بعد قرار laquo;جبهة الإنقاذ الوطني المعارضةraquo; مقاطعة الانتخابات النيابية التي يدعو لها الرئيس المصري، محمد مرسي، في quot;نيسان- أبريلquot; المقبل، يترجح استمرارُ حالة الانقسام الاجتماعي والسياسي في مصر، ما لم تستجبْ الرئاسة إلى مطالب المعارضة، في تشكيل حكومة وفاق، أو إنقاذ وطني، وتعديل قانون الانتخاب، والعمل على إنهاء حالة الاحتقان...
بين laquo;لاraquo; وlaquo;نعمraquo;:
ومن الواضح أن قرار المقاطعة هذا لم يأتِ بسهولة، فثمة اعتبارات متقابلة تتنازع المعارضة، أحدُها يُرجِّح المشاركة؛ إذ اختيار المقاطعة، يَحْرِم المعارضة من فرصة التأثير في الحياة السياسية في البلاد، ولا سيما في هذه الفترة التي ستشهد سَنَّ مجموعة من القوانين المُنظِّمة لمجمل الحياة المصرية.
كما يَحْرِمُها من بناء جسمٍ معارض قوي داخل البرلمان، أو مجلس الشعب، في وجه الإسلاميين، من الإخوان والسلفيين.
وأما خيار المقاطعة، فإنه يتغذى من تفضيل الاستمرار في الضغط على الإخوان، والرئيس مرسي؛ لكي لا يتمكنوا من اتخاذ المعارضة غطاءً للمُضيِّ في طريقتهم في الحكم، وهي الطريقة التي تراها المعارضة خَطِرةً على مصر، من الناحية الاقتصادية، والاجتماعية، وبما يهدد طبيعةَ المجتمع، والدولة المصرية التي يرونها مدنية، لا دينية.
الإخوان، والانتخابات الضرورة:
أما الإخوان فإنهم يأملون في أنْ تساعد الانتخاباتُ النيابية على تجاوز هذه الحالة المُعلَّقة التي تحُول دون استكمال التحوُّل الديمقراطي، وتحقيق أهداف الثورة، والمُضيّ نحو البناء الاقتصادي، ووقف النزيف المالي والتدهور الاجتماعي.
خلفيات الاختلاف:
بالطبع كانت الحالة الصِّراعية الحادة قد وصلتْ إلى مرحلة خطرة، حين فاقمت تداعياتُ الأداء الرئاسي، والحكومي(من الإعلان الدستوري، وممارسات الأمن الاعتدائية والمستفزة...) الغضبَ الشعبي. ثم أدت الأحكام القضائية في قضية بورسعيد إلى احتجاجات في مدن القناة، دفعت الرئاسة إلى إعلان حالة الطوارىء، وهذا الوضع الذي كان قارَبَ حالةَ فقدان السيطرة، حتى تَهدَّدَ قصرُ الاتحادية، واضطر الرئيس للخروج من الباب الخلفي. هذا الوضع دعا القيادة العسكرية في الجيش المصري إلى التلويح باحتمالية أنْ يستعيد الجيش القرار والحكم، وذلك أنه لن يسمح بالفوضى، وانهيار الدولة.
وهذا التهديد، وإن كان من المفترض أن يخيف جميعَ القوى السياسية، معارضين وحاكمين، إلا أن الأكثر تضررا منه هم الإخوان الذين أُتيح لهم الحكم، ولَمَّا ينجحوا في تحقيق أية إنجازات تذكر...
استدعاء الجيش:
وقد نجد في المعارضة مَنْ يفضل أقلَّ الضررين، وأهونَ الشرَّين، وذلك حين ييأس من استعادة الحكم من الإخوان المتشبثين به، حتى قطع الرقبة، كما صرح الرئيس مرسي، في حواره الأخير، وهكذا طالب البرادعي بأن يتدخل الجيش، في حال استمرت الفوضى، وظلت مصر على شفا الإفلاس، ورأى ذلك واجبا وطنيا.
وقد يكون هذا المطلب، (استعادة الجيش السلطة) مُمَهِّدا لإعادة الانتخابات الرئاسية، وإعادة صياغة الدستور، وكذلك الانتخابات النيابية، وما يلزم لصياغة الدولة المدنية والحياة السياسية على أسس أكثر laquo;حداثيةraquo;.
وعلى هذا الاحتمال، فإنَّ المتوقع هو استمرار حالة الضغط الشعبي الذي تقوده المعارضة، والفرصة مهيأة لحشده، بسهولة، في ظل الأزمات الاقتصادية، والأداء القمعي لقوات الأمن التي تخضع لوزارة الداخلية ولأوامر الضباط الذين لم يتغلغل الإخوان فيهم بعد..
فمن الواضح أن المعارضة لا تروق لها كلُّ العملية التي بدأت بانتخاب الرئيس، وكل ما تلاها من مترتبات، وقرارات رئاسية، وسياسات إخوانية، وأهمُّ نقطة لا تزال تثير قلق المعارضة المدنية، الدستورُ الذي لا تزال فيه مواد خلافية محورية.
وكثير من قادة المعارضة لا يطيقون الإخوان ولا يرونهم جديرين بهذا الموقع الخطير، وهو رئاسة الدولة المصرية، ولا سيما بعد الثورة التي رفعت سقفَ الآمال؛ فالخلافُ في الحقيقة عميق، فكري، نفسي، وليس سياسيا، فقط، وهو يزداد خطورةً في نظر الطرفين؛ لأنهما يدركان أنَّ مصر على مفترق طرق، كلُّ طرفٍ يحرص على حسمها في الاتجاه الذي يريد، أو على الأقل منعها من التشكُّلِ بعيدا عما يريد..
وما يغري المعارضة بالاستمرار في النضال لإسقاط الرئيس، وحكم الإخوان هو استشعارُهم بافتقاد الإخوان للأغلبية الطاغية الحاسمة، ولا سيما بعد بروز خلافاتهم مع السلفيين، وحزب النور، ما يعني أن التحالف بينهما ليس بالقوة التي كانت تُظن...
فالخوف من إقصائية الإخوان، ومن براغماتيتهم الخارجية، معا، يعزز الدافع لتدارك مساعيهم، والحيلولة دون طمس الأصوات المعارِضة، أو تهمشيها، متذرعين بخطاب ديني يتجاوب معه كثيرٌ من عامة الناس.
إفشال الإخوان داخليا لنزع الغطاء الخارجي:
وعلى الصعيد الخارجي ربما تأمل المعارضة في دفع الغرب والولايات المتحدة، بخفض الآمال التي تُعلِّقها على الإخوان، والإسلاميين، ولا سيما مع بروز بعض التقديرات التي ترى أن أمريكا تعيد النظر في مسألة التعاون مع الإسلاميين، بعد مقتل السفير الأمريكي في ليبيا، وبعد ظهور الارتباك ونقص الخبرة، والقمع، كما في مصر وتونس، أو تصفية المعارضين، كما في تونس.
وهذا الضعف، أو الإضعاف الذي يعمل عليه المعارضون في مصر، من شأنه أن يعزز هذه التوجهاتِ الأمريكية، على فَرَض تبلورها، كاستراتيجية جديدة لواشنطن، وإن كانت الدلائل غيرَ كافية على ذلك.
فالموقف الأمريكي الأخير المُعلَن من الانتخابات النيابية في مصر كان الدعوة إلى المشاركة فيها، وعدم المقاطعة مع ضمان النزاهة والرقابة، وهو ما وفقت عليه اللجنة العليا للانتخابات من وجود رقابة محلية ودولية.
فقد كانت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية واضحة حين قالت:laquo;إننا نشجع كافة التيارات السياسية في مصر على المشاركة في الانتخابات، وهي عملية ديمقراطية. يجب أن تتم، ونريد أن نراها تتم في جو من الشفافية والنزاهة، وإذا كان لدى المعارضة المصرية مخاوف حول العملية الانتخابية، فهذا يجب حلُّه من خلال الحوارraquo;.
وفي حال أصرت المعارضة على المقاطعة، وأصرت على رفض الحوار، وفي حال نجح الإخوان، والرئيس مرسي، في دحرجة الحالة السياسية، ولم تنجح المعارضة في إسقاط الرئيس وحكومته، فإنَّ الدولة ستظل تعاني اهتزازا ونقصا غير هيِّن، وذلك؛ لأن مثل هذه المقاطعة من أطياف المعارضة، أو من أهم أطيافها، في مثل هذه المرحلة الابتدائية، من شأنه أن يضعف شرعية الحكام، وإن كانوا من الناحية الدستورية شرعيين، ولكن المقاطعة والخطوات التي ستتبعها من دعوات للعصيان المدني، واستغلال الغضب الشعبي وتوظيفه يُعرّض شعبية الإخوان للتآكل، مع عدم القدرة على تحقيق قفزات اقتصادية واسعة تصل إلى عامة أبناء الشعب.
المقاطعة والمساومة:
هذا، إذا ظلت المعارضة على موقفها المقاطع، ولم يكن القصد منه الضغط على الرئاسة للوفاء بشروطها التي منها إنشاء حكومة إنقاذ وطني، وتعديل مواد الدستور، وقانون الانتخابات، وضمان نزاهة الانتخابات وإنهاء حالة الاحتقان السياسي، أو اتخاذ إجراءات تخفف منها، ويبقى هذا الاحتمال، أي الرجوع عن قرار المقاطعة، بعد تحقيق الشروط، أو ما يمكن منها، واردا، لا سيما وأنَّ المواقف الأمريكية المعلنة تصبُّ في اتجاه إجراء الانتخابات، وتشجيع المعارضة على الحوار من أجل إتمامها، والمشاركة فيها، وتسبق الانتخابات المقررة في quot;إبريل- نيسانquot; المقبل، زيارةُ وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري ولقائه المقرر، بداية quot;مارس- آذارquot;، مع عدد من المسؤولين والرموز السياسية والمجتمع المدني، ورجال الأعمال؛ لبحث إجراءات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في مصر.
وهذا يؤشر إلى اهتمام أمريكي بترتيب الأوضاع في هذه المرحلة؛ فليس من السهل الانعطاف عن الخطوط العريضة السابقة في التعامل الأمريكي مع الإسلاميين والإخوان، ما داموا محافظين على الاشتراطات المتعلقة بالسياسة الخارجية، في موضوع العلاقة بإسرائيل، وفي سائر العلاقات العربية والإقليمية، والملفات الساخنة، كملف البرنامج النووي الإيراني والعلاقة مع طهران، حيث لا تغيُّرَ جوهريا في العلاقة المصرية الإيرانية، في هذه المرحلة، وفي المنظور، ولو أن السياسة الإخوانية تحاول إظهار نوع من التوازن الشكلي في العلاقة؛ كي لا تكون طبق الأصل من سياسة مبارك. وكذا لا اختلاف في التعامل مع الأزمة السورية، حيث التطابق مع السياسة الأمريكية.
وأما في الأداء الإخواني الداخلي فإنَّ الإدارة الأمريكية حريصة على عدم المس بالحريات العامة، وحقوق الأقليات، وحقوق المرأة، مسا حقيقيا، كما هي حريصة على تجنب القمع والتنكيل بالمعارضين السلميين. ولذلك توجه انتقادات للإخوان، كلما خشيتْ خروجا عن هذه الخطوط الحمر.
وأمريكا، في الإجمال، تضع الإخوان تحت الرقابة، وتريد منهم دورا متعاونا، قادرا على حكم مصر، فما لم يُظهروا هذه الكفاءة، فإن الخيارات الأخرى تبقى مفتوحة، من الناحية النظرية، لكن متى تَعْدِل عن التعاون معهم، فذلك مرهون بحسابات تبدأ في مصر، ولا تنتهي فيها.
[email protected]
التعليقات