تصريحات السيد براك اوباما، حول القضية السورية وإسقاط السلطة فيها، تكتنفها ضبابية في الواقع الفعلي، من حيث البعد الزمني لبقاء بشار الأسد ومدى استمرارية الثورة السورية. تتقمص الإدارة الأمريكية منذ مجيء الديمقراطيين إلى سدة الحكم، مفهوم أفضلية الإسلام الليبرالي للسيطرة على العالم العربي والدول الإسلامية، يجدونها البديل الأفضل الذي يمكن أن يوقف الإجتياح الإسلامي المتطرف والراديكالي ضمن الإسلام السياسي، متخذين تجربة تركيا كمثال لهم، وعليه كانت المساعدات الإقتصادية الهائلة التي انكبت على حكومة أردوغان منذ مجيئه حتى اللحظة، والتي أدت إلى عدم إنزلاقها إلى هوة الإنهيار الإقتصادي المجتاحة جارتها اليونان على سبيل المثال، ولتكون ظاهرة أمام المجتمع الإسلامي والعربي على مدى إيجابية التمسك بالإسلام السياسي الليبرالي، متناسين أو جاهلين ( نشك في هذا ) بأن الإسلام السياسي أياً كان نوعه ومهما تغيرت شعاراته وحولت التلائم مع المجتمع الحضاري، إلا أنه يبقى في جوهره وبنيته ذلك البعد الديني السياسي نفسه والذي لا يتغير، من حيث التعامل مع الآخر، دينياً أو اثنياً، وتبقى المدارك هي ذاتها المبنية على المفاهيم الإسلامية من حيث الجهاد وتطبيق الشرعية الإسلامية على المجتمع والإقتصاد، ولا يمكن أن يكون هناك إسلام معتدل أو ليبرالي في المنظور البعيد له، الإسلام دين وليس طريقة صوفية أو حزب سياسي يمكن تغيير مفاهيمه وتعامله مع البشرية، وهذا ما يتغاضى عنه الكثيرين. وعليه ظهرت هذه التحولات الآنية في مسار الثورات الشبابية الحضارية المجتاحة للشرق، وقلت أو أنعدمت المساعدات الأمريكية والأوروبية لهم، والثورة السورية أبرزهم مثالاً، وظهور التيارات المتطرفة فيها أحد النتائج الخاطئة لهذه الإستراتيجية الهشة، ومثلها حكومة محمد مرسي المصرية والتي بدأت تنحاز إلى التطرف في كتابة دستورها، منذ البداية، وهي مثال فاضح على الإسلام الليبرالي المدعوم أمريكيا، ولا نشك بأن حكومة السيد براك أوباما سيدفع ثمن هذه الإستراتيجية، المبنية على المفاهيم الخاطئة، في المستقبل.

رغم المصائب والدمار الذي ألحق بالوطن السوري، لاتزال الدول المعنية بالصراع فيها، وعلى رأسها أمريكا وروسيا يتباحثان على مصالحمها في المنطقة من خلف الأروقة السياسية، والتقارب أبطئ من أن يتأثرا بمآسي الشعب السوري. ومن باب اسكات الرأي العام العالمي و إلهاء السوريين بما يدور في الدبلوماسية العربية والعالمية تتالت الخطط الهشة المغلفة بالإستجداءات على السلطة والمعارضة معاً، وفي الواقع الفعلي لم تحمل أية منها في داخلها منطقاً قابل للتحقيق، كما وإنها كانت في حقيقتها تمنيات أكثر ما كانت مشاريع سياسية مفروضة أو فيها إرغام على أحد الطرفين لتقبلها، وعليه لا زالت نهاية الثورة السورية في عتمة رهيبة.

يتحمل السيد أحمد معاذ الخطيب، عواقب الخطة التي ألقيت على عاتقه، من قبل بريطانيا يوم لقائه برئيس وزرائها، بعد إن كانت قد درست بتمعن وحصل عليها اتفاق مبدئي بين كل من بريطانيا وأمريكا وروسيا، و هي تحمل في ثناياها ثلاثة اتجاهات تعكس رغبات الأطراف الثلاثة، كل واحد يفرض أجندته الآنية من خلالها، والتي هي بذاتها خطة فارغة مثلها مثل الخطط التي سبقتها، بدءاً من خطط الدول العربية إلى كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، وقد تستمر الخطة إلى أن يتم الإتفاق على البنود النهائية بين أمريكا وروسيا، وهي في ثناياها دعوة إلى تدخل دولي مباشر لوضع حد للصراع السوري الحاضر والآتي.

إلى جانب الحوار مع بعض من أطراف السلطة، وبشروط كيفية، تحت الفروض الروسية، شدد السيد معاذ الخطيب على إعلان سبق وأن كان يثار بقوة في بدايات الثورة، لكنها اخمدت من قبل الإنتهازيين الذين اعتقدوا أن السلطة تقترب من نهاياتها فلا حاجة لتدخل خارجي يعكر ويعرقل مسيرتهم في السيطرة على السلطة، واليوم وبعد أن اقتنعوا وتأكد البعض الثوري الواقعي أن الثورة وبهذا الشكل من الصراع غير قادر على إسقاط نظام بشار الأسد، وحتى لو اسقط فإن الصراع سيدوم وعلى هيئة حرب أهلية، فكان ظهور تهديد السيد أحمد معاذ الخطيب مباشراً ودقيقاً، وعليه فقد أعلن بأنه في حال عدم قبول بشار الأسد بالتنحي ومجيء الاطراف المعنية في السلطة بالجلوس مع المعارضة على طاولة الحوار، والاستمرارية على نهجهم الإجرامي ضد الشعب السوري فإن ( المعارضة ) ستقوم بالطلب المباشر من الدول المعنية بضرب المواقع الرئيسية المهمة للسلطة ومراكزها الأساسية، وهذا طلب أوروبي بحت، مدعوم بشكل غير مباشر من أمريكا، وبمعرفة روسيا، علما أن الاطراف الثلاثة يدركون تماماً أن سلطة بشار الأسد سوف لن تقبل بالحوار، من منطقين، لإنها تحدد نهايته، تحمل معها شرط التنازل والرحيل، والثانية الاعتراف المباشر بالمعارضة التي رفضها كطرف في الصراع. أقدموا على هذه الخطوة التي أثيرت على لسان السيد معاذ، وكانت جرأة لا يقوم بها سياسي مخضرم، لتمرير عدة أجندات، منها القضاء أو تهميش معارضة الداخل ( هيئة التنسيق الوطنية، ربيبة السلطة ) والتي تتباهى بمبدأ الحوار كحل سلمي لخلاص الشعب مهاجما الطرفين وهي في حقيقتها دعم مباشر لبشار الأسد، واستمراية أعطاء الشرعية لسلطته التي تطالب بالحوار معها كمعارضة وحيدة. ومن ناحية أخرى حددت هذه الخطة أبعاد بشار الأسد السياسية، ووضعت المعارضة الخارجية كطرف رئيس ووحيد في الحوار معه، لا أمريكا وإسرائيل كما طرحها بشار في كلمته الفقاعية في دار الأوبرا. إلى جانب كل هذا أعطت طلب الحوار هذا تنبيها للعالم على أن المعارضة لا تهرب من المواقف السلمية والحوار إنما السلطة هي التي تنفي وترفض، وعليها تتبين نفاق النظام السوري الحالي حول قضية الحوار السلمي.

الغاية الأبعد من كل هذا الحراك الدبلوماسي هو قطع منطق الحوار بشكل تام واخراج الذريعة لتدخل خارجي، يوافق عليه هيئة الأمم تحت شروط البند السابع، سيقوم بها دول الناتو بتدخل مشابه لعملية ضربهم لمعمر القذافي في ليبيا. وعلى الأغلب هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها تحديد مسار الثورة السورية، وقطع دابر تيارات الإسلام السياسي التكفيرية، والجهادية، وتغلغلهم بشكل فاضح في جسم الثورة السورية، ومن المتوقع أن يشكل هؤلاء تهديداً مباشراً لأوروبا في القادم من الزمن. ومن جهة أخرى لإنهاء سلطة بشار الأسد، ومن ثم الحفاظ على الثورة لئلا تغرق في حرب أهلية وتظهر معارك الثارات بين الطوائف السورية بشكل خاص، والتي ستتفاقم بعد زوال السلطة. وعلى الأغلب سيتجهون إلى إقامة نظام فيدرالية في سوريا القادمة، تؤمن حقوق الأقليات الدينية وحقوق الشعب الكردي والحفاظ على الطائفة العلوية من ثارات قادمة بعد إنهيار سلطتهم.

احتمال فشل الخطة وعدم القدرة على فرضها، أو عدم حصول اتفاق قريب بين روسيا وأمريكا، فإن الثورة السورية ستبقى على هذه التوازن العسكري، والثمن هي دماء الشعب السوري و البنية التحتية للوطن السوري. وعليه فالمفروض على المعارضة النقية والجادة الخروج إلى إثارة النداء الأول، وهو التدخل الخارجي، مثلما بدء بها السيد معاذ الخطيب بغلاف تهديدي للسلطة، ولهجة تحذيرية للمعارضة، وعليهم الوقوف في وجه كل من باع الوطنيات حول استعمار الأرض وتدمير الوطن، في حال حصول التدخل الخارجي، وكان ذلك لتمرير غايات أنانية ذاتية، والحجج واهية وهشة، والمثال هي ليبيا الآن، وليست العراق التي دمرتها كل من السلطتين السورية والأيرانية، وتذكيرهم بأن التدخل الخارجي مهما كان خلفياته، فإنها كانت ستجني السوريين الهدر الفظيع لدماء الألاف من الشهداء وكانت ستحد من تكالب الإنتهازيين والمارقين والتيارات السلفية المتطرفة في دخول سوريا وبهذا الشكل السافر، وكانت ستخلص الشعب والوطن من شرور نظام بشار الأسد بفترة زمنية أقل بكثير.

الولايات المتحدة الأمريكية

[email protected]