إن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية يعتبر أن الصمت الدولي تجاه الجرائم المرتكبة كلَّ يوم بحق شعبنا هو مشاركة في ذبحه المستمر منذ عامين. مئات المدنيين العزّل يُستشهدون بسبب القصف بصواريخ سكود، ويجري تدمير مدينة التاريخ والحضارة حلب بشكل ممنهج. احتجاجاً على هذا الموقف الدولي المخزي فقد قررت قيادة الائتلاف تعليقَ مشاركتها في مؤتمر روما لأصدقاء سورية، وعدمَ تلبية الدعوة لزيارة روسية والولايات المتحدة الأمريكية. بعد هذا الموقف بأقل من اسبوع عاد الائتلاف عن موقفه بالمقاطعة من اجل حضور اجتماع روما، وبعد عدة اتصالات من سفراء ومسؤولي بعض دول العالم من مجموعة اصدقاء سورية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا،كل هذه الاتصالات جرت مع وعود بتغيير المواقف المتواطئة مع العصابة الاسدية- مجرد وعود كسابقاتها- لكي يغير الائتلاف موقفه المقاطع ويحضر وهذا ما حصل.

إن عودة الائتلاف عن موقفه بمقاطعة مؤتمر روما بتنازلات بخسة وغير سياسية وغير واضحة، خطأ تكتيكي آخر، لأن جماعة روما لن يستطيعوا عقد اجتماعهم بغيابنا، لكن اعتقد أن جماعة تشكيل الحكومة من المعارضين المتواجدين في الائتلاف وخارجه مستعجلين، لما العجلة لا اعرف؟ الحكومة المقترحة ستكون ضربة للتمثيل السيادي للثورة وشرعيتها ومشروعها وسترون نتائج ذلك قريبا جدا.

بغض النظر عن العسكرة التي فرضت على الثورة، التي انطلقت سلمية من حوران قبل سنتين، واستمرت سلمية تقريبا لأقل من عام في عموم سورية ماعدا ريف الساحل السوري..بغض النظر عن ذلك ولاعتبارات عديدة، لسنا بصددها الآن جرى في هذه النقلة فصل بين مساري الثورة العسكري والسياسي، ولم يستطع السياسي الحصول على شرعية العسكري، ولم يستطع العسكري جراء نقص الدعم والامداد من حسم المعركة سريعا لصالح الثورة، مما ادى إلى مزيد من تكريس هذا الانقسام، اذا اضفنا إليه ألاعيب الجسد السياسي للثورة والممزق شر تمزيق، بين موقف دولي متواطأ بالاجمال مع الجريمة التي تقترفها العصابة الاسدية بحق شعبنا، مما سمح لمزيد من انتهازيي الثورة ان يطفوا على السطح، لأن قسما منهم اصبح يمثل دولا!! وليس ثورة شعب يذبح على مرآى العالم الحر وغير الحر..فلم يستطع الجسد السياسي المتشقق اصلا من جلب قرار دولي يرفع الغطاء القانوني عن العصابة الاسدية من جهة، كما أنه لم يستطع تأمين الدعم العسكري اللازم للجيش الحر وتحت قيادته التمثيلية من جهة اخرى..مما جعل الجيش الحر عدة خطوط تتواصل مباشرة مع الدول..وهذا ايضا خلق مزيدا من التشقق في التمثيل السيادي للثورة. بغض النظر عن اخطاء المجلس الوطني الموضوعي منها والذاتي، إلا أنه وقف حجر عثرة في وجه كل المحاولات المبذولة سابقا والتي لاتزال مستمرة حتى اللحظة في اعادة تاهيل العصابة الأسدية، وابقاءها طرفا في المستقبل السوري والاقليمي..هذه المحاولات لم تتوقف، ولم تجري هذه الدول اتصالاتها حتى يغير الائتلاف موقفه إلا ضمن هذا السياق نفسه، والمعبر عنه بالطبع بما هو معروف من نتائج مؤتمر جنيف المعروفة. من ذيول مؤتمر جنيف هذا هي دعوة المعارضة السورية لتشكيل حكومة انتقالية، كنا كتبنا كثيرا عن هذا الموضوع، والآن بعد تشكيل الائتلاف وعلو نبرة الحوار مع العصابة الأسدية، وطرح المبادرات للحوار في هذا السياق ايضا من قبل الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف، جعل مناصري تشكيل حكومة للمعارضة يصرون اكثر من السابق على القيام بهذه الخطوة..تارة يتحدثون عن حكومة تكنوقراط تدير المناطق المحررة وتارة عن حكومة انتقالية تدير التمثيل السياسي للثورة، وتارة يتداخل الخياران في توليفات تعتمد اساسا على شخصنة الموضوع، ربما معلومة تفيدنا في فهم بعضا مما يجري، بان هنالك شخصيات في المعارضة قد تسلمت صك موقعها الوزاري أو التمثيلي حتى قبل تشكيل الائتلاف!! لكنها الآن ليست موضوعنا ولن يبقى داخل تاريخ الثورة ما هو مستور، او تحت الطاولة ولكن كله في حينه كما يقال..كما ان رجل اعمال واحد احيانا له حضور في القرار اكثر من حضور عشرين ممثلا داخل الائتلاف!! ما علينا...لم تقدم الدول أية مواثيق حقيقية من اجل تغيير موقف الائتلاف من المقاطعة.. موقف المقاطعة الذي اتى نتيجة لضغوط عديدة اهمها ضغط الثوار على الارض..ومع ذلك اعطى الائتلاف موافقة بالحضور لروما دون تعهدات موثقة من هذه الدول..وعادت نغمة تشكيل الحكومة غير الواضحة المعالم..بالتالي بعد تشكيل هذه الحكومة العتيدة سيصبح عندنا حكومة انتقالية، وائتلاف، ومجلس وطني، وحكومات ثورية على الارض غير معلنة!! هذا في قوى الثورة، وتبقى الحكومة الأسدية موجودة وهي التي تحظى حتى اللحظة بالاعتراف القانوني دوليا..السؤال الآن أين الثورة؟ وأين سورية؟ وماهو موقع كل طرف في اللوحة في ظل موقف دولي بات اقرب بكثير للمعطى الاسرائيلي المعروف للجميع..وسيصبح لنا في كل دولة ممثل للحكومة وممثل للائتلاف وممثل للمجلس اضافة لسفارة الأسد..كل هذه الضوضاء تتم تحت قصف الصواريخ السكودية ومجازر العصابة الأسدية، والدعم الروسي الايراني غير المحدود للعصابة..الغريب في الموضوع أنه يتم تداول اسماء مرشحي لرئاسة هذه الحكومة واسماء وزراء دون أن نعرف البرنامج السياسي وغير السياسي لهذه الحكومة وما هي اجندتها، واجندة كل مرشح على حدة..ليظهر المرشحون على وسائل الاعلام ويقدموا للناس برامجهم ولماذا هم مرشحون وماذا يستطيعون ان يقدموا للثورة؟ كل هذا لم يحدث..السياسة الآن تقتضي منا معرفة ما لدينا من قوة واستغلالها استغلالا كاملا لصالح الثورة..إن مقاطعة الاجتماعات التي من شأنها تقديم المزيد من بعثرة التمثيل السياسي للثورة، تحت مسميات شتى والاستمرار في بعثرة التمثيل العسكري، وكل ذلك من اجل جنيف لدى اطراف دولية أو من اجل تأهيل العصابة الأسدية لدى اطراف اخرى..هو السبيل لذلك..طيب يقولون أن هنالك توافقا امريكيا روسيا على الحوار مع العصابة، مادام هذا التوافق موجود لماذا لايصدر قرار من مجلس الامن في ذلك؟

لدي سؤال بسيط اختم فيه هذه المقاربة السريعة: ما الذي تريده هذه الدول التي تريد جر المعارضة إلى جنيف؟ حوار ام تفاوض ليس هنا الخلاف، بل مع من؟ ومن اجل ماذا؟ لم يجيبنا عن ذلك جماعة المستوزرين واللقاء مع محمد حمشو وتجديد جوزات السفر؟