من الصعوبة بمكان ان ننكر حقيقية مفادها، ان حجم الكراهية بدء يزداد داخل مجتمعاتنا العربية، بل اننا نشهد صناعة ذات حبكة للكراهية، وذهلت وربما ذهل معي كثيرون من العقلاء لحجم الكراهية والضغينة والحقد الذي يلقى في المشهد السياسي والديني والثقافي وفي مختلف الصعد، الى درجة اصبح الاعتدال تهمة، وصوت الحكمة خيانة، والمزايدة في الكراهية نعمة والمتاجرة بها سلعة مطلوبة، ولذلك قال الامام محمد الغزالي ان الخوف من العوام اكثر بكثير من الخوف من السلطان.

يقول ابن خلدون ان ان الفتن تجارة رائجة جدا فى زمن الانحطاط الفكرى و الثقافى، وصدق ذلك العالم المتبحر، نعم نحن نعيش في زمن الانحطاط الفكري، والمفارقة هنا اننا في زمن العلم والتعلم والثورة المعرفية بتنا مجتمعا متخلفا تتفشى به الامية، وفي اعلى نسبها، بل نحن نشهد امية متعددة الابعاد والجوانب، حتى صرنا اميين في حب الوطن، وتحولنا من عبادة الله وحب الاوطان الى عبادة اوثان الطائفة والعشيرة والعرق وكل الهويات والعصبيات الضيقة، فلا نحن اصبحنا مسلمين حقيقيين امرين بالمعروف معترفين بالتنوع التي هي سنة الحياة من اجل ان يتعارفوا وياتلفوا لا من اجل ان يتنازعوا فيما بينهم ويفترقوا ويختصموا، ويتحوصلوا وينعزلوا، ولا اصبحنا مدنيين حداثيين كبقية العالم المتمدن، او جمعنا الامر معا مع ايماني التام بان الاسلام مدني الطابع ودولة الاسلام الاولى هي دولة المدينة.

لقد تحولنا من امة تنادي بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدانِ ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا لسان الضَّادِ يجمعُنا بغـسَّانٍ وعـدنانِ الى امة ممزقة الاوصال ومشتتة الاوضاع واصبحت القومية محل سخرية لنكون اما مصطلح قمئ يحب للبعض اطلاقه بالقومجي سخرية وتجهيلا للاجيال القادمة.
|
كم اصبحنا متخلفين.. نعم نحن مجتمعات تخلفت عن ركاب المجتمعات المتقدمة وبتنا ندور في فلك الصغائر من الامور وصرنا نخدع انفسنا تعظيما لها لتقع فينا في النتيجة النهائية اعظم الخسائر وتحولنا الى مجتمع صغير عاشق للصغائر مرتكب للكبائر على الرغم من اننا من المفترض امة أقرأ.. نحن امة جاهلة لا تقرا ولا تكتب، وفقط للتذكير نسبة الامية 100 مليون شخص، معدل القراءة لايتجاوز 6 دقائق سنويا للفرد الواحد مقارنة ب 200 دقيقة للفرد في الدول المتقدمة، ولذلك نحن خارج التاريخ يلعب بنا الاخرون كيفما شاؤوا.

كثيرا ما اسال نفسي لماذا لم يعد لدينا قسطنطين زريق، وعبد الرحمن الكواكبي، وشكيب ارسلان، محمد عبدة، طه حسين، وعباس العقاد، وساطع الحصري، والجواهري، ونازك الملائكة والسياب، والعشرات في قرننا الماضي، لماذا يهيمن على المشهد العلمي والثقافي والاسلامي زبد البحر وغثاء السيل لماذا والف لماذا؟

نعم اصبحنا امة بلا مستقبل وبلاعقل وبلا ضمير حي وبلا مفكرين، وبلا مدبرين وبلا مثقفين وبلا قادة.. فقط افلحنا باننا صناع الكراهية بامتياز نطلق سهام الكره فترتد الينا.

[email protected]