لانحتاج لجهد كبير بعد مضي عامين على انطلاق الثورة السورية، لكي نكتشف حجم القوى التي ساهمت وتساهم في ترحيل قضية الشعب السوري، من حقل الثورة إلى حقل الأزمة، والفارق واضح بالطبع، بين الثورة من قبل شعب على نظام شكل على مدار اربعة عقود من الحكم المافيوزي الطائفي، عقبة في وجه حرية الشعب السوري وكرامته وعيشه كباقي شعوب الارض في ظل دولة ديمقراطية، وبين الازمة التي تعني فيما تعنيه أنها نتيجة نهائية لتراكم مجموعة من التأثيرات أو حدث مفاجئ يؤثر على المقومات الرئيسية لنظام ما او بلد ما، ويشكل تهديد صريح واضح لبقاء هذا النظام أو البلد، وبالتالي ما يحدث يشبه كارثة بيئية او حربا خارجية وترفع المسؤولية القانونية والسياسية والاخلاقية عن نظام العصابة الأسدية، وتتساوى فيها الرؤوس، حيث مسؤولية الشعب تصبح كمسؤولية العصابة الأسدية. ترافق هذا الجهد مع جهد آخر وبنفس المقلب، وهو اخراج مقتضيات ما يحدث بكونه ثورة شعب، ليصبح الحديث عن مقتضيات حرب أهليه، وما تعنيه من بقاء العصابة الأسدية كجزء من امكانية أي حل سياسي، هذا الجهد لعبت عليه روسيا وإسرائيل منذ لحظة انطلاق الثورة: من يراجع الاعلام الاسرائيلي وتصريحات مسؤولي الحكومة الاسرائيلية، يجد أن الجهد منصب على بقاء العصابة الأسدية جزء من الحل والمستقبل السوري، آخر تصريحات ميديفيدف رئيس وزراء روسيا يحرض العالم ضد الثورة بقولهquot; على العالم أن يمنع وصول السنة إلى الحكمquot; والتصريحات المتعاقبة لحكومة إسرائيل حول قضية الارهاب وخطره وقضية السلاح الكيماوي بأنها يجب أن تبقى محصورة بيد العصابة الأسدية، بالنسبة لإسرائيل العصابة الأسدية جزء من نظام اقليمي شاركت إسرائيل بتأسيسه منذ نهاية حرب تشرين 1974 وما سمي حينها باتفاقيات الفصل، وهذا النظام الاقليمي يتيح للدولة العبرية أن تكون اللاعب الرئيسي القادر على التهرب من مسؤولية السلام، ومتطلبات حل القضية الفلسطينية حلا عادلا وشاملا..لا يوجد في تصريحات أي مسؤول إسرائيلي عن الثورة السورية يعترف فيها بحق الشعب السوري بقيام نظام ديمقراطي في سورية. مرة أخرى نؤكد أن إسرائيل ليست فقط تلك الدولة الموجودة في الشرق الاوسط إسرائيل هي جملة معقدة من المصالح، تخترق دول ما يسمى العالم الحر وعلى رأسها أمريكا، ليس على طريقة المؤامرة بل بشكل واضح وعلني ومعروف، حيث نجد أن أي مركز قوة ليس بالضرورة أن يكون يهوديا لكي يدافع عن الوضعية الاسرائيلية في الشرق الاوسط..بالتالي عندما نقول إسرائيل فإننا نقصد تلك الكتلة من المصالح الدولية والمحلية في كل بلد غربي. هذه الكتلة كانت منذ بدء الثورة ضد التدخل الدولي لحماية المدنيين وضد دعم الثورة السورية دعما يشير إلى كونها ثورة شعب ضد نظام فاشي، وعندما الثورة السورية فاجأتهم كما فاجأت المعارضة السورية، راحوا يتبعون استراتيجية مفتوحة على خيارات الأسوأ، خيار الصوملة، وتدمير البلد، افراغ المعارضة من حضورها السيادي كبديلا عن العصابة الأسدية، تفخيخ الثورة بتنظيمات مصنوعة استخباراتيا، تفخيخ الاعلام الغربي بالحديث عن حرب اهليه..الخ المعزوفات، من مثل الارهاب والبديل غير الموجود، والمعارضة المتشرذمة، وحقوق الاقليات...علما أن العالم الغربي الذي لايريد دعم الثورة بالسلاح لأن فيها تنظيمات اسلامية لم يقم بدعم ملموس للتيارات العلمانية والليبرالية في الثورة. ولهذا حاولوا اغلاق الدائرة على حركية الثورة، من أجل تحويلها لازمة..وهذا ما ساعدت فيه المعارضة وشلة من محازبيها وشخصياتها التي لم تعرف أن تدير مصالح الثورة خدمة لها ولاهدافها، وابتعلت طعم الحل السياسي بالتدريج، وفي الغرف المظلمة، ومنها المفتوحة في فنادق الدعم. عندما أعطت غطاء ما كانت الدول الغربية وروسيا وإسرائيل تحلم به، بحذفها من أجندة عملها الاصرار على تدخل الامم المتحدة والمجتمع الدولي من أجل حماية المدنيين، بل راحت تلك الشخصيات والمعارضة تستلهم اللعبة ومقتضايات تحولها لازمة سياسية، تحتاج لحل سياسي..وكأننا أم ازمة تشبه الازمات التي يتعرض لها بشكل شبه دوري المستوى السياسي الاسرائيلي حيث نادرا ما تكمل حكومة منتخبة مدة انتخابها اربع سنوات..وتحل بالانتخابات عبر مساومات في الكنيست الاسرائيلي..وبهذا استطاع الموقف الدولي ان يوصلنا بفضل تلك المعارضة، لاستمراء الحديث عن حل سياسي العصابة الأسدية جزء منه..كان على المعارضة أن تعمل من أجل توريط القوى الدولية بما تعتبره تلك الدول ازمة وليست ثورة، عبر الرفض الايجابي للحديث عن حلول سياسية، والرفض الايجابي يقتضي بان تطرح قوى المعارضة برنامجا للحل في رأس اولوياته الاصرار على طلب التدخل الدولي..طالما أن تلك الدول تريد كما تدعي حلا سياسيا، لماذا لا تفرضه!!! عبر قرار من مجلس الامن؟ تمييع الثورة وتدمير البلد وتفريغ اهداف الثورة، عبر تشتيت المستوى السيادي التمثيلي للثورة سياسيا وقانونيا. الثورة قامت ضد عائلة الأسد تحديدا لكونها مافيا طائفية حكمت البلد ودمرته ولم تقم ضد نظام لأن الشعب السوري كله يعرف أن من يحكم البلد ليس نظاما، بغض النظر عمن تلطخت ايديهم أم لم تتلطخ بدماء شعبنا. لم تسأل المعارضة نفسها سؤالا بسيطا وهوquot; لماذا تصر روسيا وإسرائيل بكل ثقلها على استمرار تلك العائلة، ودون حتى المساعدة باستبدالها من رجالات النظام نفسه لكي تساعد في حل الاكمة!!؟ طالما أنهم يقولون أنه نظاما...الحل السياسي اذا مطروح لافراغ الثورة من مخزونها التغييري للوحة النظام الاقليمي من جهة ولسورية من جهة أخرى..المعارضة ساعدتهم في ذلك..ما يسمى المجتمع الدولي لم يرفع الغطاء القانوني عن العصابة الأسدية والسبب لأن إسرائيل تريد استمرار هذا الغطاء القانوني لهذه العصابة لتدمير البلد دون محاسبة، في حال فشلت الثورة!!
هنالك فارق بين أن تؤيد الحل السياسي- وأظن أن لا أحد ضد الحل السياسي- وبين أنه لايوجد حل سياسي إلا بالتفاوض مع العصابة الأسدية- يعني استمرارها كجزء من المستقبل السوري- أليس هذا ايضا حلا عسكريا، وليس سياسيا لأن من فرضه فقط الحل العسكري المجرم الذي اتخذته العصابة منذ اول يوم للثورة؟