تزامنت آخر أيام عشتها في إيران مع فوز خاتمي برئاسة الجمهورية، أنصت عن قرب لدوي مفاجئة النظام ولمست في عيون الإيرانيين فرحة... بعض العجائز اختارته لعمامته السوداء التي تنتمي quot;نسباquot; للنبي مقابل منافسه ذي العمامة البيضاء، لكن شريحة الطلاب والطالبات وعموم الشباب والطبقة المتوسطة والوسطى اختارته بحثا عن الحريات المدنية والسياسية، الشعب اختار رجلا خارج سياقات ولاية الفقيه رغم زيه الديني.
بفعل سياسات رفسنجاني (سلف خاتمي) غير التصعيدية في العلاقات الدولية، واهتماماته الاقتصادية، لم تكن إيران تعيش المأزق الراهن على مستوى القضايا الخارجية، ولا الحصار الاقتصادي بوضعه الحالي، وهذا دفع بالشأن الخارجي الى مراتب متأخرة في المعادلة الانتخابية، وتقدمت موضوعة الحرية والإصلاحات السياسية الداخلية، ما خلق جوا عاما مناهضا للتشدد في الأوساط الشعبية الإيرانية.
خاتمي لم تفرزه ضرورات النظام، بل ضرورات المجتمع الذي اختار حرياته السياسية والمدنية، مجتمع تمرد على المؤسسة الحاكمة بقوة، وانتخابات 2009 محصلة ذلك التحول... لذلك يبقى حالة نادرة في دولة ثيوقراطية بل في اغلب بلدان المنطقة، من الصعب العثور عليها، ومن الصعب القول انها جزء من النظام، على العكس هي حالة اخترقت النظام السياسي.
اما روحاني فهو يمثل وجها من وجوه ولاية الفقيه وابن الجمهورية الإسلامية، عضو مجلس الخبراء الذي يضم فقهاء الإسلام السياسي هناك، والنائب في البرلمان الإيراني منذ وقت مبكر، ورئيس مجلس الامن القومي. غير انه في إطار صراع القوى وتبادل المراكز المعروف تاريخيا ضمن المعادلة الإيرانية نجح بان يأخذ لنفسه مكانا في يسار المحافظين، وبات أفضل الحلول المتاحة للإصلاحيين لتحقيق بعض ما يهدفون له.
الفرق شاسع بين الاثنين، الأول كان ضرورة مجتمع، والثاني خلقته ضرورات النظام السياسي، الحاجة لمتنفس. وهنا نعرف ان السيد وضعت في وجهه العراقيل كي يفشل، بينما سيحقق الشيخ مكاسب ما على مستوى التفاهمات، لان قيادة الدولة الإيرانية تريد ذلك، او مضطرة لتحقيقه. هذا لا يعني انهم كانوا يريدونه هو بالتحديد، لكنه يعني ان النظام سمح بان يكون خيارا من الخيارات.
الاتصال بين أوباما والرئيس الجديد أولى ملامح احتياجات النظام الإيراني في إطار محاولات الخروج من عنق الزجاجة، الاتصال ثغرة في جدار الصراع، مرحلة متطورة عن الاتفاقات السرية في عهد رفسنجاني او تفاهماتها في عهد خاتمي حول أفغانستان والعراق.
وليس صحيحا القول ان مرشد النظام لا يدعم الرئيس، الدليل على الدعم ان الحوار مع الغرب حول الملف النووي بات ضمن مهام السلطة التنفيذية واخرج من دائرة المؤسسات الأخرى، ما يعني ان الخطوات كلها تندرج ضمن مساعي الدولة لحل ما، او لإعادة خلط الأوراق. ليس بالضرورة ان تنتهي القطيعة، إيران تحتاج الى مستوى من العداء مع أمريكا للبقاء في دائرة الضوء، وامريكا لا تريد انهاء الصراع لأنه سيطمئن المنطقة ويخرجها من الاحتياج الدائم. الا ان الأكيد ان مرحلة جديدة قد بدأت ولم تتبلور ملامحها بعد.
الأكثر تأثرا في هذه الحالة هو العراق، حيث الشد والجذب المستمر منذ عشر سنوات، ربما لا يقدر لأي اتفاق بين الجانبين ان يعالج المشكلة الأمنية كونها متعددة الأطراف والخلفيات، الان انها مفيدة لاحتواء جانب من رئيسي من الازمة ومدخل للضغط على أكثر من طرف داخلي للعب دور أفضل.
المشكلة في التوجهات والمخاوف العربية المطروحة في هذه المرحلة وبفعل التقارب المفترض، لان خصوم إيران يخشون ان يكونوا جزء في بورصة التسوية وتبادل النفوذ، مخاوف مبررة، منبعها عدا المخاوف التقليدية من محاولات إيران المستمرة للنفوذ، ان القوى العربية المركزية في الوقت الراهن لم تخلق لنفسها خيارات متعددة تتعامل من خلالها مع أي متغير بحيث تكون طرفا في التسوية وليس موضوعا لها. لذلك غير مرجح ان تخشى تركيا التقارب الغربي الإيراني، لأنها تمتلك ما يتيح لها التعامل مع عديد الخيارات المحتملة، عكس الدول التي القت بثقلها في اتجاه واحد ولم تترك لنفسها فرصة النظر للتسويات التي قد تجري بعيدا عنها.
ان التحولات الإيرانية منذ رفسنجاني مرورا بخاتمي ونجاد وانتهاء بروحاني بقيت في ظل سلبية عربية، الحراك مفقود، والمبادرة محدودة.