سنوات قليلة ونصل لنصف قرن من عمر هزيمة سبعة وستين والتي جملت لغويا لتصبح النكسة بعد النكبة ، ورغم طول المدة والفرز الي خلقته بتحويل الصراع مع اسرائيل الى صراع كل دولة على حده لاستعادة اراضيها المحتلة ، فالخاسر الاكبر في هذه الحماقة التي ارتكبت يومها باسم الانظمة الثورية التقدمية هم الفلسطينيون الذين لم تكفيهم مصيبة عام ثمانية واربعين بضياع وطنهم وتشريدهم بل اكملت عليهم الهزيمة بأن كسرت حلمهم ودمرت الأمال بالحرية والعودة للوطن الأم .

كعادتنا منذ بداية تدوين التاريخ اكتفينا بمنطق سرد الحكاية في الحديث عن الهزيمة ومازال البعض مصرا على انها مؤامرة سقطنا في فخها للمرة الألف وان اجتماعات الغرف السرية في اقبية الامبريالية والصهيونية والماسونية وما تبعها هي التي خططت ونفذت وطبعا بأيادي محلية الصنع فكانت الهزيمة .

كشف المؤامرة امر صعب وغير متوفر ولكن الحديث عمن قاد العرب للهزيمة وخلق بما فعله هذه الحالة القائمة منذ ما يقرب من نصف قرن ممكن فنحن ولليوم اما شهود عشنا الحدث وأما اجيال لحقت وشاركت بدفع الثمن .

هزيمة سبعة وستين اثبتت أن كل ما قادته وخططت له الانظمة الديكتاتورية العسكرية العربية كان بيع الوهم وتسويق صناعة زعماء اكبر من حجمهم وتحويلهم بإعلام موجه الى مناصري الثورات والمطالبين بالحرية في كل دول العالم وطبعا متناسين عمدا ان شعوبهم انساقت وراء كذبهم عشقا لمن سياتي مخلصا يقود جحافل النصر المبين ويعيدنا لزمن وعنتر وصلاح الدين محرر القدس .

عبد الناصر واصحابه العسكر كانوا يلهون بالحكم واحلامهم قبل انقلابهم على قائدهم محمد نجيب وهم الضباط اصحاب الرتب الوسيطه لم تتجاوز امتلاك سيارة وبيت في وسط القاهرة فوجدوا انفسهم يقودون الجحافل للتحرير بينما في قرارة انفسهم كان هنالك احساس بعدم القدرة على استيعاب ما يجري اوفهم الواقع فكان بيع الوهم للشعوب بالاعلام الذي اكتشفوا بركاته بكذب اذاعة صوت العرب ومقالات هيكل التي كانت تضع لهم الخيط الذي سيسيرون ورائه ان اوصلونا واولهم جمال عبد الناصر لهذه الهزيمة المستمرة في تجسيد انتصار عدونا فعلا وممارسة على الارض ليومنا هذا .

هزيمة حرب سبعة وستين كانت خاتمة مرحلة كذب الديكتاتوريات العسكرية وصناعة الابطال القادة من رحم اوراق الصحف والاذاعات والاهم انها ودعت مع انحسار غبار المعركة نظرية الأب القائد والبطل المحرر واعادت هؤلاء الذين توهموا انهم عمالقة الى احجامهم الصغيرة التي تليق بهم عسكر مهزومون في معركة لم يعرفوا لماذا افتعلوها وماذا يريدون من ورائها وهنا يكمن عمق المأساة .

اليوم تبقى الهزيمة هي الهزيمة ونبقى نبحث عن مؤامرة لنبرأ انفسنا من وزرها ونستمر في سرد التاريخ على طريقة الف ليلة وليلة دون ان نمتلك الشجاعة لاعادة استقراء التاريخ الذي لم يدخل بعد الى صفوف البعيد الملتصق بالغيبات والخوارق كعادتنا بل نتائجه واثاره نعيشها كل يوم سواء من عايش هذه الهزيمة او من ولد بعدها ويتجرع همها .

عبد الناصر مات بعد ان أورثنا هزيمتين هزيمة الحرب وهزيمة الفكره، ومن يحاولون اليوم اعادة انتاج نفس الفكر التسلطي الابوي بنفس الشعارات الرنانة التي اوصلتنا للهاوية يريدون ان يجددوا من الوهم المتوارث في العقل العربي لعبة جديدة يمررون فيها وقت اخر يضيع دون ان نستوعب حقيقة اننا لسنا صناع الحياة والمستقبل بل لانشارك فيها، ونعيش لننتج اوهام جديدة ، كيف يمكن ان نخرج من الوهم الى الحقيقة ، خوف رهيب يسيطر على العقل العربي المرعوب من مواجهة شمس الحقيقة ورفع ظلمة الجهل عن وافعنا المتردي .