عبر أكثر من نصف قرن تساقطت حكومات وأنظمة ودكتاتوريات على صخور كوردستان حينما حاولت تلك الأنظمة المساس بحياة كوردستان وكرامة شعبها المسالم المعطاء، ونتذكر جميعا كل محاولات الحكومات العراقية بكافة أوصافها وإشكالها ونظمها، كيف انهارت وتقهقرت حينما ظنت ان بمقدورها إذلال شعب كوردستان بوسائلها التي بدأت بالنابلم والأسلحة الكيماوية وانتهت بالحصار الذي كان يمنع وصول باقة كرافس أو كيلو من الطحينية إلى الإقليم إبان تسعينات القرن الماضي الكريهة؟ واليوم يتداعى البعض حاملا أثقال تلك السياسة المقيتة وثقافتها القاتلة بوعي أو دون وعي لتقليد ذات الأسلوب في الحصار أو العدوانية على جزء من البلاد، حيث قرر مسؤول الطاقة في العراق السيد الشهرستاني إيقاف ومنع تصدير البنزين إلى إقليم كوردستان، وقد ذكرني هذا القرار أو الخبر بضابط استخبارات عند نقطة سيطرة بين الموصل ودهوك أيام نظام صدام حسين وهو يتعملق على نساء عجائز من إحدى المدن الكوردستانية المحاصرة ابان نظام البعث وهن ينقلن بعض الخضراوات من الموصل الى ذويهن، وكيف سحق بقدميه أكياس الطماطم الصغيرة وأفرغ زجاجات الطحينية في أحذيتهن وطلب منهن المشي بعد ذلك؟ يذكرني هذا السلوك المشين لذلك الضابط بمواقف أخرى تريد استخدام ذات الأسلوب مع شعب تمرس في مقاومة الحصارات والأسلحة المحرمة، حتى أصبح كمن يأخذ لقاحا ضد فايروس أو مرض ينتشر في أوساط تدمن العدوانية والدكتاتورية في سلوكها، لا لشيء الا لتلك الثقافة المترسبة في مفاصل تكوين رموزها، وقد شهدنا منذ سقوط نظام الحصارات والدكتاتورية المقيتة الكثير من تلك المحاولات التي تعمل من اجل إعادة تصنيع ذات السلوك من خلال التعامل مع كوردستان بصيغ لا تقل عما كانت تفعله الأنظمة السابقة، كما يحصل الآن في موضوعة منع تجهيز الإقليم بمادة البنزين من قبل وازرة النفط ومسؤول الطاقة في العراق السيد الشهرستاني المنهمك بتوفيرها لإنتاج الكهرباء منذ توليه هذا المنصب والذي انفق ما يقرب من عشر مليارات دولار لمشاريع الكهرباء منذ ست سنوات وأنتج زيادة ساعة أو أقل بقليل؟ ولعل اولئك الذين منعوا تزويد الوقود لمضخات مجموعة آبار ارتوازية حفرتها حكومة الإقليم لقرى سنجار بسبب الجفاف الخانق نهاية 2003م، أو أمثالهم الذين حرموا سنجار والشيخان وزمار من مفردات البطاقة التموينية لما يقرب من عام كامل، هم ذاتهم الذين يقاتلون من اجل إحراق نفط كوردستان وإيقاف إنتاجه أو تصنيعه وتكريره، ومن ثم إيقاف نهوض الإقليم الذي يكشف مدى تخلفهم وفسادهم وفشل سياستهم الداخلية والخارجية، وهي بالتالي صورة أخرى من صور الحصار الشوفيني البائس الذي يمثل نهجا عدوانيا مقيتا يحمل على أكتافه نياشين الحرب والانفالات التي ما كدنا نسيناها حتى بدأنا نشم رائحتها من سلوكيات لا تختلف كثيرا مما عاشته المنطقة خلال سنوات سبقت تلك الفاجعة الإنسانية التي يندى لها جبين العالم. لقد أثبتت الأحداث ومحصلة سنوات طويلة من الصراع فشل تلك القوى السوداء بمحاولتها في الحرب أو الحصار على كوردستان تمزيق نسيج الشعبين العربي والكوردي وخلق عداء قومي أو عرقي بينهما، فبينما كانت تلك القوى تفعل فعلتها الشنعاء بالحصار أو الحرب كان الكوردستانيون يحققون نجاح مشروعهم وكان الشعب العربي يمزق ويخترق أسوار الحصار ليصل إلى الكورد بأي شكل من الأشكال، ولن تنسى جبال ومدن وقرى كوردستان اولئك الشباب من المناضلين العرب الشيوعيين والديمقراطيين والمستقلين والقوميين والاسلاميين ومن كوادر جميع الحركات والأحزاب المعارضة العراقية لكل الأنظمة منذ أكثر من نصف قرن وحتى يومنا هذا التي التجأت إلى المناطق المحررة من كوردستان وناضلت جنبا الى جنب مع البيشمه ركه من اجل غد أفضل للعراق وكوردستان. حقا صدق من شبه حصار كوردستان بلعنة الفراعنة التي تلاحق كل من فعلها، فحذار من لعنة الشعب؟
ان محاولات إعادة تصنيع ذلك النهج البائس من الثقافة الأحادية والتسلطية لتكثيف السلطات بيد شخص ما أو حزب معين أو عرق أو قومية أو دين أو مذهب، إنما يضع حدا لنهايته في عراق لن يقبل مرة أخرى أي محاولة من هذا التفرد أو السلوك، وما محاولات البعض في إعادة سلوكيات الحصار وتكثيف العداء مع الإقليم الا عملية بائسة للتغطية على فشل ذريع في خدمة الشعب وتنفيذ برامج الحكومة التي أعلنت منذ قيامها عام 2005م ولحد اليوم.
- آخر تحديث :
التعليقات