في مداخلة له على قناة البي بي سي في يوم 13/02/2013 قال المعارض السوري المرموق ميشيل كيلو quot;أن النظام السوري قد دمر البلاد نيابة عن إسرائيل وأن المعارضة لا تتحمل أية مسؤولية عن عسكرة الثورة...

السيد ميشيل كيلو ليس هو الوحيد ضمن المعارضة السورية الذي يكرر ليل نهار أن إسرائيل تقف وراء نظام بشار الأسد الديكتاتوري... بعد ما كان النظام البعثي في دمشق يتكلم مرارا وتكرارا عن المؤامرات ضد نظامه quot;المعادي للإمبرياليةquot;، بدأت الأن المعارضة السورية الحديث بكثرة عن مؤامرة تحاك ضد quot;ثورتهاًquot;... نعم المؤامرات ممكنة جداً... ولكن من الصعب إقناع أي إنسان واقعي بأن إسرائيل لديها علاقة ما بتدمير سوريا... الذين دمروا سوريا ويقتلون شعبها هم النظام الوحشي والدموي في دمشق، والمعارضة المتطرفة وكل من يقف خلفهما.

في الأسابيع والأشهر الأولى للانتفاضة السلمية كانت عناصر المخابرات السورية وأعوانهم يقومون بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين، ويدعون بعدها بأن quot;عناصر مندسةquot; تقوم بهذه الأعمال البغيضة. أما القوى الإسلامية المتطرفة فلقد دخلت في لحظة ما بالفعل على الخط وبدأت ترتكب هي أيضاً جرائم فظيعة بحق المدنيين لاتهام السلطة بها في وقت لاحق.
في مداخلته على قناة البي بي سي يقول السيد ميشيل كيلو أيضاً quot;أن مقاتلي جبهة النصرة و الكتائب الأخرى عانقوه بحرارة عند لقائهم له رغم انه مسيحي الديانة...quot;. إنه لأمر سعيد أن مقاتلي جبهة النصرة والكتائب الأخرى لم يقوموا بذبح السيد كيلو فوراً...... ولكن هذا العناق والاحتضان لا يغير من الأمر شيئاً.. إن جبهة النصرة والكتائب الأخرى تبقى مجموعات متطرفة قامت وتقوم بالتعذيب والقتل والتدمير والنهب اليومي بل وحتى باغتصاب النساء...

المعارضون السوريون يبررون فشلهم بانعدام الدعم الغربي لهم. قد يكون للغرب دور ما في هذا الفشل، ولكن القول بأن الدول الغربية لم تقم بقديم الدعم اللازم فهذا الكلام غير دقيق، إن لم نقل أنه عار عن الصحة. أنا شخصياً ليس لي علم بتمرد أو ثورة في العالم حصلت على هذا القدر من الدعم بالمال والسلاح و الدبلوماسية من الدول الغربية...

يذهب بعض المعارضين أكثر من ذلك ويكتبون أن quot;ادعاء وزيف المجتمع الغربي في الدفاع عن حقوق الإنسان ظهر بشكل جلي مع الثورة السورية، وبهذا انكشف خداع الغرب الكافر...quot; البعض الآخر من المعارضة السورية يدعي أن اليهود وإسرائيل يقفون خلف كل هذا... التنديد بسياسة إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني شيء وإقحام دولة إسرائيل بكل شاردة وواردة في العالم العربي شيء آخر. من الطبيعي أن تستفيد إسرائيل من الخلافات العربية ولكن اليهود ودولة إسرائيل لا علاقة لهما بالقتل والتدمير الجاري في سوريا. لذا لا أفهم المعارضين السوريين الذين يحرضون السوريين ليل نهار ضد اليهود و ضد quot;الغرب الكافرquot;، وذلك عندما يسيّرون المظاهرات التي تردد فيها شعار مثل: quot;خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود...quot;.

أذاً ليس صحيحاً أن الدول الغربية تدير ظهرها لمأساة السوريين... أذا كان لابد من إتهام الدول الغربية بالتقاعس تجاه الظلم والخروقات الحاصلة لحقوق الإنسان، فيمكن الإشارة إلى أمثلة أخرى وليس للمثال السوري. فالدول الغربية على سبيل المثال كانت تدير ظهرها لسنوات طويلة لمعاناة الشعب العراقي وخاصة من الكرد (الأنفال، الهجمات بالغازات السامة)، وإيران (في عهد الشاه والخميني)، ) وسوريا (2004، قتل الكرد.. اغتيال الشيخ معشوق الخزنوي...). أما في تركيا فالدول الغربية مازالت تدير ظهرها لمعاناة الكرد بل وتدعم الدولة التركية ضد الكرد والقوميات الأخرى كالسريان ألآشوريين... حيث تم تدمير 4000 قرية و وتصفية 17000 شخص بشكل سري وهناك 10000 معتقل سياسي كردي وتم تهجير حوالي ثلاثة ملايين من قراهم ومدنهم... طبعاً يجب التمييز بين الدول الغربية و المجتمعات الغربية... فهناك أوساط كثيرة تدعم الكرد والأقليات الأخرى ويجب أن نشكرهم على هذا الدعم...

مع كل التعاطف مع ضحايا ونضال السوريين ضد نظام دموي ومجرم... يجب القول أن الرأي العام في الغرب لا يمكنه الوقوف (بدون قيد وشرط) خلف انتفاضة يزداد فيها يوما بعد يوم سيطرة المتطرفين والعنصريين الطائفيين وأعداء التراث والتاريخ والتنوع العرقي والديني...

هناك أمر أخر لا يقل أهمية ألا وهو أن المعارضة السورية لا تريد أن تفهم أن الناس في سوريا بصدد تأسيس الدولة من جديد وبكل أسسها السياسية والإدارية والدستورية... وليسوا بصدد تغيير حكومة بأخرى يسيطر عليها quot;المجلس الوطني السوريquot; الذي يقف خلفه الإسلاميون. أي ان يأتي هؤلاء بدل زمرة الأسد البعثية الدموية....

اليوم بعد مقتل 65000 سوري و 100000 جريح ومليون لاجئ خارج الحدود و 5 مليون نازح داخل البلاد، وعشرات الآلاف من السجناء لا يمكن العودة بسوريا إلى ما قبل مارس 2011. سوريا سوف لن تعود إلى ما قبل مارس 2011. فالكرد مثلاً لن يقبلوا بعد اليوم طوعا أن يعود رجال الشرطة والمخابرات من خارج مناطقهم لادارة الأمور أو ضرب المواطنين الكرد وتعذيبهم واغتصاب نسائهم... وهذا ما لا يريده أيضاً الدروز والعلويون والسريان/الآشوريون والأرمن والمسيحيون والايزيديون والإسماعيليون....

بعد كل ما حدث في سوريا من قتل ودمار سوف لن تنجح المعارضة الإسلامية (المجلس الوطني والإتلاف...) بسهولة بفرض تغيير صوري و شكلي في البلاد. بعد أكثر من أربعين سنة من سياسة القهر يريد الكرد والآخرون دولة قانون وعدل في سوريا وليس سلطة لقوى متطرفة معادية لمبادئ المساواة الحقيقية حقوقا ومشاركة... فلنكن صرحين... لن يقبل الكرد في سوريا المستقبل باقل من ادارة ذاتية يديرون بها أمورهم... وينطبق هذا على العلويين و على الدروز والإسماعيليين والسريان/الآشوريين والمسحيين.... فلنقصر إذاً الطريق على السوريين وننهي مأساتهم... حلم الإخوان المسلمين في السيطرة على سوريا بمفردهم لن يتحقق.