المواجهات بين وحدات الحماية الشعبية الكردية( التابعة للهيئة الكردية العليا) وقوات النظام السوري ماتزال على أشدها في حي quot;الأشرفيةquot; الحلبي، وذلك بعد قصف قوات النظام للحي مما أسفر عن مقتل 22 مدنيا كرديا وجرح العشرات. الوحدات الكردية المسلحة ردت على تحصينات قوات النظام ومصادر نيرانه، حيث جرت مواجهات عنيفة أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من جنود جيش النظام وفقدان 7 من المقاومين الكرد لحياتهم.
وتأتي هذه المواجهات بعد أسابيع من مواجهات أكثر دموية شهدتها مدينة quot;رأس العينquot; في شمال البلاد، كان طرفاها الوحدات الكردية ومجموعات مسلحة ارسلتها الدولة التركية بغية بث الفوضى والدمار. ورغم الدعم التركي العسكري واللوجستي لتلك المجموعات المرتزقة، الا ان المقاتلين الكرد الحقوا بها ضربات موجعة وأجبروها على الانسحاب من أغلب أحياء المدينة، وتطهير المباني الحكومية والمرافق والممتلكات العامة ( بما فيها الكنيسة الكبيرة، والتي كانوا قد عاثوا فيها فسادا ودمارا).
المراقب للموقف الكردي من الأحداث الجارية في سوريا ( الثورة أو الحرب الأهلية...الخ) سيلاحظ المنحى المستقل في القرار الذي اتخذه الكرد بقيادة فصيلهم الأكبر: حزب الاتحاد الديمقراطي. فمنذ اليوم الأول للأحداث قرر هذا الحزب الانحياز الى جماهير الشعب السوري المطالبة بالديمقراطية والحرية والتغيير السلمي، رافضا عسكرة الصراع وتدخل الدول الاقليمية. وعند تقاطر قوى المعارضة السورية الى تركيا والمشاركة في المؤتمرات التي رعتها جماعة quot;الاخوان المسلمينquot; بالوكالة عن الاستخبارات التركية، قرر حزب الاتحاد الديمقراطي تشكيل وحدات مسلحة لحماية المناطق الكردية والدفاع عنها عند تعرضها لأي عدوان من جانب النظام والمعارضة المسلحة المرتبطة بتركيا والمحاور الخارجية والممولة منهما. وقد تم تشكيل وحدات الحماية الشعبية (Yekicirc;neyecirc;n Parastina Gel) والتي تضم الآن حوالي 30 ألف مقاتلة ومقاتل مكلفين بالدفاع عن المدنيين في المناطق الكردية، وعن التجمعات الكردية الكبيرة في حلب ودمشق. وتتبع هذه الوحدات المسلحة لقرار اللجنة العسكرية التخصصية في الهيئة الكردية العليا ( وهي سقف يضم الأحزاب الكردية في سوريا)، وقد جرى تدريب مكثف للشابات والشبان المتطوعين، شاركت فيه الكوادر الكردية السورية ذات الخبرة العسكرية الطويلة بين صفوف حزب العمال الكردستاني.
لقد راهن حزب الاتحاد الديمقراطي على وحدة الصف الكردي منذ اليوم الأول للثورة السورية، وذلك لبناء جبهة كردية صلبة تضم كل كرد سوريا ( حوالي 3،5 مليون نسمة) وتأطيرهم تنظيميا وعسكريا لمواجهة قوات النظام السوري وبعض المجموعات العسكرية في المعارضة الموالية للدولة التركية. وكانت القراءة الكردية صحيحة تماما، حيث تابع النظام السوري سياسته المعادية للشعب الكردي، فلم يعترف في عز أزمته بالهوية الكردية، ومضى يحارب اللغة والثقافة الكردية ويقصف المناطق والأحياء الكردية، فقتل حتى الآن مئات المواطنين الأبرياء، بينما رهنت بعض مجموعات المعارضة السورية نفسها للدولة التركية وحملت سلاح حزب العدالة والتنمية لمحاربة الشعب الكردي وتنفيذ المخطط التركي بنشر الدمار والخراب في المدن والبلدات ذات الغالبية الكردية. فكان لابد من التصدي لكلا الطرفين: النظام والمعارضة العميلة والرد عسكريا على اعتداءاتهما، وهذا ماحصل في حيquot;الأشرفيةquot; الحلبي وفي مدينة quot;رأس العينquot; حيث تكفلت المجموعات المرتزقة بالعدوان على الكرد وبقية موزاييك المدينة من عرب وشركس وسريان وآشوريين وأرمن.
النظام السوري الذي حارب الشعب الكردي طويلا وتمسك باتفاقية quot;اضنةquot; المذلة مع الجانب التركي، مسلما مئات المناضلين الكرد للحكومة في أنقرة، مايزال رافضا للوجود الكردي، حيث يفرض الآن حصارا على المناطق الكردية، ويقطع الرواتب عن الموظفين الكرد الناشطين سياسيا، وبشكل خاص المدرسين الذين يثبت تدريسهم لمادة quot;اللغة الكرديةquot; في المدارس الحكومية، بينما تجتهد المعارضة التابعة لتركيا هي الأخرى لتطويق المناطق الكردية ومنع الوقود والأغذية عنها، والتضييق على المسافرين الكرد وسرقتهم. وفي حال كهذه الحال لايملك الكرد سوى الاعتماد على قواهم الذاتية وعلى وحدتهم واطارهم السياسي ( الهيئة الكردية العليا) من أجل افشال المخططات الرامية للنيل منهم وتخريب مناطقهم وتهجيرهم. وقد تبدت الوحدة الكردية في أبهى صورها في مواجهات quot;رأس العينquot; حيث شاركت قوى وأحزاب كردية كثيرة( ومواطنون عرب) الى جانب (وحدات الحماية الشعبية) في رد أكثر من 27 كتيبة مسلحة موالية لتركيا نٌدبت لتخريب المناطق الكردية واحتلالها والتوجه الى منابع النفط في quot;رميلانquot; من أجل السيطرة عليها وبيع النفط الى تركيا، كما فعلت مع مخازن القمح والمباقر التي نهبتها ونقلتها الى تركيا، وهو الأمر الذي لاقى استنكارا كبيرا من كل أهالي محافظة الحسكة من كرد وعرب ومسيحيين( يٌنظر بهذا الشان على شبكة اليوتيوب: مقاومة أهالي قرية quot;علوكquot; العربية في منطقة quot;رأس العينquot; للمجموعات المرتزقة التي نهبت مخازن القمح ومركز الإصلاح الزراعي).
المعارضة المرتبطة بتركيا ماتزال ترفض الاعتراف بالهوية الكردية وتتغاضى عن ارسال المخابرات التركية للمجموعات المسلحة الى المناطق الكردية ( التي تضم مئات الآلاف من اللاجئين من المحافظات الأخرى) لتخريبها. وكان ( المجلس العسكري في الحسكة) بقيادة العقيد حسن عبد لل ه( الذي يبدو في صورة وهو يحمل العلم التركي على صدره!) قد اصدر بيانا يطالب فيه الكرد بالرضوخ للسياسات الشوفينية القديمة/الجديدة: عدم رفع رموزهم القومية والقاء اسلحتهم التي حملوها دفاعا عن النفس. وهو مايعني بان هناك جولات جديدة من المواجهات مع هذه المجموعات، ويبدو أن الجانب الكردي قد استعد لها جيدا منذ الآن.
يمتلك الكرد أوراقا كثيرة في مواجهة النظام المجرم في دمشق والمعارضة المسلحة الطائفية العنصرية وهي: وحدة صفوفهم ووقوف الأحزاب الكردستانية الكبرى في بقية أجزاء كردستان خلفهم ودعمها لهم ماليا وعسكريا، وتحالفهم مع بعض العشائر العربية الرافضة للهيمنة التركية ( في صدارتها عشيرة شمّر العربية الأصيلة)، ومع المسيحيين الخائفين من التحالف القائم بين حزب العدالة والتنمية التركي ومجموعات مرتبطة بتنظيم quot;القاعدةquot;، ومن نجاح مخططهما الرامي الى احتلال محافظة الحسكة وافراغ المسيحيين منها. وهذه كلها اوراق كردية كافية للبقاء في مركز قوي ورد الظلم والعدوان من أي طرف كان.
لقد اثبتت مواجهات quot;رأس العينquot; بأن مخطط احتلال الحسكة وسرقة نفطها وتهجير الكرد منها، واشعال صراع كردي عربي لم ينجح كما خططت له الدولة التركية وبعض ازلامها في المعارضة المسلحة، حيث كانت المقاومة الكردية العنيفة ( وهو مالم تحسب له المجموعات المسلحة التي دخلت المدينة بسهولة بعد استسلام جنود الجيش النظامي، الذين تم تصفيتهم كلهم، في جريمة مروعّة، والقائهم في مقبرة جماعية!)، بينما تستعد عشائر عربية لاتخاذ مواقع الدفاع عن المحافظة في وجه المجموعات الغريبة التي ارسلتها الدولة التركية، في الحين الذي طالب فيه المسيحييون الوحدات الكردية بتدريبهم للدفاع عن أنفسهم في وجه ادوات quot;العثمانية الجديدةquot;، وبالتالي استبعاد السيناريو العراقي حيث فرار المسيحيين الجماعي وترك أرض الآباء والأجداد، والبقاء في الحسكة رغما عن النظام وعن الدولة التركية وأدواتها.
طبعا يحدث هذا كله في الحين الذي يصمت فيه (المجلس الوطني السوري) رسميا رضوخا للأوامر التركية، بينما يعمل الكثير من أعضاءه في الخفاء في صفوف المجموعات المسلحة، حيث رصدتهم العيون الكردية وهم يتنقلون بين مواقع المسلحين، وأيضا يتقاتلون فيما بينهم على الأموال التركية المرسلة لتمويل عميلة الاحتلال والتخريب....
[email protected]
التعليقات