أطلعت على الأستفتاء الساذج المطروح على فضائية السومرية العراقية يوم 20 شباط فبراير 2013 وجاء بصيغة السؤال: هل تعتقد أنّ أجهزة كشف المتفجرات المستخدمة في السيطرات ونقاط التفتيش فعالة؟ وكانت نسبة أِجابات الموطنين ذكية رغم عدم موضوعية السؤال وأوضحت أن أكثر من 80 في المئة من العراقيين لايعتقدون أنها فعالة. وهنا أجد أن هذا السؤال الساذج يستحق أِجابة موجزة ودقيقة.

لن يكون في أستطاعة القوى السياسية الحالية أصلاح جهاز المخابرات العراقي. تاريخياً، انقسمتْ أجهزة المخابرات العراقية إلى ثلاثة أقسام وفروع أخطبوطية بحكم طبيعة الأنظمة السياسية التي تولت حكم العراق بعد سقوط النظام الملكي عام 1958:

مخابرات الدولة العراقية، ثم مخابرات أحزاب سياسية، ومخابرات عوائل عشائرية سياسية ذات نزعة قومية ومذهبية ( حزب البعث العراقي، جهاز حنين، المجلس الأسلامي الأعلى - منظمة بدر، جهاز مخابرات الحزب الوطني الكردستاني - حزب البارزاني الباراستن، مسرور بارزاني، وحزب الطالباني، الرئيس السابع للجمهورية العراقية - الاتحاد الوطني الكردستاني دة زكاي زانيارى - و مسؤول جهاز الأمن أبنه بافيل، وتفرعت من هذه العناصر المخابراتية فروع خلطت بين العمل الأستخباراتي ومهمات الملاحقة وأغتيال المناوئين، لتصبح مهمة الجهاز الحالي (في زواج المصالح والمصالحة المالية) أسكات المعارضين أكثر من واجب ملاحقة المجرمين والسكوت عن أعضاء أرتكبوا الفواحش بأسم أحزاب ( الدعوة، الصدرية، دول الأمارات الأسلامية السلفية، تنظيم القاعدة فرع العراق، عصائب الحق والمختار ومليشيات وجيوش أسلامية لاحصر ولاعدَ لها )، فيما بقيّ جهاز المخابرات التابع للدولة تابعاً واهياً لفروع هذه المنظومات التي تتجسس وتجمع المعلومات عن المواطنين وقادة وأعضاء الأحزاب المنافسة وتتداور بينهم.

زواج المصالح والمصالحة المالية للقوى السياسية العراقية الحالية، أصابَ أجهزة المخابرات العراقية بحالة من الشلل، ودخلتْ الى صلب جهاز الدولة تفسيرات مختلفة كاذبة لصفة الأرهاب الحقيقي وسبل مكافحته والتغلب عليه في مناطق مختلفة من المحافظات العراقية. وفي زواج المصالح و المصلحة العشائرية بين أخوة القبول بالأرهاب، لم يَعد من المخجل عدم أصابتهم بحالة من الأرباك عندما يُصدقون كذبهم ويدافعون عنه أمام الجماهير بحدة وعناد، فالموضوع برمته مسألة داخلية يختلفون على حلها ومعالجتها ويتهمون بعضهم البعض عن الرؤية الصحيحة والنية الحقيقية للعمل على رصد تحركات القوى المخربة ومكافحة الأرهاب وطرق معالجته بالتحالف المخابراتي المحلي والأقليمي والدولي الذي أدعو أليه وكتبتُ عنه مراراً في أيلاف.

quot;كيف نستطيع القيام بعملنا أذا كان قادة العراق يتهمون بعضهم البعض بالأرهاب ويمهد بعضهم السبيل للأرهابيين ومليشياتهم للقيام بالتفجيرات اليومية ومهاجمة نقاط السيطرةquot;. هذا ماتطرق أليه أحد القائمين على أهم الفروع الأمنية في جهاز المخابرات العراقي. وأضاف َ quot;أن مذكرات ألقاء القبض على مرتكبي الجرائم الأرهابية تتوقف، تتجمد، تضاف، تُزور أو يتم أِتلاف بعضها أو أجزاء من أوراق التحقيق والمستمسكات للتقليل أو التهويل من التهمة، حسب مكانة الشخص في الحكومة، المجلس النيابي، أو المحافظة قبل أحالتها الى المحاكمquot;. وهذا مايراه المواطن يومياً ويتطلب الأجابة وليس أجراء أنتخابات جديدة أو أجراء أستفتاء لجس نبض الرأي العام الذي قال كلمته مراراً وتكراراً.

ويثير أحمد أبو ريشة أحد زعماء الصحوة في حديث لـquot;السومرية نيوزquot; موضوع أتهامات الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الأسدي عن دخول السيارات المفخخة من الفلوجة، ويقول أنها quot;ليست مستغربة عليهquot; وأعتبرها خطوة لإثارة النعرات الطائفية quot;، معتبرا تلك التصريحات quot;إثباتا لفشله في إدارة الملف الأمني، ويتسائل: كيف تدخل سيارات مفخخة من الفلوجة إلى بغداد، وتتجاوز 22 سيطرة لقوات الأمنquot;.

هذا السؤال أجاب عليه أهل العراق منذ 10 سنوات. والسيارات المفخخة وأحزمة التفجير تدخل من كل جهة وصوب،وبقبول وعلم من عناصر أرهابية،و كان جهاز الامن والمخابرات قد فشل في تقيّيده. والحجة الرذيلة الرخيصة الساذجة هي أن مكاتب المخابرات البشرية لاتعرف شياطين الأرهاب، ماهي أِلا حجة أجرامية، ومن السذاجة أن كل رجل أمني أستخباراتي يؤشر على فشل مخابرات الدولة بوضع أصبعه على الأخر.

في الموصل، قٌتِلَ الفريق عوني علي مع أثنين من مساعديه أمام منزله وهو رئيس أكاديمية الموصل لضباط جهاز المخابرات. وفي سلمان باك جنوب بغداد تم أغتيال قاضي سني بقنبلة لاصقة في سيارته. وأُصيب عمر الحميري محافظ ديالى السبت 23 شباط فبراير بتفجير انتحاري استهدف منزله وأسفر عن مقتل احد حراسه وإصابة 5 آخرين شرق بعقوبة مركز المحافظة. وكان عمر الحميري قد تعرض قبل أكثر من 3 أشهر، الى محاولة اغتيال بانفجار عبوة ناسفة استهدفت موكبه قرب محافظة كركوك.

وفي غرب الموصل، وتستمر حالات الهجوم بالسيارات المفخخة وتستمر صناعة مواد متفجرة في محافظات ديالي وكركوك وصلاح الدين والأنبار وكربلاء والنجف و تستمر الأعتداءات اليومية على المراقد الدينية وزوارها.

عوامل فشل جهاز المخابرات العراقي وحقيقة خذلانه لا يعود الى أنواع الأجهزة الفعالة الكاشفة للمتفجرات المصنعة ( أ أي دي IED) , وأنما يعود الى ضعف الجهاز البشري الأداري وضبابية أدارة سياسة مكافحة الأرهاب والمسؤولين عنه وعدم تدريب كوادر نظيفة تستوعب عملها، ولاتعرف الأدارات الأمنية ومايفعله المتدربون بخصوص التعليمات والواجبات المحددة في متابعة زمرالأرهاب والسرقة والفساد وفيما أذا كانت تقوم بعملها بتجرد وتقدم دلائل موثقة غير مرتبطة بأحزاب ومليشيات مُسيّرة من أشخاص، لأن أيقاف هذ التفجيرات لايتم بالأفتراءات والتصريحات التلفزيونية والحديث عن تحسن الوضع الأمني وتكرار منجزات كاذبة ودعوات أجراء مبادرات جديدة بين مكاتب الجهاز المنتشرة في بغداد ومحافظات العراق الأخرى.

العوامل المتوفرة والمُهيأة لقادة العراق الحاليين هي: أِما حماية المواطنين من أعمال الأرهاب بتفعيل الجهاز الأستخباراتي، أو تهميش عمل المخابرات ورفع قضايا المتهمين بالأرهاب الى الرفوف المتربة وحفظ سجلاتهم الأجرامية في أدراج المكاتب أو حرقها، بينما تستمر أعمال القتل والنهب والسلب والرشوة والطغيان والتسلط وإلأضطهاد والتعذيب، بسكوت مطبق من قادة الأجهزة الأستخبارية والقطاعات الأمنية.
في السعودية والأردن على سبيل المثال، فأن الحرب على الأرهاب وتفكيك زمر القاعدة هي حرب مستمرة ولن تتوقف، ويتم تعزيز الثغرات الأمنية بكوادر مهنية وأجهزة متطورة تتجاوب مع سلبيات العمل القديمة وبأفكار وأجهزة تتابع مختلفة للحد منه وأقتلاعه أِن أمكن.


باحث وكاتب سياسي