مما يثير الاستهجان والسخرية في الوقت معا، اتهام التحالف الشيعي الحاكم برئاسة نوري المالكي للمعتصمين السنة في الانبار ولقادتهم بالوقوف خلف التفجيرات التي استهدفت عددا من الاحياء الشيعية في مناطق مختلفة ببغداد على الرغم من الحصار العسكري المحكم المفروض على بغداد وعلى الاحياء السنية تحديدا داخل العاصمة.

الاوضاع الامنية في العراق شهدت مؤخرا تحسنا نسبيا بشهادة الخبراء والمختصين على المستويين المحلي والدولي، ومع انه لا يغيب عن بال الكثيرين ان السبب ليس مهنية الاجهزة الامنية وحرفيتها والتزامها بمعايير حقوق الانسان وانما بسبب اعتماد الاجهزة الامنية الاساليب البوليسية وتضييق الحريات ومطاردة الابرياء بدواعي الشبهات والوشاية الكاذبة والتعامل الوحشي مع المتهمين والمعتقلين، الا ان المهم لدى هؤلاء هو النتائج على الارض!

بودي التذكير هنا، لمن يبرر الممارسات القمعية واللاانسانية للقوات والاجهزة الامنية لاستعادة الامن والاستقرار المفقودين مستندا للمبدأ الميكافيلي: الغاية تبرر الوسيلة، بأن المنظومة الاخلاقية والدينية لا تتجزأ في السعي لبناء الدول وتحقيق مصالح الامم والشعوب! وتكفي الاشارة هنا الى ان اعتى الانظمة الاستبدادية تهاوت امام انتفاضة شعوبها ولم تخلف الممارسات القمعية سوى الحقد والكراهية بين مكونات المجتمع والرغبة في الانتقام.

في ظل هذه الاجواء البوليسية وامساك الحكومة للملف الامني بيد من حديد، تسقط فرضية الخرق الامني الذي طالما تذرع به صناع القرار في بغداد كما تسقط فرضية تنفيذ الهجمات من قبل عصابات القاعدة المجرمة وفلول البعث. كما ليس من مصلحة الحركة الاحتجاجية السنية القيام باعمال قتل وعنف لانها ستخسر مشروعيتها وتستعدي كل من تعاطف معها من مكونات المجتمع الاخرى وتمنح المالكي الشرعية للانقضاض عليها وانهائها.

يالها من سذاجة سياسية وسيناريو سيء الكتابة والاخراج وحركة مكشوفة لم تعد تنطلي حتى على البسطاء، بل انها برأت ساحة المعتصمين ووضعت الحكومة واجهزتها الامنية في دائرة الاتهام؟

النظام السياسي العراقي نشأ وترسخ برعاية امريكية ودولية تعد بمثابة فرصة تأريخية لاتتكرر في حياة الشعوب والتي كانت ستؤدي الى تطور حياة العراقيين وازدهار بلدهم من خلال الانفتاح على العالم والاستفادة من الدعم والخبرات العالمية في شتى المجالات.

غير ان اصحاب القرار في بغداد ابوا الا ان يحيوا موروثات الانظمة الاستبدادية التي سبقتهم سواء في العراق ام في الدول العربية ويستعيروا ادواتهم في التعامل مع شعوبهم على اساس القمع وتكميم الافواء والغاء الاخر والتفرد بالسلطة واختلاق الازمات وتدبير المؤامرات والتضليل والكذب والاستخفاف بعقول الشعوب وتسطيح مستوى التفكير.

في هذا السياق اعد سيناريو تفجيرات يوم الاحد الدامي، في مسعى حكومي لايهام الشارع بأن معتصمي الانبار هم الجناة مما يمنح مسؤولي المنطقة الخضراء المبررات القانونية والاجرائية للانقضاض عليهم....

المجتمع العراقي كحال غيره من المجتمعات العربية والاسلامية يناصف انظمته السياسية المسؤولية في تردي الواقع. فالموروثات الشعبية ساهمت في تسطيح التفكير المجتمعي والتعامل مع النظريات على انها حقائق دون نقد او تمحيص، بل حتى مصادر القوة في قيمنا وتراثنا الديني والفكري ركنت جانبا لحساب الخرافة والجمود الفكري.

فالطائفة السنية مثلا بسطوا المشاكل التي برزت بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام وسببت شرخا كبيرا بين اتباع الدين الواحد، ندفع ثمنه حتى الان، وربطوا جميع المصائب التي حلت بالمسلمين بشخص يهودي يدعى عبد الله بن سبأ!

اما الطائفة الشيعية فحدث ولا حرج!

في عام 2006 زرت سوريا ضمن وفد برلماني عراقي لنقل استياء العراق من دور سوريا في ادخال الانتحاريين والمسلحين الى العراق. وفي احدى الجلسات ساد جو من المشاعر الاخوية بلغ مداه ان قال رئيس مجلس النواب العراقي الاسبق الدكتور محمود المشهداني ان دمشق ولدت بغداد فرد احد نواب مجلس الشعب السوري الذي كان جالسا الى جوار رئيسه الدكتور محمود الابرش، بعبارات اجمل منها اكد من خلالها على عمق الاواصر بين الشعبين الشقيقين ونفى في الوقت نفسه ان تكون لسوريا اي دور سلبي في الاحداث المأساوية التي كان يمر بها والقى باللائمة على اسرائيل وانها تقف خلف جميع عمليات القتل وقطع الرؤوس التي كانت سائدة في العراق في تلك المرحلة.

بعد انتهاء الجلسة ذهبنا لاداء صلاة الجمعة في الجامع الاموي وبعدها اصطحبنا الجانب السوري للاطلاع على معالم المسجد التأريخي وكان بضمنه مزار يحتوي على اضرحة لال بيت النبوة، قرأت اللوحة المعلقة في المدخل للتعرف على هذا المزار فاذا بها تقول رأس فلا وفلان ومنهم راس الحسين عليه السلام، التفت الى عضو مجلس الشعب السوري وقلت له يبدو ان ثقافة قطع الرؤوس متأصلة في الثقافة العربية الاسلامية!

لا ادري ان كان يقول هذا النائب ان اسرائيل هي من تقتل السوريين ام لا! ليس مهما فهي على كل حال تهمة لاقيمة لها امام عمليات القتل الوحشية التي تقترفها قوات بشار الاسد ضد المدنيين السوريين التي فاقت ببشاعتها ومداها واساليبها جميع الجرائم الاسرائيلية ضد الفلسطينين!

الحال هنا شبيه بمشهد للروائي الانكليزي شكسبير في احدى روايته، يصور فيها حوارا بين القاتل والضحية بعبارات مؤثرة تنتهي بوصف الضحية للقاتل quot;ايها الوحش لاتقتلني فيرد القاتل: انا لست وحشا فحتى الوحوش تعرف قدرا من الرحمةquot;.

الحاجة باتت ملحة لاعادة صياغة نظامنا السياسي والاجتماعي وتقييم افكارنا ومواقفنا لتجنب مزيد من الفوضى واراقة الدماء!!.