بمناسبة مرور عشر سنوات على الغزو الأمريكي للعراق، ولا يزال يعاني ظلما وفقرا، وصراعات سياسية، ولا يزال يثير التساؤلات على مستوى الإقليم، عن تداعيات هذا quot;النموذجquot; الذي صنعته الولايات المتحدة، بمشاركة إيران؛ ليكون بديلا عن حكم صدام البعثي الذي لم يقتصر ظلمُه على طائفةٍ دون أخرى، فقد طالَ أقرب المُقرَّبين منه.

والسؤال: أي نموذج يمثل العراق؛ بهذه التركيبة، والمحاصصة الطائفية؟
وهل العراق ما بعد صدام أصبح نموذجا يُحتذى، عربيا؟
أم أنه أصبح نموذجا للاستنساخ الدولي في البلدان العربية؟
وأين موقعه، وتأثيره، اليوم بعد ما يسمى بالربيع والثورات العربية؟

من الواضح أن العراق بعد عشر سنوات من تخليصه من الحكم الدكتاتوري، لا ينعم بالحكم الرشيد، ولا يستطيع أكثرُ المتحمسين إلى نظامِه السياسي الادعاءَ بسيادة الديمقراطية في مؤسسات الدولة، وفي علاقة الحكام مع كل المكونات، ولا سيما، وهو يشهد مظاهرات متصاعدة منذ أكثر من شهرين، تتصاعد مطالبُها، حتى laquo;إسقاط النظامraquo;.
ولا تكفي حريةُ الصحافة والإعلام، النسبية، لإثبات تحقق الديمقراطية.

لكن العراق الجديد أيقظ في المنطقة العربية والإسلامية روحَ الطائفية، بعد أن كانت محصورةً في لبنان، بل تميز العراقُ الجديدُ بإذكاء الصراع، حتى شفا الاحتراب، بين السنة والشيعة، تحديدا، مع أننا لا نستطيع الجزم بأن حربا سنية شيعية أهلية قد اندلعت في العراق، على مستوى النسيج الاجتماعي، وإنْ كانت التفجيراتُ التي كانت تستهدف تجمعاتِ الشيعة ومقدساتهم، في مناسباتهم الدينية كانت تُنسب إلى جماعة الزرقاوي، وهو المحسوب على السنة، إلا أن سنة العراق لم ينضووا تحت هذه laquo;الشعارات التكفيريةraquo;، بل نجد من قاموا ضدها،كما في ظاهرة laquo; الصحواتraquo;.

ولكن بعد أن لم يشعر سنة العراق، (وليس هذا خاصا بهم) بالانتصاف، بدأ البعض يستعيد أنكى الشعارات في وجه المالكي، من laquo;بعثيةraquo; وlaquo;قاعديَّةraquo; دون أن تصبح تلك الشعارات مطالبَ عامة، أو أفكارا مُكرَّسة، ومؤسسة.

فَمِن المؤكد أنَّ النزعات الطائفية لا تظهر إلا في ظل غياب نموذج للحكم قادر على صهر أبناء الشعب في بوتقة واحدة، وضمن ثقافة جامعة. ولا يستحضر الناسُ التاريخ، ولا يلوذون بأبطالهم الذين يعدون اليوم خارج السياق الثقافي والسياسي، إلا عند افتقادهم القائد والنموذج المعاصر.

تحذيرات المالكي من حرب طائفية:
ودليلا على هذه الهشاشة الطائفية في العراق تأتي تصريحات، رئيس الوزراء، نور المالكي، إذ حذر من أنه، إذا انتصرت المعارضة السورية على نظام الأسد، فإنه ستندلع حربٌ أهلية في لبنان، وستشتعل حربٌ طائفية في العراق، وستحدث انقساماتٌ في الأردن، ومع أنَّ هذا التحذير قد يكون ممتزجا بتهديد للدول الغربية، وأمريكا، على شاكلة التهديدات الإيرانية بأن نظام الأسد (الممانع) خط أحمر، لا يمكن لطهران السكوت، إذا استهدف، أو قارب الانهيار، فإن هذا التحذير له رصيد متزايد من الواقع.

وهذا التصور لا يقتصر على المالكي، إذ تتحدث جبهةُ النصرة في سورية، مثلا عن نظام الأسد بوصفه laquo;أهم أضلاع الحلف الشيعي الممتد من إيران إلى العراق فسورية ولبنانraquo;, وlaquo; أنَّ الوضع في سورية لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الحرب التي أصبحت قاب قوسين، أو أدنى من المنطقة، ككل، فسورية، أو الشام، هي إحدى أهم المسارح الاستراتيجية للحرب المرتقبة، بين الحلفين الشيعي والسني، ومن خلفهما دول الدعم المباشر، وأي اشتعال لفتيل الحرب، على شريط المواجهة، سواء كان في جبهة الخليج العربي، أو العراق، أو جبهة بلوشستان، أو اليمن، فستمتد آثارها العسكرية، والسياسية، بنفس اليوم، إلى الجبهة الشاميةraquo; quot;استراتيجية الحرب الإقليمية على أرض الشامquot;.

وهذه الانعكاسات، أو الارتدادات الطائفية ظاهرةٌ للعيان في لبنان، من خلال تورط عناصر حزب الله في القتال إلى جانب الأسد، ومن خلال الاقتتال في طرابلس بين السنة والعلويين.
كما هو ظاهر في الاصطفافات المتناقضة بين سنة العراق، كما في الأنبار، مع ثوار سورية، وفي اصطفاف الحكومة العراقية برئاسة المالكي مع نظام الأسد، ولو حاول الظهور بمظهر الحياد.


أين مكانة العراق اليوم؟
أخذ العراق يستحيل، منذ تخليصه من صدام، وقيام الدولة على أسس طائفية، إلى حاضنة للطائفية، ومُصدِّرا لها، إلى الإقليم، وقد أذكى بنموذجه السياسي، الصراعاتِ الطائفية: السنية الشيعية التي صارت؛ بفضل الحقن الطائفي المتواصل، أشبهَ بحرب مؤجلة، إلى وقت الاشتعال.

وكما افتعلت الدولُ الغربية التي قسمت المنطقة العربية مناطقَ متنازعا عليها، وحدودا غير واضحة بين الأقطار العربية، فإن التقسيمات، والنزاعات، في هذه المرحلة، أكثر عمقا؛ لأنها تتعدى المستوى السياسي، إلى المستوى العَقَدي، ولأنها تتجاوز الأوطان، إلى خارجها؛ فنحن نلحظ امِّحاءَ الحدودِ بين لبنان وسورية، وقريبا، بين العراق وسورية، حيث صارت عوامل الجذب، فوقَ وطنية؛ طائفية، أو دينية.

وحتى لو تُوُصِّل إلى حلٍّ وسط في سورية فإن المرجح أن البذور التي بُذرت، وأنبتت لن يسهل إماتتُها، ولا سيما إذا كان الحل لا يفضي إلى دولة قوية ذات رسالة متجانسة تحظى بالتفاف شعبي، على شاكلة الحل اليمني؛ فنحن نلاحظ استيقاظ مطالب الانفصال بين اليمن، شَماله وجنوبه.

بالطبع لم يكن العراق الجديد هو وحدَه المسؤول عن تصاعد الطائفية، إذ إنها جاءت بعد خفوت الصوت القومي، وإخفاق النظم القومية في تحقيق العدالة والتنمية، داخليا، كما أخفقت في تحقيق إنجازات خارجية؛ فظل المحتل من فلسطين، محتلا، ومن الجولان، كذلك، وظل المشروع التوسعي الصهيوني يتغوَّل.

وبعد أن كان العراق في عهد صدام يحاول قيادة العرب، ولا سيما في قمة بغداد 1990م التي بدا فيها صدام، وكأنه يحاول أن يستعيد عبد الناصر في الزعامة العربية، يعود العراق دولةً أكثر قربا من إيران، وأقل تأثيرا، ذاتيا، في محيطها العربي، وليس هذا معناه تأييد نهج صدام، وطموحاته، ولكنه يؤشر إلى تغير مكانة العراق.

ولا يبدو أن عشر سنوات أسهمت في وضع العراق على طريق البناء الاجتماعي والاقتصادي، على الرغم من غنى البلد بالنفط، والموارد البشرية، وسواها، وكان يمكن للعراق بما يجمعه من قوة المال والقوة البشرية أن يكون الأقوى عربيا، بين دول عربية في معظمها لا تتوفر إلا على واحدة منها.
[email protected]