أخبار العالم تتناقل صور أحمدي نجاد وهو يرفع شارة النصر في الأزهر وفي كل مكان زاره في مصر، مستهزئاً بمشاعر مليار مسلم سني في العالم، ومحاولاً أن يمارس هواية اللعب بالورقة الفلسطينية وتحرير القدس ووحدة العالم الإسلامي، ومدغدغاً لعواطف السيد مرسي بأن وحدة إيران ومصر ستنهي إسرائيل من الوجود!
الحكومة المصرية المجبرة على استقبال نجاد بمناسبة المؤتمر الإسلامي حولت الزيارة إلى زيارة رسمية رئاسية وسمحت لنجاد بزيارة عدة أمكنة في العاصمة وقام الرئيس مرسي باستقبال نجاد رسميا في مطار القاهرة.
أهداف نجاد هي إعادة العلاقات بين البلدين وتسهيل التنقل بينهما حتى أنه أعلن اليوم إلغاء تأشيرات الدخول للمصريين إلى إيران، والمزيد من التعاون الاقتصادي وربما العسكري، وكسر الجمود في العلاقات العربية الإيرانية وتخفيف حدة التوتر الشيعي السني الذي أشعلته إيران في المنطقة.
مصر ووزارة خارجيتها تلعب، بحسب اعتقادها، بالورقة الإيرانية في مواجهة دول الخليج التي كان موقفها من استلام الإخوان للحكم في مصر مترددا ومعارضا في بعض الأحيان، أزمة المعتقلين في الإمارات وأزمة مع السعودية وإعلام مضاد في كل دول الخليج تقريبا عدا قطر. مصر تلوح للخليج بالتفاهم مع إيران كرد على موقف دول الخليج وتهدد هذه الدول بتحسين علاقتها مع إيران. في نفس الوقت هي رسالة لأمريكا وإسرائيل بأن هناك بدائل عن علاقات مصر معهما.
الخاسر الوحيد في هذه اللعبة هو في الحقيقة الثورة السورية، فبدل الدعم غير المشروط للثورة في مقابل الدعم الإيراني غير المشروط للنظام، تقدم لنا السياسة الخارجية المصرية عروضاً بحوار لجنة رباعية، تحولت إلى ثلاثية بعد مقاطعة السعودية لها، أكثر مواقفها حزما سيكون الشرح لإيران أن دعمها للنظام لن يفيدها وأننا مزعوجون وربما مصدومون من هذا الدعم! الأتراك الذين رفضوا حوار المعارضة مع النظام وقالوا علنا بأنهم جربوا النظام وخبروه بما لا يدع مجالا للشك أن أي حوار معه هو إضاعة اللوقت، يحضرون اللقاء على أعلى المستويات ليبحثوا مع الإيرانين في أمور أخرى لن تفيد الثورة في شيء، أهمها التأكيد على عدم تحول الأزمة السورية إلى حرب إقليمية تنجر إليها تركيا وإيران. مصر ستستنكر وتشجب وتنصح الإيرانيين ولكنها لا تملك أي وسيلة للضغط عليهم أو للخروج من لعبة مناوراتهم السياسية ونفاقهم السياسي.
وزير الخارجية المصري يؤكد أن عودة العلاقات بين مصر وإيران إلى طبيعتها يجب أن يكون بعد العودة إلى الشارع المصري وبعد إيجاد تسوية للقضية السورية. إيران سترد حتما بأنها معنية بحل سلمي يأخذ رأي اشعب السوري بالحسبان كما سمعنا منها مئات المرات قبل ذلك، مصر ستدفع باتجاه مفاوضات وستدخل في دوامة الكذب والدجل الإيراني التي لن تخرج منها أبدا بعد ذلك، ولن تحسن الوضع على الأرض في سوريا مقدار أنملة. قصة العودة إلى رأي الشارع المصري طبعا كذبة كبرى لأننا نعرف كيف يتم تحوير رأي الشارع بما يناسب السياسات الخارجية والداخلية، وهو وسيلة برأي الخارجية المصرية التي تفاوض دون أوراق للانسحاب من جميع المسؤوليات تجاه الإيرانيين، ولكنها للأسف وسيلة فاشلة وحجة واهية.
لتهدئة الشعب المصري الثائر والداعم للثورة السورية تم توصيل رسائل الغضب الشعبي من خلال الأزهر ولا أعتقد أن الكلام الذي قيل في الأزهر لم يكن بموافقة الرئاسة المصرية. هو محاولة للتوازن على الحبال، توجيه ضربات لنجاد في مكان لتهدئة الشعب، ثم الاستفادة منه إعلاميا واستخدامه لتوجيه رسائل إلى الخليج وبما إلى أمريكا وإسرائيل في مكان آخر.
خسائر الخارجية المصرية والرئيس مرسي من هذه المحاولة أكبر بكثير من المكاسب. فهي تظهر بوضوح عدم امتلاك مصر لأي أوراق قوة في سياستها الخارجية فمجرد الاعتماد على ورقة محروقة كالورقة الإيرانية هو رهان خاسر من البداية ولن تهتز دول الخليج ولا أمريكا ولا إسرائيل لا للقاء مرسي بنجاد ولا لفتح الحدود المصرية أمام الإيرانيين حتى. فهم يدركون أن صورة إيران المشوهة في العالم الإسلامي صارت اليوم عصية على التلميع والتحسين. وأن الحاكم الذي يلعب بهذه الورقة الملتهبة سيحرق أول ما يحرق أصابعه بها.
التعليقات