مع ادارة أميركية من هذا النوع، من حق العرب أن يقلقوا، خصوصا بعدما شاهدوا كيف تصرّفت الادارة تجاه مصر وكيف تتصرّف حاليا تجاه سوريا ولبنان...وايران. من حقّهم أيضا البحث عن طريقة لمعالجة مشاكلهم بعيدا عن التردد والتفكير الساذج الذي يميّز سياسات واشنطن هذه الايّام.
من الواضح انّ مشاكل الشرق الاوسط مشاكل عربية، من مصر، الى سوريا، الى العراق، على سبيل المثال وليس الحصر. انها مشاكل من الخطورة بما يدعو الى تفادي أي نوع من الاتكال على الولايات المتحدة. لا مفرّ من تفادي أي ميل الى الاعتقاد بأنّ لدى الادارة الحالية معرفة ما بما يدور في الشرق الاوسط أو لديها حدّ ادنى من الرغبة في تفادي الفوضى التي يمكن للعرب عموما دفع ثمنها غاليا على غير صعيد.
هناك بكلّ بساطة ادارة لا تعرف شيئا عن الاخوان المسلمين مثلا. لا تعرف شيئا، ولا تريدأن تعرف شيئا عن النظام السوري. لا تعرف شيئا عن السياسة الايرانية والمشروع الذي تسعى طهران الى تنفيذه. انه مشروع مذهبي في امتياز يقوم على اثارة الغرائز الدينية في المنطقة كي لا تقوم قيامة لأيّ دولة عربية من جهة والقضاء على المدن العربية الكبيرة من جهة أخرى. وهذا يعني في طبيعة الحال القضاء على القاهرة وبيروت ودمشق وحلب وبغداد وصولا الى البصرة التي افرغت من كلّ معلم حضاري وعيش مشترك بين المذاهب الاسلامية المختلفة فيها.
ليس صدفة انه كان ذلك الغزل الكبير بين الاخوان المسلمين في مصر والنظام الايراني. لم يتردد نظام الاخوان الذي سيطر على مصر سنة كاملة في فتح كلّ القنوات التي يمكن فتحها مع طهران وكأنّ المطلوب ابتزاز دول الخليج عبر تلك العلاقة.
أين وقفت الادارة الاميركية من كلّ ذلك؟ لم تكن لديها أقلّ فكرة عن خطورة التغلغل الايراني في مصر وتأثيره على مستقبل البلد، وعلى المنطقة كلّها، خصوصا في ظل العلاقات العميقة المتجذرة التي اقامتها طهران مع الخرطوم أو مع أسمرة. ولمن لا يعرف، أسمرة عاصمة اريتريا التي تمتلك مينائين مهمّين على البحر الاحمر...
لم تدر الادارة الاميركية في أي وقت النتائج التي يمكن أن تترتب على سقوط مصر وتأثير ذلك على التوازنات الاقليمية وعلى أمن كلّ دولة عربية. كان كلّ همّ الادارة محصورا في حقيقة أن نظام الاخوان المسلمين في مصر ملتزم كلّيا بنود اتفاق السلام المصري- الاسرائيلي. كلّ ما تبقى تفاصيل لا مجال الى التطرق اليها، بما في ذلك انتشار فوضى السلاح في سيناء انطلاقا من غزة بغية توسيع رقعة quot;الامارة الطالبانيةquot; التي اقامتها quot;حماسquot; في القطاع. كان الهدف النظام المصري وقتذاك يتلخّص بطمأنة اسرائيل والسعي في الوقت ذاته الى تمدّد quot;حماسquot; في سيناء من منطلق انها جزء لا يتجزّأ من تنظيم الاخوان المسلمين الذي يحكم مصر.
كان على العرب التحرّك في اتجاه مصر من دون استئذان الاميركيين. وهذا ما فعلوه. ساهموا في انقاذ مصر وانتزاعها من براثن الاخوان المسلمين ومن كان يشجعهم على اقامة نظام شبيه بالنظام الايراني، الذي لديه ميليشيا خاصة به، يكون على رأسه quot;مرشدquot; الاخوان في مصر...على غرار quot;مرشدquot; الجمهورية الاسلامية في ايران.
لم تنطل حيلة الاخوان على الشعب المصري أوّلا، فتصدى لها في الشارع واسقطها بدعم من المؤسسة العسكرية. لكنّها انطلت على الادارة الاميركية. واجه الشعب المصري يوم الثلاثين من حزيران- يونيو الماضي ديكتاتورية الاخوان الذين لم يكن لديهم ما يقدّمونه لمصر، لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا ثقافيا ولا حضاريا، باستثناء الشعارات الطنانة التي لا تعني سوى مزيد من البؤس.
نعم، انطلت حيلة الاخوان على الادارة الاميركية التي راحت تنعي الديموقراطية ونتائج صناديق الاقتراع غير مدركة أن الانتخابات الحرة هي تتويج لعملية طويلة تبدأ باقامة مؤسسات لدولة ديموقراطية. كيف يمكن أن تكون ديموقراطية في بلد لا مؤسسات ديموقراطية لدولة مدنية فيه، بل فيه حزب واحد منظم هو حزب الاخوان المسلمين؟
الآن، يقف العرب، الذين تصرّفوا بمعزل عن أميركا في مصر، أمام ما يدور في سوريا. ما على المحكّ مستقبل الشرق الاوسط كلّه. هل يقفون متفرّجين على كيفية تمكن النظام السوري الذي يقاتل شعبه بسلاح روسي ودعم ايراني بالرجال والمال من تحويل قضية شعب سوريا الى قضية سلاح كيمياوي لا بدّ من التخلّص منه؟
تكمن المشكلة الاساسية في أن الادارة الاميركية سارت في هذه اللعبة الروسية - الايرانية غير آبهة بما يعني سقوطها فيها، علما أنّها تصبّ في تفتيت سوريا واطالة النزاع فيها الى ما لا نهاية وذلك من منطلق مذهبي أوّلا.
يمكن بالطبع لروسيا وايران الاستفادة من تفتيت سوريا نظرا الى أن ذلك يعني الحؤول دون تحوّلها الى دولة طبيعية في المنطقة، أي دولة ترفض قبول لعب دور الجسر الذي تستخدمه ايران كي تكون دولة متوسطية. بكلام أوضح، ان سوريا تلعب حاليا دور الممرّ الذي يمكّن ايران من أن تكون على تماس مع اسرائيل عبر لبنان وذلك بغية عقد صفقات مع الاميركي أو الاسرائيلي على حساب كلّ ما هو عربي في المنطقة.
لا يستطيع العرب ألقبول بهذه اللعبة، وذلك لسبب في غاية البساطة يتمثّل في أن هذا التمدد الايراني بدعم روسي يهدد كل كيان عربي من المحيط الى الخليج ويهدّد التوازن داخل كلّ دولة عربية.
الاخطر من ذلك كلّه أن عليهم، أيضا، مواجهة اللامبالاة الاميركية بما يدور في سوريا وتجاه ما هو على المحكّ فيها.
ما الذي سيفعلونه؟ الاكيد أن ليس في امكانهم الوقوف مكتوفين. ليس مطلوبا تدخل عسكري عربي في سوريا. ولكن ربّما المطلوب تحرّك من نوع آخر تجترحه المخيلة العربية. انه تحرك شبيه بالذي حصل في مصر بما يؤكد أن هناك اعتراضا على السذاجة الاميركية وأنّ هناك من أخذ علما بأنّ الولايات المتحدة تخلت عن زعامتها للعالم وأن العرب ليسوا على استعداد لدفع ثمن مثل هذا القرار!