ليش العراق مايريد حليف؟
تعمدتُ أختيار هذا السؤال باللغة العراقية العامية للفائدة العامة لأني سمعتُ هذا السؤال مرات عديدة من مجموعات تحمل معرفة جيدة بعالم السياسة والمال والمصالح المتبادلة بين الدول. ومجموعات أخرى تشغال وظائف داخل مجلس النواب من عراق الكتل السياسية (كسلطة تشريعية) وتظن أنها تعرف الظاهر والباطن حتى أصبح بلدنا بين محافظة تلطم وتبكي ومحافظة تلعن وتُهوس.

وللذي يهمه الموضوع أضع الأمر أليه بالشكل التالي. المخيف في عراقنا الأداري أن معظم تحالفاته الداخلية ( التحالف الوطني ، التحالف الشيعي ، التحالف الأسلامي السني ، التحالف الكردي والتحالف الأقليمي والدولي ) طرأ عليها التناقض والتغيير والأنقلاب على الحليف. وأصبح أعداء الأمس حلفاء اليوم حلفاء اليوم أعداء الغد. لذا ، لأعطاء هذا البحث الموجز بعض الأهمية وليحقق الغرض فأن المقال يمكن أن يحمل عنوان أخر ، وهو: لماذا يشكك العراقيون بقيمة تحالفهم الوطني ولحمة شعبهم؟ وكنتيجة ، يشككون بتحالفهم ويطالبون بتقسيم العراق وشرذمته مع دول العالم المتعدد المصالح والمنافع ، ويبتعدون عنها بشكل أو بآخر ، كما يبتعدون عن مصالح أبناء فطرتهم ، مع أن التحالف الوطني الداخلي والخارجي الدولي هو الأصح والأصلح لمن يريد فهم تطور العالم الأجتماعي والسياسي والعسكري والمالي والصناعي وتطوير كفاءات المواطنين الفردية وتبادل الخبرات الفنية والتطور التكنولوجي ووضع البلاد في حالة الأستقرار الدائم.

بداية أود التوضيح بأن خلفيتي الأكاديمية الثقافية سياسية بأختصاص ، كما يعرف جميع معارفي وأهلي وأصدقائي. كما أني لاأتبع أهواء رجال السياسة و المذاهب وزمر حملة السلاح في توجهاتهم الفكرية والأجتماعية والمذهبية ، لذا فأني أُغلّب (بالشدة على اللام ) البحث والقراءة لمعالجة الخلافات الأنية والأمور العصيبة التي يمر بها العراق والتي سيتم تجاوزها بعد حين وببطء شديد. في عالم اليوم لايوجد حل واحد للمعضلات والأزمات وأنما حلول مدروسة ومتوازنة أذا أتخذت مجراها الصحيح ، فأنها تتفاعل بطبيعتها مع المجتمع المدني وحاجاته لتأخذ حيزاً كبيراً وتملئ الفراغ دون اللجوء الى العنف وتعميم الكراهية. والدول الصغيرة تعرف حجمها وقيمتها في عالم المال والسياسة والعسكرية ويرتأي قادتها تكبير حجمها وقيمتها بالتحالف مع الدول المستقرة الفكر والنظام الساسي ، وهو مافعلته قبل العراق ( الكويت ، والأردن ، الأمارات ، اليابان ، وكوريا الجنوبية ) وهي خير الأمثلة.

في عراق الكتل السياسية والعثرة التاريخية التي أنزلق أليها بتحكم المذهبية والعشائرية ، رفض البعض التحالف مع دول وقَبِلَ أخرون به وتفهموا قيمة وقوة التحالف الذي ترتبط فيه فيه معظم الدول الغنية الواسعة الحجم والتأثير والثروة والثقل العسكري ولاتعتمد على قوتها ومواردها الداخلية الفردية دون الدخول في تحالف يضمن لها حصيلة النجاح ( الأتحاد الأوربي ) خير مثال. وعندما يدرك قادة الفكر المذهبي والعشائري أن الحروب مُذلة ومُهينة ومُخربة للأقتصاد وتسهم في تفقير تام للمواطن المتحضر والبدوي ، لايلجأون أليها ولايهددون بها ولايوعدون شعوبهم بالنصر المؤزر.

والساري والمعروف في عقلية النظام العشائرية أنها نمط خاص لحكومة لا تدار بخبراء وضوابط في الشؤون المالية والأنظمة المصرفية والعملة والأستثمار الوطني جعلها تدير هذا القطاع بشكل كامل التشويه يَبرزُ فيه ضعف الأداء وأنتشار السرقة ، دون علم ومعرفة بما يجري في عالم المال وألأستثمار الصحيح للموارد والثروات الطبيعية. الأدارة المالية هي فهم أشخاص و أجهزة و حسابات رقمية تُستخدم بعلم في التداول المالي النقدي وتقلبات الأسواق وطرق الأستثمار والحصيلة المربحة للأنتاج الوطني السنوي ، وهو ما يظهر جلياً في مشاكل الحكومة العراقية ومبادراتها العفوية لأصلاح مؤسسات مالية عشائرية ومذهبية الفكر بعد وقوع الضرر وتمثلت في أزالة أشخاص من مناصب شغلوها دون كفاءة مع أبقاء العلة على حالها دون أزالتها بأعادة هيكلة الأجهزة المالية التي سأتطرق أليها لاحقاً. فما هي الفائدة من طرد وزراء المالية والتجارة ورئيس البنك المصرفي العراقي من وظائفهم دون دراسة ومعالجة وأصلاح النظم المالية والأدارية الأخرى التي تجري وتدار بنفس النسق؟

النظام الأداري الحكومي يعتمد على لجان لا يتجاوز التنسيق بينها سوى الأجتماعات. لجان في مجلس النواب ليس لأعضائه صلاحية خارج أطارها القانوني الرسمي المحلي. فهي ليست مؤسسات ملاحقة ورقابة وتفتيش على أموال العراق المسروقة في الخارج وحدودها تتوقف على مباحثات وأحاديث يتداول بها و يطرحها مسؤول عراقي على مسؤولين في دول ليس لها تنسيق أو تحالف أقتصادي أو مالي معه الباحث الأقتصادي والمالي لايمكنه التوصل الى اي معلومات رقمية دقيقة عن ميزانية العراق حتى لو كانت تخمينية.ميزانية العراق لسنة 2012 كانت في حدود 100 بليون دولار ، والحالية المقترحة التي لم يُصادق عليها تزيد على ماسبقها ب 18 بليون دولار. والأخبار الشحيحة التي تخرج للصحافة والشعب عن مجلس النواب العراقي وصلاحياته تشير الى أن التخصيصات لاتتم حسب الحاجة الخدمية للمحافظات وأنما حسب القوة العشائرية لهذه المحافظات ، هذا بغض النظر عن خلافات أعضاء المجلس الأخرى في جلساته الأبتزازية التي تتعمد عدم أكتمال النصاب للأعضاء. وتجري العادة الى التأجيل ثم التجاوز على الميزانية الضخمة وعمليات المناقلة المالية بطرق الأبتزاز التشريعي.فمسودة السنة الحالية 2013 للبلاد بلغت قيمتها 118 مليار دولار، والمبلغ المخصص لميزانية القوات السلحة والأمن تحتل إحدى أولوياتها، و بنسبة 16 مليار دولار أو مايعادل 14.37 % من الميزانية العامة. هذه الأرقام quot; أدعائيةquot; ولا يعتبرها أي خبير مالي صحيحة، وهي تدخل ضمن الكثير من الأدعاءات االتمويهية الكاذبة. وتبرز حيلة عدم معرفة الحقيقة بأجابات جاهزة يُصرح بها أعضاء مجلس النواب والحكومة كالقول أن الميزانية تخمينية أو أن المجلس لم يصوت عليها بعد ، أو وجود خلافات بالنسبة للتخصيصات للمناطق والمحافظات. والحقيقة أنهم لايعرفون حقيقة حجم الناتج القومي السنوي Gross Domestic Product GDP منذ عام 2003 ، فيلجأ البعض الى أرقام تخمينية لايفهمها أي مدقق مالي في وزارة التخطيط أومجلس الرقابة المالية أو دوائر الفحص المالي الأجنبية حتى لو تم ذلك بحساب واردات الدولة ومبيعاتها وتقريب الأرقام الى الحقيقة أو وضع أنتقاد اللجنة المالية كمقدمة على أن السلطة التشريعية تدرس الصيغ التي أقرّتها الحكومة بجدية.

حسابات مجلس النواب لأمكانيات العراق التصديرية للبترول 2.9 مليون برميل في اليوم ومعدل قيمة البرميل 90 دولار كانت قد تمت عراقياً دون الأخذ بنظر الأعتبار عوامل أخرى ، كأضطرابات وتقلبات السوق المالية ، والحالة الأمنية للتصدير النفطي ، وعمليات التخريب والركود الأقتصادي وأمور أخرى كالأموال العراقية المجمدة في الولايات المتحدة 17 بليون دولار أمريكي ( وسبق للسيد أسامة النجيفي رئيس مجلس النواب أن صرح بها مرات دون أتخاذ أجراء بأسترجاعها وصرحت الأدارة الأمريكية بحقيقة فقدانها quot; تجعل الأرقام quot; أدعائية خيالية quot; quot;

العراق السياسي في مرحلة ألأستماع دون وجود أرادة التغيير للتحالف مع دول مالياً أو عسكرياً. ويسمعُ العراقيون خطباء الجوامع وحماسهم في توجيه الصراع والحروب الدموية وضرب الأعناق وتبرأة المعتقلين القتلة أكثر من الأستماع الى منطق العقل وكلمة الله فيهم. يسمعُ العراق ويستمع أهله الى أهمية التحالف الدولي ويسمع بالمجموعة الأوربية ويسمع بالأتحاد المصرفي ويسمع بدولة الأمارات المتحدة وتجمع 7 مشيخات في دولة ، ولكن عراق الكتل السياسية لايقرأون كلمات ( التحالف ، المجموعة ، الأتحاد) لغرض فهم معناها المالي ومغزاها العملي الأستراتيجي.

لم أقرأ أي بحث دولي يؤيد شفاء الأقتصاد العراقي من العلل المصاب بها. كل البحوث الأقتصادية التي تنشرها المعاهد الدولية عن العراق تُبين أن العراق يحتاج الى أعادة هيكلة نظامه الماليFinancial re-construction والعمل على بناء A reserve Safety net لضمان شبكة مالية سليمة لخزين أحتياطي.

العراق الحالي: أزمات متكررة ، ومراحل من فوضى النظام ودرجات من سوء فهم طريقة الحكم الديمقراطي، يتم فيه تبرير السرقات المالية ، وتبرير الأرهاب والأبتزاز بتصريحات غبية. ويعزو معظم العراقيين الأزمة الى حالة واحدة وهي ضعف حكومة المالكي وتلكؤها في تقديم الخدمات. غباء التعامل التجاري والمالي وصياغة العقود وقانونيتها المُلزمة ، وأتجاهات خاطئة للتعرف على الحليف الدولي وبناء أستراتيجية التعاون والتحالف الذكي. وهذه أمور كانت قد أضافت ومازالت تضيف أساءة ألينا كشعب ذو حضارة لم يعد يتفاعل مع تطور الحضارات. وبدون التحالف المالي والسياسي والعسكري يكون العراق كالمياه الركدة ، تسمم شعبها فقط.

باحث وكاتب سياسي