لو أعدنا عقارب الزمن الى الخلف و طرحنا إستفتائا نخير فيه شعوبquot;بلدان الربيع العربيquot;، بين البقاء على أوضاعهم او تغييرها وفق سيناريوهات مشابهة لما نحن عليه اليوم، فماذا کانت ستکون النتيجة؟ وقطعا لاأود الاجابة عوضا عن هذه الشعوب و لاحتى عن القراء، فذلك أمر أجد صعوبة کبيرة في تحديده.

ظاهرة الربيع العربي التي أثلجت الصدور و بعثت الامل و التفاؤل في القلوب و الافئدة و أکدت بأن العرب کسائر الامم الاخرى يثورون و يحطمون قلاع الطغيان و الاستبداد، لم تعد اليوم تدخل الفرحة و البهجة في الصدور بل وانها وعلى النقيض من ذلك تماما طفقت تبعث على الخيبة و السأم و الکئابة، ذلك أن الثورات التي تحمل معها نسائم الحرية و الابداع و التقدم للأمام، نجد ربيعنا العربي يحمل معه معاول و مقصات من أجل هدم کل الذي بنته الاجيال الاخرى من أبداعات و آداب و فنون، ففي مصر التي کانت مهد التقدم و الانفتاح العربي المعاصر يزداد الجدل من أجل إصدار حکم الاعدام بحق أعمال سينمائية تم إنتاج بعض منها عام 1967، بدعوى مخالفتها للشرع الاسلامي!!!! في حين أن الثورة السورية التي لم تستقر لحد الان على حال سبقتها معاولها بالاطاحة برأس الشاعر أبو العلاء المعري بدعوى انهquot;زنديقquot;! أما في تونس الخضراء التي ظن الکثيرون بأنها ستصبح مهدا للتقدم و الحضارة في المغرب العربي، فإذا بها تفاجأ العالم بإغتيال السياسي الناشط بلعيد في وضح النهار لأسباب دينية بحتة، في الوقت الذي يبادر فيه زعيم اسلامي متشدد في تونس ذاتها في أعقاب عملية الاغتيال بالتأکيد بأنهquot;بلعيد ليس البوعزيزي و أنا لست بن عليquot;، متناسيا أن بلعيد لم ينتحر رفضا و سخطا على الاوضاع وانما بالاضافة الى أنه قد تم إغتياله في ظروف غامضة فإنه کان أيضا يحمل فکرا و صاحب موقف و رؤية و منهج سياسي و فکري محدد، لکن و مثلما وقف بن علي ضد هذا المتشدد فإن هذا الزعيم المتشدد الذي وصفه أصدقاء تونسيون قدموا من تونس و إلتقيتهم أواخر العام الماضي في باريس، بأنه الحاکم بأمره في تونس، يقف أيضا ضد أية رياح تعاکسquot;ربيع إستبداده الدينيquot;، ومثلما کان نظام الشاه رؤوفا و يتسم بنوع من الحلم تجاه معارضيهquot;ومن ضمنهم التيار الدينيquot;، فإن النظام الديني المتطرف الذي أعقبه ألغى کل معاني الرأفة و الرحمة من قلبه و ضميره و وجدانه بل و وصل الامر به أن يصدر قرار إعدام 30 ألفا معارضا سياسيا بجرة قلم، ولنا أن نتساءل مالذي يجري حقا؟ هل هذا هو حقا الربيع العربي؟ هل أن الربيع العربي العربي کان مجرد مخطط أمريکي ـ إسرائيلي بأموال قطرية کما تشيع بعض الاوساط؟ أم هل أن الربيع العربي قد تم مصادرته تماما مثلما صادر المتشددون الثورة الايرانية و أفرغوها من محتواها الانساني التحرري؟ الاسئلة کثيرة بل أنه نزيف اسئلة متباينة عن المحصلة النهائية لهذا الاعصار الغريب الذي ضرب دولا quot;محددةquot; في المنطقة دون غيرها و نجم عنه أوضاعا غريبة و شاذة غير مسبوقة، إذ هل أن مصر طه حسين و أم کلثوم و توفيق الحکيم و نجيب محفوظ و يوسف شاهين و نجيب سرور صارت مصر محمد مرسي و لمة من الاخوانيين المحتقنين بحقد أسود على مرحلة عبدالناصر؟ الحق أن هذا الذي يسمونه ربيعا عربيا ان هو في حقيقة و واقع أمره سوى ربيعا للبؤس العربي، ذلك أن کل هذه الاعوام الطويلة التي إنقضت على الدکتاتورية و الاستبداد تمخضت للأسف عن وليد هو على أفضل الاحوال و التسميات مشوه او يتنفس إصطناعيا، فهل تمخض الجبل ليلد فأرا؟

کان هناك رجلا يسرق أکفان الموتى بعد دفنهم، ولما دنا أجله طلب من أبنه أن يعمل کل مابوسعه کي يغفر له الناس فعلته الشنيعة، فقام أبنه من بعدهquot;وتنفيذا لطلب والدهquot;، بسرقة اکفان الموتى و من ثم خوزقتهم، وبات الناس يترحمون على ذلك الذي کان يکتفي بسرقة أکفان الموتى فقط!