أظهرت الاضطرابات التي عٓمت العالم العربي خلال الأشهر الثلاثين الفائتة أن العرب شعب من الأسود تقوده أرانب أو ثعالب!
أو كما قال الفيلسوف الكونفوشي في القرن الرابع قبل الميلاد، مانيكوس، وهو أشهر كونفوشي بعد كونفوشيوس، وصاحب مبدأ laquo;تفويض السماءraquo;، إن الإمبراطور الظالم يمكن أيضا عزله.
وفي كتابه laquo;حول الديموقراطيةraquo;، يصنّف العالم السياسي روبرت داهل الأخطار الرئيسية المحدقة بالديموقراطية منذ القرن الرابع الميلادي، كما يلي: الانهيار الاقتصادي، تفشي الفساد، حكم الطبقات الغنية (الأوليغارشية)، اندلاع الحروب، الغزو الخارجي، الاستيلاء على السلطة من قبل حكام مستبدين سواء كانوا أمراء أو ملوك أو عسكر. وقد مضى الآن 500 سنة على الكتاب السياسي الذي وضعه نيكولو ماكيافللي في العاشر من كانون الأول/ديسمبر من عام 1513 بعنوان laquo;الأميرraquo;، ولم يتم نشره إلّا في عام 1532 بعد وفاة مؤلفه. وفيه شجب ماكيافللي علناً المسيحية والكنيسة، ولا سيما رياء رجال الدين الذين يحكمون رعيتهم بالتخويف من الله، لكنهم هم لا يخافونه، ولا يخافون عقابه، وهم لا يرونه ولا يؤمنون به!
ويرتبط اسم ماكيافللي منذ ذلك الحين بالرياء، والخداع، والاحتيال، واستخدام السلطة بلا رحمة أو شفقة. لكن طرائقه التي ضًٓمنها كتابه لم تكن تتعلق بكيفية الاستيلاء على السلطة من أجل السلطة ذاتها، بل هو رأَّى في السلطة وسيلة أو أداة لأمن الدولة وسلامتها واستقرارها. فقد كانت غايته أن يبٓين للأمراء، أو الحكام، كيفية تأمين سعادة ورفاه رعاًياهم. فليس في اتباع مبادىء ماكيافللي أي تخطيط تآمري أو تحريف استغلالي، كما هو شائع أحيانا. إن تلك المبادىء التي وضعها تتعلق بتطبيق القانون بيد من حديد.
ويقول ماكيافللي إن على الأمير أن يتصرف حسب مقتضيات زمانه، لكن بطريقة تسمح له بتغيير زمانه. فلكي يكون الأمير ناجحاً يجب عليه أن يصبح أميراً جديداً بمعنى أن يكون غير قابل بالوضع الراهن. وحتى الأمير الراسخ في حكمه يجب عليه أن يأخذ خصومه بالحسبان فلا ينتظرهم لإزاحته، بل عليه أن يستبق تحركاتهم استباقاً نشطاً. وعلى الأمير الجديد أن يسعى حثيثاً لرسم التوجهات ليجعل جميع الآخرين متكلين عليه، فلا يعود مجرد تابع لتلك التوجهات. ً
ومن الملاحظات التي ساقها ماكيافللي قوله: laquo;لا شيء يتلاشى سريعا مثل الانفلاش، لأنك وأنت تمارسه تفقد القدرة على فعل ذلك، فتصبح إما فقيراً أو مكروهاً، أو إذا أردت اجتناب الفقر تصبح طماعاً ومرذوًلاraquo;.
ويقول ماكيافللي: laquo;لأن الناس متقلبون، ومنافقون، وجشعون، فإنه من الممكن كسب ولائهم أو فقدان هذا الولاءraquo;. وتحسباً للولاءات المتقلبة ينصح ماكيافللي الأمير بإشاعة السمعة بأنه كريم، لكنه يحٓذر في الوقت ذاته بأن الأمير المبالغ في الكرم يمكنه أن يدفع دولته الى الإفلاس، ويفتح شهية رعاياه وجشعهم للحصول على المزيد. ويلاحظ ماكيافللي أن الأمير طالما أبقى رعاياه متحدين وموالين، يصبح أكثر رحمة ورأفة من أولئك الذين يعتمدون الرأفة الزائدة التي تسمح بنشوء الفوضى. ً ً ويقول ماكيافللي إنه لأمر حاسم أن يظهر الأمير دائما وفي كل وقت على أنه رجل شريف، مع البقاء حذرا، لأن الأمير اًلذي لا يحترم كلمته يعّرِض بذلك حكمه للخطر. وبما أن جميع الناس ليسوا شرفاء، فإنه يتوجب على الأمير أن يكون مخادعا إذا كان ذلك لمصلحته، كما قال. ويجدر بالحكام العرب أن يقرأوا ماكيافللي ويدرسوه، لكن ذلك ليس كافياً لوحده.
وأخير ًا، لا أمل في قيام عالم عربي مستقر ومنسجم، إذا لم يكن الشعب العربي مقتنعاً بقيام مجتمع قوي حرٍ ومتسامح. وهذه القناعة لا تأتي بالطبيعة أو السجّية، بل لا بد من تعلمها، وهي تبدأ بالقيادات.
ذلك أن أي أمير أو حاكم ذكي أو حذق يجب أن يدرك بأن اعتماد التربية والتوجيه يمكنه أن يؤثر في الشبان التواقين الحمسين من المواطنين ليصبحوا، كما وصفهم الروائي الأميركي فيليب روث في إحدى مسرحياته: laquo;رجل شجاع وشريف وفعّال. هذه ليست مهمة سهلة كما نعلم، لأن في الطريق عقبتين مانعتين: تلوُث العالم وتلوُث الذات، ناهيك بالنقائص الهائلة للمرء في المعرفة والعاطفة وبعد النظر وتكوين الأحكامraquo;.

الدكتور عودة أبو ردينة ، مقيم في واشنطن وهو أميركي من اصل عربي متخصص في شؤون الشرق الاوسط ، وسياسات دوله، وله مساهمات كتابية في مجالات الطاقة والنفط والغاز، إضافة إلى معالجات اقتصادية ومالية ومصرفية. وهذا المقال تنشره quot; إيلافquot; باتفاق خاص مع quot; الديبلوماسيquot; التقرير الشهري الذي يصدره من لندن الصحافي اللبناني ريمون عطاالله - عدد آب/ أغسطس ٢٠١٣ - المجلد ١٧