يقول البعض إن مصر ستشهد ثورة ثانية إذا ما فاز الفريق أحمد شفيق في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة، بحجة أنه من أركان النظام السابق، فما القول لو فاز مرشح الإخوان المسلمين، الدكتور محمد مرسي؟ وهل هذا بما يمثله من فكر يقوم على استبدال الإكراه السياسي بالإكراه الديني والإجتماعي، وصولاً الى السياسي، يمكن أن يطمئن الثوار بأن ثورتهم لن تصادر، وإن الشارع سيكون لهم متى أرادوا؟ هل قدّم مرسي ضمانات مكتوبة، للقوى الوطنية، والأحزاب، بأنها لن تُمنع من المشاركة السياسية، وإن جماعة الإخوان لن تدير البلاد كشركة إحتكارية، بضاعتها تدينها الخاص، ونقمة الناس على نظام مبارك؟
أسئلة غاية في الصعوبة، لابد أنها خطرت على بال الكثير منا، ونحن نسمع أحاديثاً مستعجلة، عن ضرورة الإلتفاف حول الدكتور مرسي، لإنقاذ الثورة، وتدارك منصب الرئاسة من أن يقع في حوزة رجال العهد السابق، وكأن الإخوان المسلمين هم من فجّروا الثورة، وليس من وقفوا يتفرجون على ضحاياها، وينتظرون اللحظة المناسبة للإنقضاض عليها، ثم يأتي عميدهم الشيخ يوسف القرضاوي فيزيح الشباب عن منصّة التحرير ويخمد أصواتهم الى حين.
من تلك الأحاديث، ما قاله المحامي شحاتة محمد شحاتة، مدير مركز النزاهة والشفافية، فقد توجه الى الناس، عبر الفضائية المصرية الرسمية، ناصحاً إياهم بأن ينتخبوا مرسي، وإن كانت مرجعيته مرشد الجماعة محمد بديع، لأن ذلك، برأيه أفضل من أن تكون المرجعية أمريكا وإسرائيل، بالنسبة للمرشح أحمد شفيق!! وكذلك دعا مرشحي الرئاسة، صباحي وأبي الفتوح، الى أن يساعدو مرسي. الصدمة في هذا الإعلان، أن يصدر عن محامٍ كان له الفضل في إصدار القضاء الإداري، حكماً ببطلان تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، وذلك في العاشر من شهر نيسان-أبريل الماضي. وكان شحاتة أول من رفع دعوى البطلان بتاريخ الرابع من آذار- مارس، بعد يوم واحد من قرار مجلسي الشعب والشورى، بمنح حصة للإخوان في اللجنة المذكورة، والتى حُددت لاحقاً ب خمسين بالمئة.
قصدت من هذا المثال تسليط الضوء على حالة الإرتباك التي يعاني منها معظم النخب الواعية والمثقفة في مصر، والتي تستهين بمخاطر التصويت لمرشح الإخوان. نظرة خاطفة لحال إيران تحت حكم رجال الدين وطاقمهم من المتعلمين والأكاديميين، تكفينا درساً موجعاً عن وقائع مصادرة الثورة الإيرانية، التي ساهمت فيها كل القوى والأحزاب المناوئة لنظام الشاه، ولم تحصد إلا المشانق والسجون، أو في أحسن الأحوال، التضييق والتهميش، كل ذلك لأنها تساهلت مع الخميني ورضيت بقيادته للثورة، باعتبار أنها ظرفاً مؤقتاً، ثم تعود اليها ناصية الأمور. وإذا كانت النخبة تنساق وراء الإخوان، فما هي حيلة المواطنين العاديين، المأسورين بحاجاتهم اليومية، والمبتهجين بعطايا المواد الغذائية، الذين ينوبهم من الحب العارض جانب، ويتلقون فتات الفتات، من الأموال المتسللة من وراء الحدود.
مالذي يجمع بين الليبراليين والناصريين، من جهة، وبين الإخوان المسلمين، من جهه أخرى، ما الذي تعنيه الحرية، والعدالة الإجتماعية بالنسبة للدكتور مرسي، ثم ما هي مرتبة الوعود التي يقطعها الإخوانيون للشعب، في صحيفة الحقائق، تاريخياً وحاضراً؟
ينقل عنه في تصريحات متشابهة، إنه سيتنازل عن رئاسة الحزب إذا ما تولى الرئاسة، وإن بيعته ستكون للشعب وليس للإخوان، وإذا أردنا أن نصدقه فما علينا إلاّ أن نتذكر كيف وعدنا حزبه بأنه لن يقدم مرشحاً للرئاسة، ثم نسي وتقدم بقوة الى السباق الرئاسي، وهنا أحيل القارئات والقرّاء الى مقال في جريدة اليوم السابع، بعنوان: الخطة الكاملة لتحركات الإخوان، كتب بتاريخ اليوم (الحادي والثلاثين من شهر مايو- أيار الحالي).
لا يخفى على أحد إن الحرية بنظر الإخوان - على سبيل المثال - هي ما تسمح به أقوال الفقهاء المعتمدين من قبلهم، التي يعتبرونها شريعة ملزمة لغيرهم، وبمقتضاها فإن الحجاب فريضة، والسياحة التي يرتزق منها الشعب، مفسدة، وحق التعبير لا يتعدى السقف المحدد في شريعتهم، وولاية المرأة محدودة، والقوانين المنصفة لها، مجرد إرث من نظام مبارك، يعبّرون عنها بأنها (قوانين الست) ويعملون على تغييرها. أما العدالة الإجتماعية، وتقليل الفوارق بين الطبقات، كمبدأين ملازمين للفكر الناصري الذي ظل يجتذب الكثير ممن يتذكرون الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومنجزات عهده في مجال إنصاف العمال والفلاحين، والفقراء بعامة، التي هي في الواقع رصيده الباقي، على الرغم من سياسته العامة التي قادت الى كوارث، على مستوى مصر والمنطقة العربية، هذه العدالة التي يتسمى بها حزب الإخوان المسلمين، لن تخرج عن دائرة منظومة الإحسان، ولن تمس القاعدة التي تقول بأن الله تعالى قسّم الأرزاق، فمن ولد فقيراً فإن الله أراده كذلك، ومن جمع الأموال واغتنى، فإنه في نعمة من ربه، وإن الفوارق الإقتصادية بين الناس، مشيئة ربّانية لتسيير ماكنة الحياة. وعلى فرض أنهم طبّقوا الزكاة - ولن يفعلوا- فماذا تعني هذه الضريبة اليسيرة بالنسبة لكبار الأغنياء من أصحاب الملايين الذين تعودوا التحايل على الضرائب، هل ستؤدي الى تقليل الفوارق بين الطبقات، أم ستفرز طائفة من المحسنين، هل يؤمن الإخوان بتحديد الملكية الزراعية، كمدخل لمساعدة الفلاحين؟ ثم ماذا عن العدالة في النظرة الى النساء؟
هذه مجرد أفكار عرضت لي وأنا في وضع من الدهشة القاسية، أمام من يدعون لنصرة مرشح الإخوان، ضد منافسه الفريق أحمد شفيق، وباعتقادي إن هذا المرشح المغضوب عليه، وإن كان قد شغل منصب رئاسة الوزراء، في الفترة ما بين اشتعال الثورة، وتنحي مبارك (من 29 -01- 11 الى 11-02-11)، واستلام المجلس العسكري للسلطة الحقيقية، لم يُعرف عنه إنه تولى منصباً يتعلق بقمع الحريات، كما لا يمكن اعتباره مسؤولاً عن موقعة الجمل، التي دبّرتها المخابرات المصرية، وعصابات النظام السابق. ومهما كانت المخاوف من فوزه بالرئاسة، باعتبار ما يقال عن ولائه لنظام مبارك، فإنها لا تعادل الكوارث التي ستحيق بمصر إذا ما حكمها الإخوان المسلمون، وأكبرها ما يتعلق بالحريات الشخصية التي هي أساس حياة الناس، الى جانب حرية التعبير والإبداع، وهي الرئة الثالثة لبنات الشعب وأبنائه، حين تترمد ألآفاق، وتضيق الأنفاس، من معاناة الفقر والبطالة، والعيش على هامش الحياة .
وأنا حقيقة غير قلقة على خارطة مصر وسياستها تجاه إسرائيل، في ظل الإخوان، لأني لا أتفق مع من يعتقدون بأن اتفاقية السلام مع إسرائيل، سيلتهمها الإخوان بتشددهم، ذلك إن التشدد هنا شيئ من الماضي، من عهد معارضتهم لمبارك، ووسيلتهم لإثارة الفوضى، وإلاّ فلماذا حظيوا برعاية وزيرة الخارجية الأميركية، مبكراً قبل أن تلوح بوادر تقدمهم. ولكن لو فرضنا إنني على خطأ، فماذا سيحصل؟ سيعلن الإخوان جهاداً ضد اليهود، ثم يطبقوا الحصار على حقوق الناس البسيطة، وعند ذلك لا صوت يعلو على صوت المعركة!!
أعود الى سؤالي، ماذا يريد شباب مصر وثوارهم، هل يريدون تجديد ثورتهم برفع شعارات تفضي الى العدم، من قبيل: لا لحكم العسكر، لا لحكم شفيق، لا لحكم المرشد؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يتوحدوا ويفرزوا مرشحاُ وطنياً يتوفر فيه الحد المقبول من الثقة، أين كانوا طيلة الفترة الماضية؟ إن اللّاءات فقط دون العمل عليها، لا تحجب عنا رؤية الواقع، فليس هناك غير هؤلاء الثلاثة، ولن تزيحهم قوّة الشعار.
ملاحظة أخيرة تتعلق بموضوع الإنتخابات بشكل عام، ليس في مصر وحدها وإنما في دول أخرى، ولنعتبرها جملة اعتراضية في هذا المقال، لماذا يمنع مئات الألوف من العسكريين والشرطة من التصويت، وهو حق لكل إنسان راشد؟ لماذا تصبح خدمة الوطن والمحافظة على أمنه وحدوده، سبباً لحرمان هؤلاء من حقهم؟ كيف يمكن أن يتساووا مع مرتكبي الجنايات، والجنح المخّلة بالشرف، ومن ارتكبوا جرائم التزوير أو ممارسة العنف أثناء الإنتخابات (حسب القانون المصري)؟


[email protected]