مرت المرأة فى التاريخ بألوان متعددة من الإستعباد والإستغلال لدرجة أضحت أمة عبدة لاتملك من أمرها شيئا ويكون الرجل هو الوصى عليها فى جميع تصرفاتها ومن الجانب الآخر كانت نساء شامخات أضحين ملكات وحاكمات وأميرات لاتقل قدرتهن عن قدرة الرجال فى السياسة والإدارة والإقتصاد والحكم ومختلف مرافق الحياة. كما ذكر القرآن الكريم قصة بلقيس وهى تحكم بحكمة وعقل وتدبر ومدحها فليست المرأة عاجزة أو ناقصة عن الرجل وربما كانت امرأة تعادل ألف رجل كما ذكر فى محله.

يحاول الإسلاميون اليوم الحجر على المرأة واستعبادها فى السيطرة الذكورية وهم يستغلون حججاً واهية لم تثبت لاعقلا ولا شرعا.

كتب الشاعر جميل صدقى الزهاوى مقالا بعنوان (المرأة والدفاع عنها) فى جريدة المؤيد بتاريخ السابع من آب عام 1910 م وكان مقالا قويا يدافع فيه عن المرأة وحقوقها وحرياتها وهو ينتقد المتزمتين دينيا مما أثار جدلا واسعا وردود أفعال كبيرة فى بغداد والقاهرة وغيرهما. كان على رأس الحربة رجال الدين المتشددين أمثال جواد الشبيبى وبجهة الأثرى ومصطفى الواعظ ومحمد النقشبندى وقد شنوا حملة واسعة ضد الزهاوى والشكاوى عند والى بغداد ناظم باشا مما أدى إلى طرد الزهاوى من التدريس من مدرسة الحقوق وهجوم سافر عليه كخارج على الشريعة واتهم بالزندقة والكفر والإلحاد.
كانت الحملة كبيرة وكتبت المقالات ضدّه واستغلت المساجد والجوامع لتحريض الناس عليه مما جعلته يعيش محسورا فى بيته ردحا من الزمان.
لكنه لم يأبه بعد مدة لينظم الأشعار تلو الأشعار فى هذه الأفكار وتحرير المرأة وحريتها وهو يقول

أسفرى فالحجاب يابنة فهر هو داء فى الإجتماع وبيل
لم يقل فى الحجاب فى شكله هذا نبى ولا ارتضاه رسول
كل شئ إلى التجدد ماض فلماذا يقر هذا القديم
أسفرى فالسفور للناس صبح زاهر والحجاب ليل بهيم
أسفرى فالسفور فيه صلاح للفريقين ثم نفع عميم
زعموا أن فى السفور انثلاما كذبوا فالسفور طهر سليم
لايقى عفة الفتاة حجاب بل يقيها تثقيفها والعلوم

والذى يرجع إلى ديوانه المطبوع عام 1924م يجده حافلا بهذه القصائد الخالدة

شخّص الزهاوى العادات التى تعوق تحرر المرأة والمجتمع فقال
ثوروا على العادات ثورة حانق وتمرّدوا حتى على الأقدار
لأن الزهاوى يعتقد أن الأمة تعيش التخلف بتبرير كل شئ بالقدر دون أن تسعى لتغييره وإصلاحه
كما يشير إلى التعصب الناشئ عن الجهل سببا فى التخلف
هو التعصب قد والله أخَّركمْ
عن الشعوب التي تسعى فتقترب
يؤكد الزهاوى على المقارنة بين الحجاب والسفور
كان الحجاب يسومها
خسفا ويرهقها عذابا
إن الأ ُلى قد أذنبوا
هم صيروه لها عقابا
وسيطلب التاريخ من
ناس لها ظلموا الحسابا

لقد تأثر الزهاوى بأوربا وحضارتها وهو يشاهد حرية المرأة واشتراكها بمختلف المجالات والإختصاصات فى بناء الدولة المدنية الحديثة... إنه المثقف والمفكر المتأثر بفيلسوف المعرة وبالكوميديا الإلهية لدانتى، فجمع الحداثة والفلسفة القديم والحداثة والمعاصرة كما كانت حركته الثورية السياسية ورفضه للظلم.
قال فيه طه حسين (لم يكن الزهاوى شاعر العربية فحسب ولا شاعر العراق بل شاعر مصر وكل الأقطار العربية لقد كان شاعر العقل وكان معرى هذا العصر ولكنه المعرى الذى اتصل بأوربا وتسلح بالعلم) قالها فى رثائه وهو يجهش بالبكاء حزنا على فقده وخسارته
كما يقارن الزهاوى بين الغرب وتقدمه والشرق وتخلفه
الشرق ما زال يحبو وهو مغتمض
والغرب يركض وثباً وهو يقظان
والغرب أبناؤه بالعلم قد سعدوا
والشرق أهلوه في جهل كما كانوا
كان الزهاوى يتساءل فى العدالة بزواج الرجل من أربعة نساء دون المرأة فإذا ببابه يطرق ويطلب شباب أن يمارسوا الجنس مع زوجته لتحقيق العدالة بزواج المرأة من أربع ولم يكن سهلا للزهاوى التخلص منهم ومن أمثالهم الكثيرين لأن الساحة الدينية قد تعبأت ضده كما ذكر ذلك المفكر الإجتماعى على الوردى.
وفى معرض انتقاده للطلاق بيد الرجل دون المرأة وقد يكون ثملا سكرانا
وقد يطلقها في حانة ثملاً
وليس تدري لماذا طلق الثمل
كان عاشقا لجمال المرأة وتساءل مرة
ما أتعس الحسناء يملك أمرها الزوج العنيف
فأجابه أحدهم فهل يجوز التعنيف بغير الحسناء
لعله تأثر بحركة قاسم أمين فى مصر لتحرير المرأة وهجوم رجال الدين عليه ولا يبعد التأثر مع رفاعة الطهطاوى وهدى شعراوى وطه حسين ومحمد عبدة وغيرهم
رغم السجال بينه وبين الرصافى لكنهما مدافعين عن تحرير المرأة فقد قال الشاعر معروف الرصافى
لئن وأدوا البناتِ فقد قبرنا جميعَ نسائنا قبلَ المماتِ
ولو عدمت طباع القوم لؤمًا لما غدت النساء محجباتِ
وقال الرصافى أيضا
ولقومنا في الشرق حالٌ كلما زدتَ افتكارًا فيه زدت تعجبا
إنه موضوع قديم منذ قصة آدم وحواء والتفاحة والجنة وقصة خروجه من الجنة وإغواء حواء له كما فى بعض التراث الذى يقول أنها خلقت من ضلعه الأعوج فأغوته وأخرجته من الجنة؟؟!! وفى الكلام جدال ونقاش فليس كل ما ورد فى التراث صحيح أو أن له قراءة واحدة حتى أن تفاصيل القصة لاتوجد فى كتاب واحد.
مما ساد نقلا عن موروث غير ثابت ولا محقق أو لها ظرف خاص ومناسبة معينة تفهم من سياقه وظروفه الموضوعية (المرأة عورة) (خير للمرأة أ، لاترى رجلا ولايراها رجل) (لايفلح قوم ولوا شؤونهم امرأة) (النساء نواقص العقول والحظوظ والإيمان) (المرأة شرّ كلها) (المرأة أساس المعصية) وغيره من العجائب الغرائب التى تجعل المرأة شرا وكأن الرجل خير كلّه، وهذا ما لايقبله عاقل
متناسين فى قباله (المرأة ريحانة وليست بقهرمانة) (أحب من دنياكم النساء) (دخلت الجنة فوجدت أكثر أهلها من النساء) (إرحموا المرأة ترحَموا) وكان النبى يطلب دعاء النساء فيعتبره مستجابا وقصة أم موسى ومريم بنت عمران واضحة جلية فى القرآن، فكيف يمكن أن يأخذ بعضهم نَصّاً ينتقيه ويترك النصوص الأخرى.
قال الزهاوى أن الحجاب والعورة وحبس المرأة عادات قديمة لا تختص بالمسلمين ولعلها تتعلق بالأعراف والتقاليد فقد جاء عن سقراط (يجب حبس المرأة لأنها عورة) فأخذت منه لا من الدين مما يجعل الحجاب يتعايش مع البلاد وظروفها وأزمانها وأماكنها فقد كان الناس رجالا ونساءا فى الصحارى يغطون رؤوسهم من الحر والتراب وغيره
كما رأى بعض الفقهاء القدماء والمعاصرون عدم وجوب ستر الشعر فيما يعرف بحجاب المرأة اليوم بل المقصود هو صدر المرأة (فى الآية جيوبهن) مستدلين بالتراث ومعنى الجيوب فى اللغة العربية والأعراف والقرآن والسنة ومن المعاصرين زكى بدوى وحسن الترابى ومحمد حسين فضل الله وغيرهم.
أراد البعض التحجير على المرأة وحبسها فى الدار لتكون أمة له يستعبدها لكن الحياة قد تطورت وأن العالم يرفض العبودية وأن المرأة قد تعلمت وتنورت وناضلت ومعها رجال مؤمنون بها وبحريتها وتحررها فالحياة تكتمل بتلاقح الجنسين وأحدهما يكمل الآخر، كما قال الزهاوى:
وكل جنس له نقص بمفرده
أما الحياة فبالجنسين تكتمل