للعراق وملفات التعذيب وحكاياته المرعبة تاريخ موثق و ( جليل ) في التاريخ السياسي الحديث كانت بدايته الفعلية مع إنقلاب عام 1958 العسكري الذي أطاح بالنظام الملكي الدستوري الشرعي وجاء بثلة من القتلة و الموتورين و المتخلفين من أهل العسكرتاريا الرثة ليتحكموا بالعالمين و يزدرون بالنظم و القوانين و يؤسسون ما أسموه بالشرعية الثورية بديلا عن الشرعية الدستورية، والذين معهم و مع حكمهم القميء تدهورت أحوال دول الشرق العربي بدءا من مصر التي وقعت تحت سطوة عدد من البكباشية و الضباط الفاشلين، مرورا بسوريا، ووصولا للعراق الذي بعكس مصر تماما تحولت بقايا القصور الملكية فيه و كانت قليلة أصلا لمقرات تعذيب مرعبة تقطع فيها الأطراف البشرية و تمارس خلف جدرانها المتسخة الموحشة أفظع عمليات التعذيب و التقتيل الممنهج وفق رؤى ثورية!! كما حصل مع قصر الرحاب الملكي في بغداد وهو قصر متواضع للغاية في مفهوم القصور المعروفة وحيث شهد نهاية العائلة الملكية العراقية الهاشمية الحاكمة و التي أسست العراق بشكله الراهن المعروف وبطريقة بشعة و مخجلة ستظل عنوانا للوحشية و الغوغائية السائدة للأسف في المجتمع العراقي، فتحول ذلك القصر على يد البعثيين الإنقلابيين عام 1963 ليكون قصرا للنهاية كما أطلقوا عليه و ليتول لمعمل تعذيبي كبير و لفندق للسعادة العراقية!! ولمركز مرموق من مراكز إمتهان إنسانية الإنسان على يد قتلة معروفين بالأسماء و التواريخ و منهم قيادة البعث القطرية لعام 1963 كعلي صالح السعدي و رفاقه من القتلة ثم جاء حكم البعث الثاني ليتألق نجم صدام حسين و رفيقه ناظم كزار و مجموعته الإرهابية و البلطجية من شقاوات العراق ليمارسوا فيه عمليات التعذيب و الإبادة ثم ليتم هدم ذلك القصر نهائيا عام 1973 في محاولة لمحو آثار الجرائم السلطوية المرعبة ولكن لتفتتح معامل ومصانع تعذيب أخرى أكثر تطورا و حداثة و عصرنة!. وطبعا على مدى التاريخ العراقي المعاصر المتوتر المليء بكل عناصر القتل و الجريمة و الوحشية و التخلف كان حكام العراق من مختلف التوجهات مجرد ذئاب بشرية، حتى جاء عصر الحريات!! مع إحتلال العراق و سقوطه تحت قبضة و أقدام أهل المارينز الأمريكي الذين جاء خلف ترسانتهم العسكرية أهل الأحزاب الدينية و الطائفية من أتباع النظام الإيراني تحديدا و من بقايا منافقي النظام البعثي القديم الذين بدلوا ولاءاتهم في لحظة الحسم و التحول و أرتدوا المسوح الدينية المزيفة لكونها ( عدة الشغل ) العصرية، مع ذلك التحول تحول التعذيب في العراق ليكون مدرسة سلطوية عريقة خصوصا و إن الرفاق الأمريكان لم يقصروا أبدا في تنفيذ سيناريوهات تعذيب هوليوودية في سجن أبو غريب الشهير و الذي أثارت الصور المرعبة الملتقطة فيه ضجة عالمية رغم تواضع ذلك التعذيب الأمريكي مقارنة بالتعذيب الوطني العراقي صاحب التاريخ العريق و التجربة الثرية!!، لقد جاء أهل الأحزاب الإيرانية للسلطة و الحكم في العراق كحزب الدعوة الإيراني و المجلس الأعلى الإيراني ثم الأحزاب الطائية الصغيرة الأخرى و الميليشيات المتفرعة عنهما و بعضها كعصابات ما يسمى بجيش المهدي ذات حمولات بعثية راسخة ! وهم يحملون حقدا مقدسا على كل ماهو إنساني و يمارسون صنوفا من الوحشية تعلموها و أقتبسوها من معلميهم السابقين في طهران و دمشق تحديدا، وجاء زمن حكومة إبراهيم الجعفري الأولى عام 2005 وفي عهد وزير الداخلية الأسبق الرفيق باقر صولاغ ليشهد تطورات ملفتة للنظر في أساليب التعذيب في زمن الحرية الأمريكي العتيد وحيث دخل المثقب الكهربائي ( الدريل ) في الصورة ليكون عنوانا شاخصا في ثقب رؤوس العراقيين في ديمقراطيتهم الجديدة ( دام ظلها ).. ثم جاءت التطورات الأخيرة و إتهام نائب الرئيس العراقي الهارب طارق الهاشمي لحكومة المالكي بقتل تحت أفراد حمايته تحت التعذيب لنزع إعترافات وهمية تدينه بالإرهاب ليكون توثيقا سلطويا لحكاية سلطة طائفية فشلت في كل شيء و لكنها نجحت في تعميم الإرهاب و إعتبار التعذيب ( سنة سلطوية متبعة )!! وأحد أهم أساليب حكومة نوري المالكي لتطويع المعارضين وكسر شوكة المنتقدين متسلحين بالمادة 4 إرهاب التي يحملها المالكي في يده كسبف عنترة ليلوح بها في إبتزاز معارضيه، ووفقا لشهادات آلاف مؤلفة من العراقيين و بعضهم ضمن محور أحزاب السلطة فإن للتعذيب في العرق اليوم سوق رائجة تستعمل للإبتزاز السياسي و هو سائد و متفشي بشكل عادي في أروقة دولة فاشلة يقودها حزب طائفي و فاشي فاشل أصلا و منتهي الصلاحية وهو مجرد نبتة إيرانية في التربة العراقية، و حكايات التعذيب تحولت لأساطير لا تنتهي، فإذا كان نائب الرئيس العراقي الذي تحول لطريد لا يستطيع حماية حمايته من التعذيب ؟ فمن بإستطاعته حماية العراقيين..؟.. والله حالة.

[email protected]