اعتبر خطيب مسجد براثا في العاصمة بغداد والقيادى فى المجلس الأعلى العراقى جلال الدين الصغير، أنَّ الكردَ هم المارقة المذكورون في كتب الملاحم والفتن الذين سينتقم منهم الإمام المهدي حال ظهوره. وألقى الصغير في كلمته فى الرابع من الشهر الجاري والتي كانت بعنوان (الحراك الكردي وطلائع الفجر المهدوي) واستغرقت أكثر من 40 دقيقة فيها الكثير من ثقافة الكراهة والخرافة والأساطير والأحقاد، ومن الغريب جداً، ونحن نعيش فى هذا القرن أن تنتشر هذه الثقافات العدوانية والأسطورية. وقال الصغير فيها (إن أول حرب سيخوضها المهدي ستكون مع الأكراد، وانه لن يقاتل أكراد سوريا أو أكراد إيران وتركيا بل سيقاتل أكراد العراق حصراً) واعتبر الأكراد هم المارقون عن الدين أى الذى انحرفوا وخرجوا عن الدين ليكونوا أشد أعداء المهدى المنتظر بزعمه المتهافت و الباطل. لم يحصل تنديد من المرجعيات الدينية التى يحسب عليها وقريب منها وكيف لا، وقد أفتى البعض بكراهة الزواج والتعامل مع الأكراد بناءا على روايات موضوعة يعتبرونهم من الجن رواها الفرس كالقمى في باب (العلة التي من أجلها يكره مخالطة الأكراد)، بقوله: (حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن على بن الحكم عمن حدثه عن أبي الربيع الشامي، قال (سألت أبا عبد الله ( يقصد جعفر الصادق) فقلت له إن عندنا قوماً من الأكراد يجيئونا بالبيع ونبايعهم فقال يا ربيع لا تخالطهم فان الأكراد حي من الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطهم) كتابه ( علل الشرائع) الجزء الثاني الصفحة،527 مما ينمّ عن الكراهية والعنصرية والبغضاء. عرف الأكراد بطيبتهم وأخلاقهم العالية يستقبلون العرب أيام المعارضة وكانت كردستان محطا آمنا لكل هؤلاء. ولازالت كردستان ملاذا آمنا للعشرات ممن تعرض للتهديد والقتل والخطف من العرب والتركمان والمسيحيين والأيزديين والصابئة المندائيين وغيرهم وهم يعيشون بأمان. ولا ينكر تعرض الأكراد إلى اضطهادات تاريخية من النظام السابق وما قبله منها شهداء الأنفال وغيرها. ومن شخصياتهم التاريخية والتي قدمت الكثير للمسلمين جميعًا صلاح الدين الأيوبي الذي يفخر العرب والمسلمون، كذلك المثقفون الأكراد ساهموا في تطوير الثقافة مثل بديع الزمان الهمداني وابن خلكان وأمير الشعراء أحمد شوقي، والشاعران العراقيان جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي، والكاتبان المعروفان محمد كرد على وقاسم أمين وغيرهم. لقد كان لى أصدقاء كرد فى جامعة بغداد أيام السبعينات فرأيتهم خير الأصدقاء وسافرت مرتين للإصطياف فى مصيف صلاح الدين وغيرها من مناطق كردستان الجميلة فى السبعينات وكانت من أجمل السفرات والذكريات الجميلة الحافلة فى رؤية شعب طيب وكريم. وكذا فى المهجر كانوا نعم الرفاق الشرفاء الأوفياء. ولازالت كردستان العراق ملاذا آمنا للعرب والشرفاء الذين تعرضوا للخطف ومحاولات القتل فى بغداد وغيرها كما كانت فى السابق كردستان ملاذا آمنا للمعارضة العراقية بشتى أصنافها ومنها الإسلاموية الحاكمة اليوم لكن طبيعة الطائفيين الغدر ومقابلة الإحسان بالإساءة وصدق الرسول حيث يقول (إتق شر من أحسنت إليه). كما تشهد كردستان حالة من النمو والأمان والإزدهار عاما بعد عام على عكس المناطق العراقية الأخرى وحتى بغداد تحولت إلى أسوأ مكان للمعيشة والفقر والفوضى وكأنه حسد لما تشهده كردستان. الرواية المهدوية التى نقلها الصغير ضعيفة من جهتين أولا سندها الضعيف وثانيا دلالتها المتعارضة مع القرآن وسيرة الرسول وأهل بيته ويرفضها العقل السليم والمنطق الواعى وقد جعلت الكرد كلهم من شعبهم الكريم معادين للمهدى كذبا وظلما وهى تشبه أيضا الروايات التى ذكرها القمى وغيره ضد العرب (ما بقى بيننا وبين العرب إلا الذبح) (إتق العرب فإن لهم خبر سوء أما إنه لم يخرج مع القائم منهم أحد) (يسير -المهدى- فى العرب بما فى الجفر الأحمر-قتلهم-) (إذا قام القائم سار إلى الكوفة فهدم بها أربعة مساجد) (ألا يا ويل بغداد من الري (طهران) من موت وقتل وخوف يشمل أهل العراق إذا حل بهم السيف فيقتل ما شاء الله... فعند ذلك يخرج العجم على العرب ويملكون البصرة) (إذا ظهر القائم قتل تسع أعشار العرب) كما ذكرتها فى مقالى السابق المهدى المنتظر بين أحمدى نجاد وبشار الأسد.
وقد سعى الصغير في كلمته ربط الأحداث السياسية الحالية بقدوم الامام المهدي، وأستعان الصغير في ندوته بعارضة الكترونية (الداتا شو) لعرض خريطتي سوريا والعراق مكتوبة الأسماء باللغة الإنكليزية لطرحها للعالم كله وكأنه يخاطب الدول الغربية، مبينا فيهما مناطق الوجود والحراك الكردي خصوصا فى العراق وسوريا فالوجود السورى للأكراد بادعائه ينتهى قبل مجئ المهدى بواسطة السفيانى وغيره أما فى العراق فيكون بواسطة المهدى نفسه.
وكانت كلمته معتمدة على حديث ضعيف منسوب للامام الباقر الى ان (انفجارا قويا يحدث في الشام (دمشق)، يتبعه ظهور الامام لمحاربة الاكراد). وبحسب قول الصغير فان وقوف قوات البيشمركة بوجه قوات الجيش العراقي الذي قدم لبسط سيطرته على المنطقة الفاصلة ما بين اقليم كوردستان والجزيرة السورية، خرق للدستور واستفزاز للمهدى المنتظر. قال (الاكراد سيكونون قوة رئيسية في هذه المنطقة في الشكل الذي ستكون حرب الامام في اول استقراره في العراق سيكون مع الاكراد انفسهم، وكونهم يقاتلون معناها ان لديهم كيانا سياسيا مستقلا ولديهم قوة تستطيع القتال وتجابه، لذلك الحديث ان الامام سيقاتل الاكراد بعد استقراره في العراق سيكون خاصا باكراد العراق لأنهم المارقون عن الدين). واصطلاح المارقين هو اصطلاح دينى اصطلح أولاً على الخوارج الذين مرقوا من الدين أى خرجوا عنه وتحولوا إلى قطاع طريق وقتلة ومجرمين يقتلون البرئ ويبقرون النساء وهن حوامل وخاض الإمام على حرب النهروان معهم وقتل الآلاف منهم فلم يسلم منهم عشرة أشخاص من الحرب الدامية.
نظرية الصغير تعتبر صغيرة، وهى تناغم اغلاق ممثلية كردستان في بغداد، من قبل مكتب رئيس الوزراء العراقي وكأن الصغير جعل المالكى هو المهدى ليجعل الأكراد هم المارقين عن الدين والخارجين عنه فى تهافت لايقبله عاقل أو حكيم. فالمالكى لايمثل المهدى ولا الشيعة بحال من الأحوال، وليس وضع الشيعة اليوم إلا وأكثرهم فقير معدوم ومقتول ومهاجر يبحث عن لقمة كريمة أو أمان أو عمل شريف غير وعاظ السلاطين والمنتفعين.
ذكر الصغير خرافات كثيرة منها أن سوريا سوف تقصف بالكيمياوى فينتهى الأكراد وفى معارضته لثورة الشعب السورى قال أن ابتداء الأحداث من منطقة محى الدين لأنها مركز الأكراد وقال أيضا (الأكراد لهم نصيبهم الأوفر فى أحداث الشام والقامشلى) وذكر دعم كردستان العراق فى تدريب القوات الكردية فى سوريا وحاول تطبيق ذلك بشكل غريب ليصل إلى نتيجة بقاء اللاذقية، وهى منطقة حافظ الأسد والنصيرية العلويين المغالين فى الإمام على، لأن ذلك يناغم حكم الملالى فى إيران وأتباعهم من الأحزاب الطائفية فى العراق ولبنان.
فالصغير يعتبر الأكراد أشد أعداء المهدى وقال أنهم ينتظرون ساعة الصفر لإعلان انفصالهم، لتكون المواجهة بين المهدى وبينهم... مما ينم عن حقد دفين للأكراد المظلومين على مر العصور والمقهورين والمقدمين لمواكب من الشهداء ولم يذكر الصغير الأكراد فى ايران واضطهادهم من ولاية الفقيه وكأننا نسمع الحرس الثورى الإيرانى يتكلم باسمه الصغير وخارطة عسكرية لأجهزة مخابراتها لأنه عرف بصغره أمام إيران ومرشدها وتزلفه الدائم لها رغم ظلم حكام إيران الكبير سواء للأكراد أو العرب أو غيرهم فأكثر الشعوب الإيرانية مظلومة مقهورة حتى بات الملايين بين الهجرة أو السجون أو الموت.
ولم تكن المحاضرة إلا نتيجة طبيعية للتشيع الفارسى الصفوى الملئ بالأحقاد والتكفير.
إنها نتيجة لإفلاس التيارات الدينية فى الإنتخابات وفسادها الكبير خصوصا المجلس الأعلى الذى يكون الصغير من قياداته ولم يحصدوا تلك الأصوات التى حصدوها سابقا وقت استغلالهم للدين والمرجعيات الدينية فى ائتلاف 555 فاعتبروه ولاية على ابن أبى طالب واعتبروا الطلاق لمن لاينتخبها ظلما وزورا وتجارة بالدين والدين منهم براء وحاشى الإمام أن يقبل بالفساد والظلم والإستغلال فلم يحصل الشيعة غير الفقر والجوع والحرمان.
اعتبر الصغير حركة الأكراد استفزاز للمهدى فيخرج لأول مرة. والسؤال لماذا يستفزّ الأكراد المهدى الغائب لأكثر من ألف ومائة عام من سرداب سامراء ولم تستفزّه الأحداث العظيمة والحروب الكثيرة والجرائم المهولة فى العالم والمنطقة، وليس الأكراد هم الحاكمون الظلمة بل على العكس مظلومون مطالبون بحقوقهم كبقية شعوب العالم.
قضية المهدى واحتكار فهمه لرجال السلطة وهو فهم خاطئ والصحيح العكس حيث يبدأ المهدى كما فى الأحاديث بتصفية وقتل رجال الدين الدجالين والفقهاء منهم الذين حرفوا الدين واستغلوه لمصالحهم وصاروا ظلمة جبارين فعن الرسول ( فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء وتحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود)، وعن الإمام على (يقوم قائمنا فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله فيقتلهم ثم يجمعهم الله على أمر واحد) وعن جعفر الصادق (ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية شاكين في السلاح قراء القرآن فقهاء في الدين قد قرعوا جباههم وشمروا ثيابهم وعممهم النفاق وكلهم يقول يا ابن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى العشاء فيقتلهم أسرع من جزر جذور فلا يموت منهم رجل ولا يصاب من أصحابه احد دمائهم قربان إلى الله تعالى) وفى رواية أخرى (وكل فقهاء الكوفة -النجف- يقولون: (إرجع، لا حاجة لنا فيك، فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر الى العشاء فيقتلهم اسرع من جزر جزور فلا يفوت منهم رجل ولايصاب من أصحابه أحد، دماؤهم قربان الى الله). وعن الصادق ( إذا خرج القائم ينتقم من أهل الفتوى بما لا يعلموا فتعساً لهم ولأتباعهم أوَ كان الدين ناقصاً فتمموه أم كان به عوجاً فقوموه). وغيرها كثير تكشف عن وقوف وعاظ السلاطين وفقهاء السوء ضد المهدى ووظيفة المهدى الوقوف بوجه الظلم وفقهاء السوء.
ولابد من رفض ثقافة الكراهية والبغضاء والتفرقة والعنصرية ضد شعب شريف وكريم، لذلك طالب الكثير من أعضاء البرلمان العراقى محاسبة الصغير فى البرلمان والقضاء وهو حق لطبيعى لإيقاف سطوة رجال الدين فى ثقافة البغضاء والأحقاد والعنصرية بين مكونات الشعب العراقى كما نتمنى صدور قوانين تجرّم العنصرية كما يحصل فى الدول المتحضرة.
- آخر تحديث :
التعليقات