عالمنا الذي يتميز بسمةٍ من العُنف الفردي والجماعي والذي باتت وسائل الأعلام اليومية تحفلُ بنقله وتصويره، لدرجة أصبحت معها الأخبار الكارثية المدمرة وكأنها جزء من حياتنا اليومية، وتتكدس ضمن خلايا محفوظاتنا الذهنية.. مما يجعل الفرد منا عرضة لحالات التوتر بحكم هذا الجو المحيط والمشبع بكل ما هو منافٍ للفطرة الانسانية..

إنها دوامة عنيفة تستقبلنا يومياً في الجريدة، من الراديو، وعلى شاشات التليفزيون، ناهيك عن أدوات التواصل الاجتماعي..
وهناك دائماً أطفال ونساء أبرياء يذهبون ضحايا لهذا العنف.. وهناك ما تولد عن هذه الكوارث اليومية ما يُطلق عليه الانفلات اللاأخلاقي، إذ أنه نتيجة لأمراضٍ نفسيةٍ تفشت في مجتمعاتنا، وظواهر أخرى قد صبغت المجتمع بصبغة اللامبالاة، لدرجة أن الإنسان يستطيع أن يخطف ويقتل ويمارس الأعمال الشاذة في ضحاياه نتيجة لنزوةٍ عابرةٍ خطرت له، وهذا ما يتفشى في المجتمعات التي استشرى فيها العنف كالعراق، وسوريا، واليمن، ومصر، وفي أماكن أخرى كثيرة في ربوع أوطاننا.
* * *
bull; وكثيراً ما نردد: إن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يستعمل العنف من أجل العنف!!.. لكن الحقيقة إن الحيوان لا يقتل إلا في حالاتٍ نادرةٍ وقليلةٍ جداً، وكثيراً ما تكون في حالات الدفاع عن النفس أو طلب الغذاء.
وبهذا الصدد يقول ألبرتو مورافيا الكاتب الإيطالي الشهير: إن الإنسان يسعى دائماً إلى الدراما، ويحاول إيجادها في أشكالٍ متعددةٍ كالعمارات والمباني الشاهقة، والأبراج العالية، وما الأهرام وعجائب الدنيا السبع إلا نوعٌ من أنواع الدراما التي صنعها الإنسان، ولكن حين دخلت المدنية الحديثة في صنع هذه الدراما.. وحلت الآلة محل الإنسان، فإن الإنسان لجأ إلى دراما العنف والتخريب والدمار!!..
ويسخر جورج برناردشو بلذوعيته الساخرة من الانسان المتوحش فيقول : عندما يذهب الواحد منا لإصطياد الأسود في الغابات مستخدماً الأسلحة الفتاكة، فإنه يمارس بذلك العمل الرياضة، ولكن عندما يغضب الأسد ويثأر لنفسه ويخدش الواحد منا دفاعاً عن نفسه، فإننا نعتبر ذلك وحشية!!..
هذا رأي يتناول مواجهة الإنسان مع الحيوان، فكيف نقيّم علاقة الإنسان بالإنسان في زمنٍ ساد فيه قطع الأيادي والاذان وحز الرقاب؟!!..
والأغرب من كل هذا وذاك: أن هذه الأعمال اللاإنسانية تتستر برداء الدين، إذ أن الذين يطبقونها لا يعرفون منها سوى التطبيق الخاطئ للحدود الدينية التي لا يعرفون عنها شيئاً لأنهم قتلة مجرمون سفاحون.. جلادون!! بدليل أن الذي حاول قتل نجيب محفوظ، سُئل في التحقيق إذا ما كان قد قرأ شيئاً من كتابات نجيب محفوظ، فأجاب بالنفي!!.. فلما قيل له: إذاً لماذا حاولت قتله؟.. فأجاب: لأنه كافر!!.. هؤلاء هم الذين انخرطوا في سلك شوارعنا العربية كشبيحة في سوريا، وكطائفيين يواجهون بعضهم البعض في العراق، ناهيك عن الخلطة العجيبة الممزوجة بكراهية الطوائف المتعددة في لبنان، وهلم جرة..
فسامحك الله يا حسن البنا، وغفر الله لك يا صاحب (معالم الطريق) يا سيد قطب، وقاتل الله المغالين ضد الانسانية باسم العقيدة، أياً كانت تلك العقيدة.