هناك عدة مسارات تتقدم؛ لتكتمل الدائرةُ حول نظام الأسد، وليقبل بالتنازل، أو يُجبَر عليه.
ولعل المشكلةَ الأهم في حسم النزاع دوليا، أو أمريكيا، وغربيا، تكمن في توفير الظروف الكفيلة بطاقم حكمٍ بعيد عن (التشدد الديني)، وهو الأمر الذي لا يمكن التهاون فيه، في سورية بموقعها الجيوسياسي، وجوارها لإسرائيل.

ولكن بعد حذر طويل من إدارة أوباما صارت الكفةُ تميل إلى ضرورة الفعل، والتوقف عن الوقوف السلبي؛ نظرا للمخاطر المتفاقمة على المنطقة بأسرها، وبعد تحوّل هذا الصمت الغربي، والأمريكي إلى بيئة مناسبة لتنامي الجماعات الجهادية. وقد شهدنا في الفترة الأخيرة مجموعة من المعطيات التي تصب في التحول الذي لا بد منه. ومن تلك المعطيات ما هو سياسي دبلوماسي، ومنها ما هو عسكري ميداني.

فعلى الصعيد السياسي الدبلوماسي، ثمة خطوةٌ متقدمة، أُحرزت مؤخرا، ولا تُنكَر، تتمثل في الاتفاق على حكومة مؤقتة، تعمل بحسب رئيسها، غسان هيتو، على التحقق في المناطق المحررة، من خلال السيطرة الأمنية، ومنع الجريمة والسرقات..ومن ثم التوسع في الأراضي السورية تدريجيا، هذا داخليا، ويواكب ذلك، خارجيا، السعيُ للحلول محل نظام الأسد، وسفرائه، في الدول التي تعترف بالحكومة المؤقتة ممثلة للسوريين، وبديلة عن حكومة الأسد، في المنظمات الدولية، وأهمها الأمم المتحدة، وفي الجامعة العربية، وفي سفارات الدول التي تعترف بالحكومة المؤقتة، ممثلة للدولة السورية.

إذن، هناك جملة من التطورات والضغوط الفعلية، ستعمل على إجبار الأسد على التنازل، والسماح بانتخابات بإشراف خارجي، تفضي إلى تغيير ينتهي بتنحيه عن الحكم، ولو تدريجيا، وهذا يتطلب تعاظما عسكريا للجيش الحر، وتقدما ميدانيا على الأرض، وتهديدا أكثر جدية لقوات الأسد، والمراكز الأمنية، والسياسية الحيوية، ومما يندرج في هذا إطلاق مقاتلي المعارضة عددا من القذائف في شكل متزامن، قبل أيام، على مواقع عدة في وسط دمشق، بينها laquo;قصر تشرينraquo; الرئاسي والمربع الأمني في كفر سوسة، إضافة إلى قصف مطار دمشق الدولي بقذائف وصواريخ.

وفي هذا الجهد، أيضا، يصبُّ ازديادُ تحكُّمِ المعارضة بالمنافذ الحدودية، وقطعها للطرق الخارجية، فقد ذكرت مصادر ثورية لجريدة السياسة الكويتية أن حرب قطع الطرقات الدولية قد بدأت، بعدما أصبحت المعارضة تقطع الطرق الموصلة إلى الحدود العراقية، والأردنية والتركية، وتسيطر على معظم المنافذ الحدودية، وهي تعمل، في الفترة القريبة المقبلة على السيطرة على طريق بيروت دمشق الأكثر حيوية لقيادة النظام، وهذا سيؤثر على إمدادات النظام من لبنان، ومن حزب الله.

كما يتطلب الدعم الدولي الغربي تمكنا أكبر للقوى غير المتشددة من المعارضين، على الصعيد المالي، والدبلوماسي، وعلى صعيد التسليح، ومن هنا جاءت المواقف الفرنسية، في البدء بتسليح المعارضة، والتوجه البريطاني نحو ذلك، والموقف الأمريكي غير الممانع لهذا التطور المهم، والمعلن، وكانت أمريكا قبل ذلك، تعارض التسليح.

وفي هذا السياق تأتي أيضا، تصريحات قادة في الجيش الحر بأنهم يقدمون تعهدات بعدم وصول السلاح للجهات غير المقبولة، بل والتعهد بإرجاع السلاح، وَفْق أرقامه، بعد تحقيق المهمات، والانتهاء من نظام الأسد.

وسعيا نحو تحجيم جبهة النصرة، أو محاولة عزلها سياسيا، تتقدم المواقف في laquo;الائتلاف الوطنيraquo; خطوةً ملحوظة، نحو رفض أن تكون laquo;النصرةraquo; أو غيرُها ممن يُسمَّوْنَ بالتكفيريين سببا في حرمان الثورة السورية من التسليح الغربي، ومن الدعم الدبلوماسي، وفي هذا السياق تأتي تصريحاتُ المتحدث باسم الائتلاف، وليد البني لجريدة الوطن السعودية التي قال فيها، بوضوح:laquo; نحن بصراحة لن نقبل أن تحكم سورية من قبل متطرفينraquo;. وكذلك أكد هذا الموقف، رئيس الائتلاف، معاذ الخطيب:laquo; نحن ضد كل تجمع وجمع، وسلاح وفكر تكفيري يريد تفكيك سورية، ولن تعيش هذه الأفكار بيننا ولن نسمح باستخدام هذا الأمر كما استخدمت حيلة وجود جماعات إرهابية لتدمير سوريةraquo;.

ولا يخفى أنه عندما تزدادا المؤشرات على جدية المساعي لإسقاط الأسد، وفريقه الحاكم فإن دوافع الانشقاق فيمن يعدون من ركائز النظام، تزداد، كذلك، ومنها ركائز أمنية، ودبلوماسية، ولا يكاد يظل مضطرا إلى البقاء، والعناد، مع هذا النظام الذي يزداد عزلة، إلا من تورط في جرائم لا يأمل في النجاة من جريرتها.

ومع ذلك يصعب التنبؤ بكيفية إسدال الستار على هذه الحقبة من تاريخ سورية، فذلك محكوم بعوامل سيكولوجية وفكرية، قابلة للتغير، وفقا، لطبيعة المواقف الميدانية والدولية والإقليمية، لكن مسار الاتجاه التغييري، بات أكثر وضوحا، ورسوخا.
[email protected].