا صحيحا استنادا الى مواثيق الجامعة والأمم المتحدة، وفيه مصلحة ومنافع وخير لكل الأطراف ولكل شعوب المنطقة والشعوب العربية وللشعب الكردي، وحان الوقت للعرب من دعم هذا الخيار والرؤية الكردية لدفع القمة العربية في بغداد الى اقرار هذه البادرة لصالح العرب والكرد وبقية الشعوب جميعا.

كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]