عالمنا الراهن يصطخب بكل الأحداث المدمرة للنفس البشرية، بما يعجّ به من حروب، وإنقلابات، ومعارك سياسية، ومجاعات، وأمراض، وبؤس، إلى غير ذلك من التدمير الذي يصعب إحصاءه، ونظرة لما يجري في سوريا فقط حيث أن الغازات السامة المحرمة دولياً حصدت منذ أيام عشرات المئات من النساء والأطفال، ناهيك عن القتل اليومي الذي بات كأنه واجب علينا أن نتجرع مرارة الاستماع إليه في كل يوم!!.. ومصر فالحديث عنها بلا حرج إذ صار مملولاً وممجوجاً!!.. ونفس الشيء ينطبق على السيارات المفخخة والتفجيرات التي تحدث في العراق في مسلسل يومي!!.. والقلوب واجفة خوفاً على لبنان، إذ أن أي شرارة قابلة لتفجير هذا البلد الوديع!!.. تونس وليبيا واليمن صار من نوافل القول الحديث عما يجري فيهم من مواجهات وصدامات، كل هذه الأمور وسواها تعطينا الدليل على حجم المآسي التي يعانيها الانسان العربي..!!
bull; ترى ماذا كان يسود في العالم منذ أكثر من نصف قرنٍ، ويختلف عما نحن عليه الآن؟!!
الوقائع تشير إلى إختلاف في المضمون والجوهر، بل والتفاصيل.. فإلقاء نظرة على ما دُوِّن في صحف ومجلات ودوريات، وما صدر من كتب في ذلك الوقت، نجد ما يسلط الضوء على ما كان سائداً، ويعطينا فكرة واضحة عن تأثير المعاناة الإنسانية التي يبدو أنها ممتدة منذ مقتل قابيل لأخيه هابيل، وإلى ما لا نهاية..!!
* * *
bull; فقد جاء في أخبار شهر يناير عام ( 1947 ) فقط.. ما يلي :
مظاهرات في الصين تنادي بخروج الأمريكيين.. وفي الهند الصينية ملحمة دامية بين قواتها الوطنية وجيش الإحتلال الفرنسي..
في أندونيسيا نشب القتال بين أهلها والهولنديين.. في الهند بدأ النزاع على أشده بين الهندوكيين والمسلمين.. وفي إيران إتسعت مسافة الخلاف المسلح بين حكومة طهران المركزية ونظام آذربيجان المعترف بذاتيته منذ وقت قريب.. في العراق معارك حامية بين الأحزاب حول حرية الإنتخاب.. في سوريا ولبنان وشرق الأردن خلافات كبيرة بينة بسبب مبدأ ( سوريا الكبرى )، والعلاقة مع تركيا.. وفي تركيا مقاومة لحركات حزبية متهمة بالإتجاه شطر الإتحاد السوفييتي واليسار.. في اليونان حرب أهلية تذكر ظروفها بالحرب الأهلية الأسبانية الأخيرة.. سائر بلاد البقان محل إتهام من ناحية الإنكليز والأمريكان إذ يحتجون بمذكرات على عدم حرية الأنتخاب في بلغاريا ورومانيا، وعلى مواقف معادية في ألبانيا وكذلك الموقف في بولونيا وتشيكوسلوفاكيا.. في ايطاليا حيث كان أهلها ينتظرون جلاء قوات الإحتلال هذه السنة، يعلن أن هذا الإحتلال مستمرٌ فيها إلى عام ( 1949 ).. في فرنسا يبدأ بالكاد عهد الجمهورية الرابعة بسبب الخلافات الجدية القائمة بين الأحزاب..
تطور الأحداث في فلسطين نحو الحل الذي يُراد فرضه على الجانبين.. وشقة الخلاف تتسع بين إنجلترا ومصر على كيان السودان.. في برقة وطرابلس وسائر بلاد المغرب شكوى تتخذ شكل العنف في مطالبة الإستعمار الفرنسي بالإستقلال.. وفي أمريكا يميل فريق من أصحاب المكانة السياسية إلى تأليف حزب جديد يقتسم الميدان مع الجمهوريين والديموقراطين.. إيران تطلب من الإتحاد السوفييتي تسليم بعض زعماء الحركة الأذربيجانية الذين قصدوا إلى أراضيه، فرفض الإتحاد السوفيتي طلب الحكومة الإيرانية، لأنه يعتبر أولئك الزعماء لاجئين سياسين، ولا يوجد بين إيران والإتحاد السوفييتي معاهدة تسليم اللاجئين، وتريد حكومة طهران أن تعتبر الزعماء الذين تطلبهم مجرمين عاديين، إذ قاموا في نظرها بأعمال قتل ونهب وإغتصاب أموال من أهل أذربيجان..
أسفرت إنتخابات مجلس الكونغرس الأمريكية عن كثرة جمهورية، فدعا هذا الوضع الشاذ إلى تأزم موقف الرئيس ترومان، وهو ديمقراطي حيث من المتوقع أن تحدث أزمات عديدة بين السلطة التنفيذية، ومجلس الكونغرس الذي سيقف حجر عثرة في طريق مشاريع الديمقراطين.. ولحق غبار بصفاء العلاقات بين فرنسا من ناحية، وإنجلترا والولايات المتحدة من ناحية أخرى، على أثر الخلاف الذي قام حول إنفراد الدولتين الأنجلوسكسونيتين، بإستثمار بعض آبار البترول في العربية السعودية، وزعم فرنسا أن إتفاقية إستثمار بترول العراق تنص على مساهمة فرنسا معها في إستثمار جميع الآبار الواقعة في الأراضي التي كانت جزءاً من الدولة العثمانية قبل قيام الحرب العالمية الأولى، وأراضي العربية السعودية من تلك الأراضي، وذهب الخلاف إلى حد الإتجاه إلى عرضه على القضاء.. مساع يبذلها رئيس الحكومة الفرنسية في لندن، التي عقد فيها إجتماعات لتقريب وجهات النظر إلى المسألة الألمانية، بحيث يوقع الصلح مع ألمانيا خلال العام المبتدئ.. الأمم المتحدة تقرر إرسال لجنة تحقيق إلى اليونان تميط اللثام عما يُقال من أن مساعدات جدية تقدم للثوار اليونانيين من جانب الأقاليم البلغارية واليوغسلافية المتاخمة.. الإتجاهات البادية في لجنة تنظيم الطاقة الذرية في هيئة الأمم المتحدة، تسجل ضمن قائمة الجهود الخيرة المبذولة في سبيل الإستقرار العالمي..
سفر رئيس الحكومة الفرنسية إلى لندن لمحاولة تسوية الخلاف الناشئ عن مساهمة فرنسا في بترول العربية السعودية وما إليها..
الرئيس بينتش رئيس جمهورة تشيكوسلوفاكيا، يتفاءل، ويصرح : quot; إن العالم لن يعرف الحرب خلال الخمسين سنة المقبلة!! quot;.
* * *
حوادث كثيرة أخرى، لا يتسع المجال لذكرها قد أهملتها لكي يكون ختام الموضوع مقتصراً على تصريح الرئيس التشيكي الذي لم تصدق نبوءته، وهاهي الحروب مستمرة، ليس على الصعيد العسكري فحسب، وإنما هناك حروب أخرى، أشد فتكاً في ضرواتها من آثار الحروب العسكرية.. يكفي هذه الحروب الطائفية التي تسود في منطقة الشرق الأوسط، بل يكفي أن يحكم الظلاميون عدة دول من الشرق الأوسط أهمها : أن الاخوان المسلمين مصممين على عودة مرسيهم بعد أن طرده الشعب المصري ليستمر حكمهم خمسمئة سنة قادمة كما قالوا لعبد الفتاح السيسي!!.. أليست الكوارث ممتدة ومستمرة؟!.. ولا ندري ماذا يخبئ المستقبل لكوكبنا هذا!!.. وبما أن شر البلية ما يُضحك فإن الصحافة العربية منذ أسابيع مشغولة بحرب جديدة تشنها المطربة الاماراتية أحلام، ضد المطرب اللبناني راغب علامة!!.. ألم أقل لكم أن شر البلية ما يُضحك!!..
* * *