اختلطت الأمور في هذه الأيام بين مفهوم الدولة ومفهوم الأنظمة والحكومات أو حتى المعارضات، فأصبح بعض المواطنين و حتى بعض المثقفين والنخبة، يخلطون ما بين هذه المفاهيم، ولا أدري إن كان هذا من منطلق فكري أو ثقافي أو هناك إحداثيات جديدة لمبادئ المواطنة والانتماء للدولة، أو هو من منطلق ديني و طائفي أو مذهبي..

إن الدولة أسمى من أي نظام أو من أي سلطة أو معارضة، والانتماء للدولة بغض النظر عن الانتماء الديني والطائفي والمذهبي وبغض النظر لاختلاف الانتماء للجذور والاصول، يبقى الاساس في استمرار كيان هذه الدولة وقوتها..
إن الدولة هي تجمع سياسي وثقافي واجتماعي ذات كيان سيادي في إطار معين ومحدد، تمارس السلطة فيها عبر مؤسسات تخلق لخدمة الشعب وتطوير الدولة بما يتناسب مع الظروف ومع التطور الجاري من حولها للارتقاء بها وبمواطنيها إلى المستوى الأفضل من الحياة الكريمة، وللدول سيادة يعترف بها دولياً، ولها استقلالية في السياسة الدولية، وهذا يمكنها من ممارسة السيادة الكاملة ضمن أراضيها، فهي صاحبة القوة العليا في المجتمع، وهي بهذا تعلو فوق أية تنظيمات أو أحزاب أو جماعات أو أي اعتبارات قبلية أو شخصية أخرى داخل الدولة، ومؤسساتها مسئولة عن صياغة القرارات العامة وتنفيذها في المجتمع..
وللتمييز بين الدولة والنظام القائم في تلك الدولة والتي تسمى بالحكومة، وهذا ما يخلطه البعض ولم يعد يفرق بينهما، الدولة كيان دائم وشامل يتضمن جميع المؤسسات، ونحن نعتبر مواطنين بهذه الدولة، أما النظام أو الحكومة سموها ما ستسمونها، ليست إلا جزءا من الدولة، وجزء قابل للتغيير في أي وقت، ويمارس المواطنون حقوقهم الديمقراطية تحت سقف هذه الدولة لإجراء هذه التغييرات، وهذا يعني أن الحكومة هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها، وهيquot; ليست الدولة quot;، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل في أي وقت كان، وأهمية الدولة لها مكانة محورية في المجتمع، فهي الكفيلة بتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي إلى ما هنالك، وفي ظل غياب الدولة يعم الفوضى والحروب الأهلية والطائفية والصراعات المستمرة والدمار والقتل كما هو الحال في يومنا هذا في بلادنا..
ما يفعله البعض اليوم هو إفراغ الدولة من مضمونها، وعدم التفرقة بينها وبين الحكومة أو النظام القائم، عبر ولاءاتهم المختلفة، وهذا موجود حتى عند البعض في الأنظمة الحاكمة أكثر من غيرها، وعند البعض في المعارضات، فالفساد قد غلغل في مجتمعاتنا، وأصبحنا نُراوح في حلقـة مفرغـــة وعقولنا تحجرت ونجح البعض في اختراق بلادنا واختراق بعض عقول الجهـــلة، لدرجة أننا نسينا ما هي الدولة ونسينا مفهوم المواطنة، مع احترامي لكل الشعوب، ولكن الحالة التي وصلت إليها بلادنا اليوم لا تدل إلا على وجود بعض الجهلة والظالمين، الذين يحاولون تدمير البلاد وتدمير كيان الدولة، أما بالنسبة للمواطنة، فهناك من هو جالس يعد ويحصي لك ما تكتب أو ما تقول أو ما تفعل، ويقيمك على أساسات مختلفة ليست لها نهاية، ويستعلي عليك ويزايد ويهب لك الوطنية أو يخونك، من منطلق quot; أنت معي انت وطني، أنت ضدي أنت خائن quot;، هذا الأسلوب يستعمل من جميع الاطراف، ولم يعد هناك من هو مع الدولة (ممّنوع)..
عزيزي القارئ، من له الحق بأن يصفك بالخائن أو بالوطني، وعلى أي أساس يتم هذا التقييم؟..
quot; المواطنة quot;، هل هي من حق فئة معينة وليست من حق فئات اخرى؟..
أليس من الواجب الوطني أن نفرق ما بين الدولة والأنظمة؟..
وكيف يمكن لنا أن نحافظ على كيان ووجود دولنا؟..
أما آن لنا أن نستفيق، أن نرى ونستوعب ما يحصل، ونخرج بلادنا الممزقة من هذا الجحيم..
بروكسل..