يذكر ابن خلدون مقولة يبدو انها اصبحت قانونا حتميا ساريا لحد الان نصها quot; المنصب من اجل الريعquot; اي استغلال المنصب من اجل تحقيق منافع مادية ومعنوية.
وينفرد العراق الان بتطبيق كامل لهذه المقولة، وقد يكون صحيحا ان الفساد اضحى آفة عالمية، إلا ان الفساد في العراق وصل الى حد لايعقل ولايوصف، بحيث وصلنا الى نوع من الفساد المركب والذي نعني فيه تعدد صور وانواع الفساد في العراق بطرق حتى لاتطرأ على ابليس نفسه، والذي اتصوره فاتحا فاه مستغربا مستعجبا مندهشا لدهاليز الفساد والياته.

والفساد في العراق نوعان الاول الفساد المشرعن، وهذا المصطلح الذي ادعي اني اول من استخدمه في مقابلة تلفازية عم 2008، واعدتها عام 2009ثم، في مقالة واخذ بالتناول فيما بعد في مستوى الاعلام والسياسة، واستخدمه فيما بعد رئيس هية النزاهة السابق القاضي رحيم العكيلي حينما قال إن هناك فسادا مشرعنا في العراق من خلال قوانين تمنح الفئة العليا من الموظفين امتيازات كبيرة، لكني اقصد به على نحو اكثر شمولية، وتتضمن وجود قوانين تم تشريعها من قبل البرلمان فاسدة بالاصل، لانها اما تعطي حقوقا غير شرعية كالامتيازات او ان تمنح سلطات لشخصيات غير قابلة للمحاسبة وماشابه ذلك، او انها قوانين تسمح للفاسدين الافلات من العقوبة وبذلك تم اقرار هذا النوع من الفساد المشرعن، التباطئ في اصدار القوانين المانعة لعمليات الفساد، كقانون الاحزاب الذي يكشف عن مصادر التمويل وطرق صرفها على سبيل المثال.

النوع الثاني هو الفساد الذي يتم خارج الاطر القانونية وهو الاعم والاشمل والذي يبدأ من اعلى قمة الهرم السياسي والاداري الى اصغر موظف، بحيث اصبح الفساد قاعدة والنزاهة استثناءا، لان فساد رئيس الوزراء او تغاظيه او تشجعيه او غض النظر عن فساد وزراءه سيعطيهم توقعا ان الفساد ممكن او فرصة مؤاتية او حق مكتسب، ومع تعدد طرق الافلات فان حجم الفساد اصبح هائلا من قبل الوزراء، من جهة اخرى يعتقد رئيس الوزراء ان فساد الوزير سيجعله صيدا سهلا للضغوطات وملفا قابلا للمساومة في المواقف السياسية.

كما ان للفساد في العراق صورا اخرى، فالفساد في منطقة كردستان ياخذ بالانموذج الاسيوي، بمعنى يوجد فساد لكن معظم الاموال يتم اعادة تدويرها واستثمارها داخل كردستان، اما في الجانب العربي فيتم تطبيق الانموذج الافريقي في الفساد، اي ان اموال الفساد تهرب خارج العراق ولا يتم تدويرها داخل العراق، ولذا نجد ان التنمية والعمران موجودان في كردستان، ولايوجد هذا العمران في الجانب العربي.
من جهة اخرى يتبع معظم الوزراء الا ما رحم ربي طرقا متعددة لها اول وليس لها اخر ومنها:
فتح شركات في دول اجنبية وعربية باسماء اقارب او شخصيات قريبة او موثق بها، ثم احالة العقود الكبيرة اليها بصورة مباشرة.
بيع العقود بصورة مباشرة او غير مباشرة عن طريق وسطاء وهي حالة اصبحت شائعة، إذ يتم بيع العقود لمقاولين او اصحاب شركات مقابل مبالغ تصل للملايين من الدولارات يتم تقاسمها بين الوزير والمجموعة المرتبطة معه من التجار او غيرهم.

لمدراء مكاتب الوزراء دور كبير في الفساد، بحيث يتولى مدير مكتب الوزير بكل عمليات الفساد، دون القاء الضوء على الوزير.
يمارس بعض النواب دور الوسيط لدى الوزير عن طريق التهديد او الترغيب، ولبعض النواب اداور كبيرة في الفساد، ومن المفارقة ان بعضا منهم يتحدث عن الفساد ليلا نهارا، وهم اكثر النواب فسادا.
اصبح لكل وزير شلة فساد متنوعة من اصحاب المصالح يزرع الثقة بهم.

يلجأ الوزراء الى تعيين اخوانهم واقاربهم في الوزارات وبعضها في درجات وظيفية عليا دون مؤهلات حقيقية،الى درجة بات هذا الامر شيئا مقبولا ولا يخضع للمسائلة ولم تثره اي لجنة نزاهة.
وهذا يعني ايضا فساد الوزير يخلق توقعا لوكيل الوزير ان لديه الحق بالفساد، والذي ايضا يخلق بدوره توقعا للمدراء العامين وهكذا الى ان نصل الى منظومة من الفساد نبدأ من الوزير الى الغفير.
لذا تحول العراق الى quot;دولة حراميةquot; بكل معنى الكلمة والمفارقة هنا ان الفساد تحول من ظاهرة عابرة الى مؤسسة صلدة، المضحك المبكي فيها انها عابرة للهويات والقوميات لافرق فيها بين سني اوشيعي او كردي او تركماني او مسلم او مسيحي لان الجامع بينهم شهوة المال والمصلحة، وليس هناك صديق دائم او عدو دائم بل هناك مصلحة دائمة، ويحكى ان وزيرا من طائفة معينة عرض عليه مبلغ قيمته 5 ملايين دولارا لغرض احلته لتاجر من نفس طائفته الا انه في النهاية فضل احالتها الى تاجر آخر من غير طائفته عرض عليه مبلغا وقدره 8 ملايين.. ومع الاسف فان المؤسسة الوطنية الوحيدة التي تم صناعتها طوال عقد من الزمن هي مؤسسة الفساد لانها تضم كل الاطياف والالوان دون استثناء، لكنها وطنية من حيث الشكل ومدمرة من حيث المضمون.

لذا ليس غريبا، ان العراق يتصدر قائمة الدول من حيث الفساد، وتذكر منظمة الشفافية العالمية حقيقة مفادها انه كلما كثرت المؤسسات عددا التي تحارب الفساد ازداد الفساد، وهذه حقيقة بتنا نراها في العراق على نحو واضح.

لقد اصبحت الطبقة السياسية والمرتبطة بها تتحكم بمصير العراق، وبدأت تهيمن شيئا فشيئا على مقدرات العراق وثرواته على حساب المواطنين، ومن المؤسف ان دولة تتجاوز فيها الميزانية 130 مليار دولار يعيش فيه 22% من السكان تحت خط الفقر اي ما يعادل (7) ملايين نسمة، نحن بلد غني بكل شئ لكن مقدر عليه ان يعيش فقيرا.وغريب بل معيب جدا ان نرى احزمة البؤس منتشرة في جميع محافظات العراق مع كل هذه الثروات، يا سادتي الافاضل يؤسفني ان اكرر القول لقد تحولنا الى quot;دولة حراميةquot;