في خضم كل مايدور حاليا ً في العراق من حراك سياسي وشعبي وقانوني، تطل علينا ظاهرة جديدة وهي ظاهرة إعتقال السيد أحمد القبنجي في إيران. لم تصرح السلطات الإيرانية إلى الآن عن سبب إعتقال السيد القبنجي، ولكن هناك آراء كثيرة تشير إلى أن أعتقاله جاء على خلفية آرائه المثيرة للجدل حول فهم جديد للدين ونظرة جديدة لكل التراث الإسلامي. لماذا سميت أحمد القبنجي بالظاهرة مع أنه ليس أول من يعتقل في إيران وليس أول عراقي يعتقل في بلد أجنبي. نعم، لقد سميته بالظاهرة للإسباب التالية: أولا ً لم أشاهد إلى الآن رجل دين عراقي أو غير عراقي يطالب بإطلاق سراح السيد من السجن مع أنه رجل دين يرتدي العمامة السوداء، ومع أن هذا المطلب هو مطلب إنساني قبل أن يكون شيئا ً آخر، إذ يجب أن يسمو هذا المطلب على كل الخلافات الفكرية والعقائدية، والغريب أن رجال الدين في العراق يطالبون بإطلاق سراح رجال الدين الذين يسجنون على خلفياتهم الفكرية وآرائهم السياسية حتى لو كانوا في الصين. الشيئ الثاني أن السيد القبنجي بعمامته السوداء وجد من المدافعين عنه من الليبراليين والمستقلين من نشطاء الفيسبوك وبعض الكتاب والمثقفين. وأخيرا ً وليس آخرا ً هو أن هناك جهات حزبية عراقية طالبت السلطات الإيرانية بمحاكمة السيد القبنجي لإنحرافه عن الدين الصحيح في سابقة خطيرة في العلاقات الدولية.

لم أقرأ للسيد القبنجي كتابا ً واحدا ً، عدا بعض المقالات وسماعي لمجموعة من اللقائات التلفزيونية مع الرجل. لم يأت الرجل بالشيء الجديد فالذي يطرحه ليس بعيدا ً عن التصور الفيمونولوجي للدين بدراسته كظاهرة إجتماعية تتغير علاقاتها بتغير سياقات الزمان والمكان. والمنهج الذي يبدو ملازما ً لأفكار السيد التي يعتبرها رجال الدين وبعض المثقفين بأنها شاذة ومنحرفة هو المنهج النقدي الذي ينطلق من القيمة المعيارية لفهم الواقع وربما محاكمته. على أية حال، لو كان السيد القبنجي بلا عمامة لما أثار غضب الكثيرين ولكنه خريج المؤسسة الدينية المهيمينة على أنتاج القيم الدينية إلى الشارع. فالسيد القبنجي يلقي حجرا ً في الماء الراكد ويحركه من خلال تقديم تفسير جديد لفهم الدين والتراث بقراءة النص الديني ثانية مستعينا ً بالمنهج النقدي. أن إتهام السيد القبنجي بالإنحراف من قبل البعض، حتى عائلته التي تبرأت منه، ماهو إلا وجه من أوجه الصراع على السلطة وذلك لأن السيد حاول فك الحصار الذي فرضته المؤسسة الدينية على النص الديني إذ حاول السيد كسر إحتكار تفسير النص الديني من خلال تقديم وجهة نظر مغايرة عن الظاهرة الدينية وتوابعها.
أن الغريب في الأمر أن هناك من المثقفين ممن يتهم السيد القبنجي بالإنحراف والشعوذة والتطفل على الفكر الإسلامي وهم بذلك يعيدون إنتاج السلطة التي تتمتع بها المؤسسة الدينية بإحتكارها لأدوات التفسير الديني وتكفيرها، أو على الأقل، تهميشها لكل من تسول له نفسه بأن يخترق تلك القواعد الراسخة منذ مئات السنين. في الوقت الذي يجب أن يكون فيه المثقف هاويا ً لامحترفا ً على حد تعبير إدوارد سعيد ليكون أكثر تحررا ً في نقد السلطة بكل أشكالها وحينها يكون مثقفا ً حرا ً وليس أجيرا ً لدى مؤسسة ما. لا أدعي بأن السيد القبنجي مفكرا ً مرموقا ً ولكنه رجل شجاع حين تجرء على كسر الحصار على إحتكار تفسير النص الديني في بلد مثل العراق تهيمن فيه المؤسسة الدينية على الشارع في غالبيته.
إذن، على السلطات العراقية التي لم نسمع منها إلى الآن تصريحا ً رسميا ً عن السيد القبنجي أن تتحرك لإطلاق سراح السيد القبنجي من سجنه بإعتباره مواطنا ً عراقيا ً، وعلى كل المثقفين وكل المعممين الأحرار الوقوف وقفة إنسانية مع هذا الرجل مهما كان الأختلاف معه في العقيدة والرأي. وعلى السلطات الإيرانية أطلاق سراح السيد القبنجي فسجن رجل على آرائه لاينسجم مع قيم الحرية الفكرية التي دعا أليها الدين الإسلامي الحنيف.