سؤال متكرر لن نمل من توجيهه للمجلس العسكري الذي حمل أمانة مصر المدنية الحديثة: متى يتم تفعيل المادة الرابعة من البيان الدستوري، ومن قبلها المادة الخامسة من دستور 1971، والتي تحرم الأحزاب الدينية والعمل السياسي وفقاً لرؤى دينية، كل ما تم إشهاره من أحزاب ونواب لها في مجلس الشعب والشورى غير دستوري، فإلى متى سنظل نخوض في مستنقعات التخلف واللاشرعية، وإلى متى نترك مصر الوطن فريسة لهؤلاء القادمين من أزمنة الجهالة، والذين يطاردهم العالم كله ليستأصل شأفتهم، إلى متى تحجمون وتعجزون عن أداء واجبكم أيها العسكريين المنوط بكم في كل الأحوال حماية الوطن والشرعية الدستورية؟!!
في البداية خرج جزء من الشعب المصري ثائراً، ومن المنطقي اعتبارهم ممثلين لكل الشعب، متى وصل عددهم للحجم الذي وصلوا إليه بالفعل في يناير 2011، لكن الآن وقد قال الشعب كلمته في انتخابات حرة، وهي كذلك بالفعل رغم تجاوزات هامشية متوقعة لا تخلو منها انتخابات في دول العالم الثالث، لكنها لا تؤثر على النتائج النهائية للانتخابات، لذا فإن من يعترضون وبهذا الشكل الغوغائي يصنف موقفهم كمحاولة لفرض فئة قليلة رأيها على أمة بكاملها، وهذا تصرف رجال عصابات وليس بأي حال ثورة ثوار، فكل ما يفعله من يدعون أنفسهم ثواراً الآن ومن يوظفونهم لأغراضهم الخاصة المنقطعة الصلة بمصالح الوطن وبالأهداف الحقيقية للثورة هو تأكيد صحة موقف من رفضوا الثورة منذ يومها الأول، وهذا يدفعنا إلى القول أنه إذا كان لدينا quot;سجن المزرعةquot; أودعنا فيه رجال مبارك، فإننا نحتاج الآن إلى quot;سجن المزبلةquot;، لنضع فيه قادة هؤلاء المتواجدين بالتحرير وكل محرضيهم في وسائل الإعلام، تلك التي صار مذيعوها ليس مقدمو برامج محترفين، وإنما صاروا قادة للمدعوين ثواراً يوجهونهم وفقاً لعقلياتهم العبقرية، أو وفق ما تمليه سياسات وأغراض مالكي القنوات الفضائية ودواعي جلب الإعلانات عن طريق الإثارة المبتذلة العابثة بمصير الوطن.
تحتاج الحرية لجدارة شخصية لتكون عاملاً إيجابياً، أما اذا افتقدت تلك الجدارة فسنشهد ما نرصده من فوضى وعشوائية في الشارع المصري بعد غياب سلطة الدولة، وسنرى المجرمين والأفاقين يقودون الشباب لتحويل الثورة إلى شيطان يحرق البلاد بدعوى الثورية. . أرجو ممن يهددون بحرق مصر الآن ترك دماء شهداء الثورة في حالها لأنها بريئة منهم، فلقد قدموا أرواحهم قرباناً للحرية والكرامة الإنسانية، ولم يقدموها من أجل الفوضى والعشوائية وسيطرة أكثر الخلق جهلاً وسفاهة وظلامية، وربما أوضح دليل على هوية هؤلاء ما نشهده من كبارهم من كذب وتلون وانحرافات أخلاقية تنحدر لمستوى غير مسبوق من التدني. . نعرف أن باعة الحمص والحلاوة وأصحاب المراجيح يرزقون أيام الموالد، وأمثال هؤلاء يرزقون من الفوضى واختلاط الرؤى، فها هو أكثر من فاشل في الانتخابات الرئاسية يمارس الآن ما ظل طوال عمره يمارسه ولكن بجماهير أكثر عدداً وحماسة، لكن بعد اختفاء صدام والقذافي ترى لحساب من يعملون الآن ومن يمولهم؟!
دائماً وعبر تاريخ البشرية كانت النيران هي التي تصهر الشعوب، ويبدو أن الإخوان المسلمون وأذيالهم سوف يؤدون هذه الخدمة الجليلة للشعب المصري إذ يحيلون حياته إلى جحيم، ليكون هو البوتقة التي ينصهر فيها، فتحترق الأفكار والاتجهات المضادة للحضارة وللحياة الإنسانية ولمعايير حقوق الإنسان العالمية، ولا يتبقى لينمو إلا ما يتفق مع القيم الإنسانية وروح العصر، رغم أن هذا لا يعطي ضماناً من أن يمتد الجحيم الإخواني إلى أن يقضي على الأخضر واليابس، فلا يتخلف عن البوتقة إلا الرماد، فهؤلاء الظلاميين لو تمكنوا لن يبقوا لنا وطناً يمكن بعد ذلك أن نعيد بنائه، فلن يخلفوا لنا إلا أنقاضاً لا تصلح لشيء، غير أن تتكاتف دول العالم وتعاملنا معاملة اللاجئين ومناطق الكوارث!!
نعم تشكل الحزب الوطني في الأغلب من الفاسدين والمتسلقين وأفسد الحياة السياسية، لكنه لم يرتكب من الجرائم ما ارتكبته جماعة الإخوان المسلمين والجماعات والتشكيلات الإرهابية المتخرجة منها في حق الوطن والإنسانية، لهذا فهي جديرة بالأكثر بالحل وبتفعيل الحظر الممتد من عام 1949، وبحرمان منتسبيها من المشاركة في الحياة السياسية، ولو استقام المجلس العسكري وفق ما تمليه الشرعية الدستورية والقانونية ومصلحة الوطن، سيلقى هؤلاء المصير اللائق بهم خلف قضبان العدالة.
يرجع جزء كبير من الخلل والفشل الحادث الآن إلى أن الساحة المصرية تخلو تماماً من رجال السياسة الحقيقيين والمحترفين، ولا أعرف أن هناك ساسة في مصر ما بعد انقلاب ضباط يوليو، هناك فقط التكنوقراط الذين كانوا يتلقون الجانب السياسي من عملهم في شكل أوامر من رئيس الجمهورية أو الأجهزة الأمنية التي دست أنفها في كل كبيرة وصغيرة بالبلاد، كما كان هناك الكثير من المستفيدين المتسلقين الذين لا يتقنون غير النفاق والفساد، وعلى هامش النظام كانت هناك شلل مرتبطة به عضوياً من مدمني الشعارات والمخدرات، يلعبونها معارضة وانتهازية ورقصاً على كل الحبال، وهؤلاء الأخيرين هم من يتصدرون الهوجة الآن باسم ثورة، فيما هم في الحقيقة يفتقدون للرؤية وأعجز من أن نجد منهم إبداعاً لمستقبل البلاد خارج ما هو موروث من أفكار وتوجهات اشتراكية وناصرية وعروبية وما شابه مما تجاوزته جميع الشعوب وأكل عليه الدهر وشرب، لهذا فشلت الثورة أن تتبين لها طريقاً تسير فيه، بخلاف ذلك النفق المظلم الذي يدفعنا إليه دعاة الظلمة والجهالة، ليكون غياب البديل المستنير هو أهم عناصر ذلك الفشل أو السقوط، ولا يكون عجيباً أن نرى تلك التخبطات والهلوسات، فهل يقصدون بالمجلس الرئاسي مثلاً أن يكون صندوق زبالة لجمع الفاشلين لتنظيف الشوارع من جثثهم؟!. . هل سنشهد يوماً يوضع فيه ذلك المستشار السابق وأمثاله ممن يحرضون الجماهير على مواقف ديماجوجية دموية خلف قضبان العدالة، ليحاكموا على تحريضاتهم وبثهم الكراهية والبدائية الوحشية، وتجريفهم للنوازع الإنسانية لدى الشباب المتحمس؟!!
تشير نتائج الانتخابات الرئاسية إلى أن الإخوان لا يحكمون السيطرة على أغلبية الشعب المصري عبر خطابهم المخادع التغييبي، وهذا هو السر وراء ما نشهده منهم من هوس مجنون الآن، والذي قد يدفع بهم لتحطيم المعبد على رؤوس الجميع، إذا ما رأوا أن أحلامهم المريضة طوال عشرات السنين تتبخر بعد أن ظنوا أن الثمرة قد سقطت بين أيديهم. . فهل من المعقول الآن أن تذهب الأغلبية إليهم واعية مختارة لتسلمهم مفاتيح مصر، ليقوموا بتخريبها والجلوس فوق تلها؟!. . هذا إن حدث سيكون متفقاً بالتأكيد مع العدالة، أن نجني ثمار خياراتنا الواعية!!
كنت متعاطفاً ومتحمساً للشباب الذي كفر بأجيالنا الفاشلة، والتي أتت بهم في ظروف بالغة السوء، وعظيم أن قاموا بمحاولتهم، لكن عندما جاءت النتائج كما شاهدنا، كان ينبغي عليهم التمهل وتدبر الأمر، لأننا هكذا لا نقامر ببضعة جنيهات، وإنما بالوطن الذي نملكه. . العند أو ركوب الرأس هنا باسم استمرارية الثورة جنون محض، ونحن نرى أن عربة ثورتنا على شفا هاوية، وتحتاج لاستخدام الفرامل، لا إلى مزيد من الضغط على دواسة البنزين، فلا يعني ما نعتبره استمرارية لها غير السقوط في تلك الهاوية، هاوية حكم ظلامي طالباني يقتل الحضارة ويجفف الخضرة بامتداد وادي النيل، وهل هناك تجريف للحضارة أو هدم لها أكثر مما يمارسه مجلس الشعب الآن؟. . تسن القوانين في كل الدول لإدانة المجرمين، لكن مجلس قندهار يسن القوانين لإدانة الشرفاء ولتبرءة المجرمين القتلة. . مجلس قندهار باطل، وحله وتسريح أعضائه هو الحل الدستوري والسياسي الوحيد. . لعل الشعب المصري الآن في مرحلة تخبط ودوار بعد رقاد قرون طويلة، ولعله بعد حين تتضح الرؤى المهتزة الآن أمام عينيه، ويبدأ في التقييم الصحيح للأمور، والذي قد يقوده للحداثة ومواكبة العصر، فهل نطمع الآن أن يشرع الثوار الحقيقيون طلاب الحرية الحرية والحداثة على الأقل في إنقاذ ثورتهم من أن تصبح شيطاناً يأخذ البلاد والعباد إلى الضياع؟!!. . مجرد أمل لا توجد مؤشرات واقعية ترجحه!!
الولايات المتحدة- نيوجرسي
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات