المشهد في مصر مرتبك تماماً، من وافقوا على قواعد اللعبة السياسية بالأمس، وخرجوا من سباق انتخابات الرئاسة في الجولة الأولى، ينقلبون عليها اليوم، وغابت الأصوات العاقلة في ضجيج ميدان التحرير والميادين الاخرى في مصر، وعلت نبرة الابتزاز بين الإخوان والمجلس العسكري، وباتا الطرفان أعداء بعد أن كانا حلفاء بالأمس القريب، إن ما يثير الدهشة حقاً هي سلوكيات quot;حمدين صباحيquot;، وquot;عبد المنعم ابو الفتوحquot;، الرجلان قبلا خوض المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية وفيها quot;أحمد شفيقquot; ولم يصرا على تطبيق قانون quot;العزل السياسيquot;، الان، وبعد أن خرجا من السباق، يصران على تطبيق قانون العزل، والعودة مجدداً إلى فكرة quot;المجلس الرئاسيquot;.

بالنسبة لقانون العزل، فهو ينتظر البت فيه من المحكمة الدستورية، في الرابع عشر من يونيو الجاري، إما باستبعاد quot;شفيقquot; او إستمراره في السباق، في حال البت بعدم الدستورية، وإستمرار quot;شفيقquot; في السباق، فإن السبيل الوحيد لعزله هو صندوق الاقتراع، ولنتذكر جميعاً أن الانتخابات البرلمانية نجحت في عزل الفلول من دخول البرلمان، دون قانون عزل، وربما لا يكون quot;قانون العزلquot; في مصلحة الإخوان الذين يشعرون أنهم قاب قوسين أو أدنى من كرسي الرئاسة.

فكرة المجلس الرئاسي هي الأخرى، تعيدنا إلى المربع الاول، فقد كانت فكرة quot;وجيهةquot; عقب تنحي مبارك، واصبحت فكرة quot;خياليةquot; في الوقت الحالي، ولم ولن تحظى بقبول مرشح حزب الحرية والعدالة quot;محمد مرسيquot;، ليس منطقياً أن يقبل الإخوان quot;شركاءquot; في مؤسسة الرئاسة، وهم يعلمون جيداً أن هذه الفكرة لم تكن لتطرح لو كان سباق الإعادة بين quot;صباحيquot;،وابوالفتوحquot; أو بين أي منهما وquot;شفيقquot; إذن ما الذي يدفع quot;مرسيquot; للقبول بفكرة المرشح الرئاسي، وهو يرى فرصه في الفوز، أكبر من منافسه quot;أحمد شفيقquot;،خاصة بعد محاكمة quot;مباركquot;،وتبرئة أولاده في قضية إستغلال النفوذ والفساد مع quot;حسين سالمquot;، وتبرئة أعوان العادلي في قضية قتل المتظاهرين.

الاخوان ينتهزون الفرص الأن لحشد الدعم لquot;مرسي quot;، وعلى الرغم من أنهم نجحوا في الجولة الاولى من الانتخابات، وأختاروا هذا الطريق، فإنهم يحرصون على التواجد في الميدان، يغازلون القوى الثورية، بالانحياز إلى بعض مطالبهم تارة، والالتفاف على ما يتعارض مع مصالحهم تارة أخرى في إنتهازية واضحة إعتادوا عليها طوال ثمانية عقود، الإخوان باعوا quot;دماء الشهداءquot; ليدخلوا البرلمان، وهم يرفعون اليوم quot;صور الشهداءquot; إلى الحد الذي يدفع quot;محمد مرسي، في مؤتمر انتخابي في بولاق إلى ترديد ما يقوله الثوار وزويهم quot;يا نجيب حقهم يا نموت زيهم quot;،كل هذا الكلام الانتخابي، يهدف جمع القوى الثورية خلف مرشحهم لا أكثر ولا أقل للوصول كرسي الرئاسة باسم ثورة الخامس والعشرين من يناير.

بعيداً عن كل ما يحدث، أعتقد أننا فى حاجة ماسة إلى وقفة تأمل، ويقظة ضمير، تغلب المصالح الوطنية، وتضعها فوق كل إعتبار حزبى أو أيديولوجى، هذا هو المخرج الوحيد لاستيعاب طبيعة المرحلة، وإتخاذ المواقف السياسية الملائمة،دون مزايدات تغطي على محاولات الابتزاز من هذا الطرف أو ذاك، لابد أن ندرك أن الخيارين المطروحين على الشعب المصرى، وهما مرشح الإخوان quot;محمد مرسىquot; وquot;أحمد شفيقquot; رئيساً لمصر طوال السنوات الأربع القادمة، ليس هما الخياران الافضل.

انتخاب laquo;شفيقraquo; يعني الإعتراف بفشل ثورة الخامس والعشرين من يناير، والخيانة لدماء الشهداء، وإعادة إنتاج النظام البائد، وانتخاب laquo;محمد مرسىraquo; معناه تسليم مؤسسة الرئاسة لحكم quot;المرشدquot; وبالتالي هيمنة الإخوان على كل مفاصل الدولة، وكلا الامرين له مخاطر حقيقية على مسقبل مصر بعد الثورة.

المجلس العسكري يصر على المضي قدماً في جولة الإعادة التزاماً منه بتسليم السلطة نهاية الشهر الجاري، هذا يفرض على القوى السياسية والثورية، العمل على حرمان quot;شفيقquot; من الوصول إلى سدة الحكم عن طريق صندوق الاقتراع، باللجوء الى الخيار الوحيد، وهو دعم quot;مرسيquot; بشرط أن يكون مرشحاً توافقياً لجميع الاطراف، وأن يوقع على quot;وثيقة العهدquot;، وينحاز للدولة المدنية، ويدفع باتجاه شكيل quot;الجمعية التأسيسيةquot; من خارج البرلمان، ومالم يلتزم quot;مرسيquot; والإخوان بهذه التعهدات، فهذا يعطي مؤشراً على أننا مقبلون على حكم quot;الحزب الوطنيquot; بمسمى الإخوان، وأن مصر غير جاهزة للانتخابات الرئاسية، بسبب هذا الانقسام، بعد مرور عام ونصف من التخبط في إدرة المرحلة الانتقالية، وبالتالي يكون المخرج الوحيد هو حكومة quot;إنقاذ وطنيquot; بصلاحيات كاملة، تلبي مطالب الثورة وتنجز الدستور، وتمهد الطريق لانتخابات رئاسية حقيقية.

إعلامي مصري