لو نشر هذا الطرح بدون تحديد لهوية كاتبه فربما يحتار القارئ فى معرفة عن أى مجتمع من تلك المجتمعات المتخلفة نتحدث، فالمشترك المأساوى بين هذه المجتمعات كثير كثير ومنها هذه المسرحية الهزلية عما يسمى بالانتخابات، المسرحية التى يحاول البعض إيهامنا بأن فصولها تجرى فى هذه المجتمعات بين أحزاب وبرامج أحزاب، ومن كثرة الترديد الموسمى للاكذوبة صدقناها، ومن ثبات تكرار السيناريو حفظناه عن ظهر قلب، انتخاب ثم انتحاب ثم طعون بالتزوير ثم لطم الخدود وإهالة التراب على جميع الرؤوس وتسوية كل شيء بالارض لسنوات قادمة ثم لاشيء، ولا يوجد من المؤشرات ما يبرر أى تطلعات مستقبلية لتغيير هذه المشاهد البائسة، فلم ولن يتغير أى من تلك المجتمعات الرافضة لأى حراك يزحزحها قيد أنملة عما كانت وستظل عليه على الاقل على المدى القريب، فالقبيلة هى السيد تعطى اصواتها لابنها ولا يهم صالحا او طالحا فمسألة الصلاحية هذه مسألة ساذجة تسكن فكر المنظرين على الورق فقط، والصلاحية هنا ليس المقصود بها صلاحية المرشح فقط بل صلاحية الناخب أيضا وهو الاساس فى يناء أى عملية إصلاح سياسى أو غير سياسى، فالفرد الأمى المتعصب المريض الفقير الجاهل ترى ماذا تفرز اختياراته لمجلس يشرع قوانين ويراقب سلطة ويحاسب أجهزة؟ وما هى الطرق التى يسلكها الاثنان المرشح (زعيم القبيلة)وناخبه (أحد رعيته) لتصعيد (مندوب) ليعتلى هذا الكرسى المحصن؟ الكرسى الذى يتيح لهم ولقبيلتهم من الامتيازات مما يهون أمامها أى تضحية بالمال والدماء، الامتيازات التى تبرر استخدام جميع الوسائل الغير مشروعة لاقتناص هذا الكرسى بدءا من لى عنق الدستور والقانون باعتبار لواء الشرطة فلاح أجير واستاذ الجامعة عامل مياومة وحتى استغلال منظومة العدل اسوأ استغلال فى التسويف والتعطيل والتلفيق مرورا ببيع الاصوات بالمزاد علنا والجديد فى هذه المهزلة هو استعراض هذه الممارسات فى الاعلام المزيف وكأنها جديدة أو طارئة، والحقيقة أنه نظام ثابت ومستقر وهادئ ومستشرى من قديم الزمن فى كل مؤسساتنا وفى كل عملياتنا التى نجريها الانتخابية والتعليمية والزراعية والاقتصادية والصحية والدينية والعدلية..الخ والذى يعتقد أننى أقصد التعبيرات الممجوجة التى تتحدث عن تزوير أو فساد وبقية تلك القوالب المكررة سأخيب ظنه فتلك شماعة نضلل بها أنفسنا والآخرين، فالحقيقة المؤلمة أننا جميعا شركاء فى مشهد هزلى كلنا أبطاله، فنحن لم نستورد الفساد ولا التزوير ولا الغش ولا التدليس ولا التعصب فهى بضاعتنا وقد رُدت إلينا، هى إنتاجنا، إنتاج مدارسنا ومساجدنا وبيوتنا وشوارعنا، وهو المنتج الوحيد الذى نكتفى منه ذاتيا ونصدر الفائض بامتياز، وهو المنتج النهائى لمدارس يقوم فيها الجهلة بتعليم الاميين، المدارس التى حرمت الرياضة والموسيقى وأزاحت العلم والنشيد جانبا واستبدلت مفهوم الوطن بتأويلات فاسدة، المدارس التى زرعت بزور العنف والفتنة والتعصب فى القلوب الغضة، المدارس التى اختطفها المتطرفون منذ سبعينات القرن الماضى وكل من بلغ العقد الخامس(وهم الأغلبية فى المجتمع) هو خريج هذه المفرخات، وهم الناخبون والمرشحون والموظفون والقضاة والمعلمون والمحامون واساتذة الجامعات.

وبعيدا عن الجدل فى موضوع قتل بحثا نفترض أن الخاسرين فى هذه الانتخابات أو تلك فى أى من هذه المجنمعات هم من فازوا ترى ماهو المتغير فى هذه الحالة عدا استبدال شخوص بشخوص أخرى ورموز برموز أخرى فى الورقة المصممة خصيصا لشعوب لاتقرأ ولا تكتب، نعتقد بأن لاشيئ سيتغير على الإطلاق، فجميع الرموز خريجو آلية واحدة آلية قبلية أو عرقية أو دينية رئيسة تدعمها وتصب فيها آليات فرعية أسرية ومذهبية وتعليمية وثقافية وإعلامية، آلية لم ينجح أى جهد لحلحلتها، آلية تخرج لسانها للدولة الساذجة التى تدعو لتنظيم التناسل لمواجهة الانفجار السكانى وحل المشكلة التى تلتهم الاخضر واليابس، وعندما تُرصد الميزانيات لاستيراد الوسائل اللازمة للمساعدة فى تحقيق هذا الهدف يخرج دعاة الفبيلة لسانهم للدولة ويتاجرون في الواقيات الذكرية كبالونات أطفال فى الاحتفالات والموالد والتجارة فى اقراص الهرمونات بسحقها وبيعها كمحفز للنمو السريع فى مزارع الدواجن والاسماك، كل ذلك لأن ثقافة القبيلة هى غزارة التناسل لإنتاج حملة السيوف لتحسبات مستقبلية لازالت كامنة فى النفوس والعقول من قرون طويلة ولم تتغير حتى اليوم، وكأن عناصر البيئة المحيطة ثابتة لم تتغير صحراء ونوق وخيام، وكأن الحروب لازالت على الكلأ وآبار المياه، وقد وجدوا من الأغطية (الشرعية) ما يكفى لتكميم أفواه معارضيهم إلى الأبد، ولم تفلح أى آلية فى تقليص نسب البطالة التى أفرزتها هذه الثقافة، وأصبحت المدن مليئة باللصوص والبلطجية وملايين الاطفال فى عمر الزهور مشردون فى الشوارع بلا مأوى يتعرضون لأبشع وأقذع مايمكن أن يتعرض له بشر من جرائم يستحق مرتكبوها الصلب فى الميادين العامة، شيئ آخر يستحق التأمل وهو تعارض ثقافة القبيلة مع ثقافة الدولة، فليس من مصلحة القبيلة وجود الدولة القوية، لذا يذهب مندوب القبيلة بنية مبيتة مخطط لها مسبقا ليصبح عضوا فاعلا فى نظام ممنهج لتفتيت عضد الدوله ونخر عظامها كهدف استراتيجى متوارث، ودليلنا أن النظام الحضارى الكفيل بتمثيل كل أطياف المجتمع بدون صخب ولا صراع هو نظام القائمة وهو نظام مرزول فى هذه المجتمعات ولا يجد قبولا ولا ترحيب لسبب بسيط هو أنه سيفرز نظام يدعم قوة الدوله وهو ماترفضه القبيلة.

ولا أظن ان الحديث عن بقية الآليات التى تنتج هذا المكون البشرى فى هذه المجتمعات، لاأظن أنه يختلف كثيرا، فما بين أسر مفككة وتدين مظهرى وإعلام كاذب وتعليم مشقوق وثقافة ظلامية، تلك هى المجتمعات التى تختار شعارات الأهلة والجمال كوسيلة للإنطلاق إلى دولة مدنية حديثة، فى مفارقة تعكس الحنين الكامن إلى الماضى، وهم نفس الوجوه ونفس الزعماء ونفس الرموز، الأهلة والجمال والسيوف والخناجر وهو الفريق الذى يدير هذه المنظومة بإقتدار ولا تستطيع قوة على الارض تغيير توجهاتها إلى الهدف السامى، هدف تفكيك الدولة إلى قبائل، أما مسألة هذه السيناريوهات الكاذبة عن أنتخابات وصناديق ونزاهة وشفافية وديمقراطية ودولة مدنية وحقوق بشر و.و، فتلك (تقية) سياسية تستخدمها هذه الانظمة لحين (التمكين) التمكين من إنشاء دولة القبيلة ذى الغطاء الدينى والعرقى والمذهبى أى الدولة العنصرية بامتياز ولا تصبح الاهلة والجمال مجرد رموز بل حقيقة مجسدة على الارض ساعتها لن نكون بحاجة إلى إعادة تمثيل هذه الفصول الهزلية من هذه المسرحية العقيمة مسرحية عودة القبيلة عودتها بكل التفاصيل التى كنا نظن بأنها اندثرت سباقات النوق واحتفاليات حمل الاكفان ومحاكم الخيام ومعارك الكلأوالنخاسة والعبيد والاماء.والمفارقة المبكية أن مصر وسوريا واليمن والعراق وليبيا كانوا يوما نواه لاتحاد الجمهوريات العربية وكان هناك رئيس وزراء اتحادى وكان مقره قصر الاتحادية فى القاهرة وبدلا من التطور الطبيعى بتحول اتحاد الجمهوريات الى كيان موحد عدنا القهقرى وتفكك اتحاد الجمهوريات ثم تفككت الجمهوريات الى قبائل وبعد ان كان الامل فى اتحاد دول تدهور مستوى الطموحات بشدة ليصبح الامل فى اتحاد قبائل وهو أمل ضعيف، وهاكم الصورة على الميديا ثلاثية الابعاد فى مصر وليبيا وسوريا واليمن والعراق وبقية (الاشقاء).