تقوم خطة الأخضر الإبراهيمي في إدارة مفاوضات السلام السورية على قاعدة بناء الثقة بين الطرفين وذلك من خلال إيجاد تقاطعات مشتركة يجري البحث فيها كمقدمة أو جسر عبور إلى القضايا الأكثر تعقيداً في الأزمة أو تلك التي هي محل انقسام بين مكونات المجتمع السوري نفسها.
من الناحية الإستراتيجية يمكن فهم هذا النمط التفاوضي، نظرا للظروف الموضوعية التي تنطوي عليها الأزمة، سواء بالنسبة للتعقيدات الميدانية الحاصلة والتي لا تسمح بفرض أي من الطرفين لرؤيته ومنطقه، أو نظرا لتعدد مستويات صنع القرار في الأزمة، أو حتى كثافة التدخل الإقليمي والدولي، الأمر الذي يجعل من طرح القضايا التي تسمى النواة الصلبة في الأزمة أمراً دونه تعقيدات كثيرة
وإذ يبدو هذا النمط التفاوضي مفيداً للطرفين وينطوي على إغراءات ملحة، حيث تظهر المعارضة وكأنها تحقق بعض مطالب الثورة، وخاصة ما تعلق منها بقضايا فك الحصار عن بعض المناطق وإيصال المواد الغذائية لها، وكذا إطلاق سراح بعض المعتقلين، وهي قضايا لا شك أنها تلقى صدى لما لها من أثر إسعافي عاجل، وبذلك تحقق المعارضة أول إنجازات واقعية على الأرض منذ بداية الثورة، خارج عن دورها القتالي ضد قوات بشار الأسد.
بالمقابل يستسيغ النظام مثل هذا النمط التفاوضي إذ يحاول من خلاله تفكيك شبكة الضغوطات الكبيرة عليه، سواء من طرف الدول الداعمة للثورة، أو حتى من حليفيه الدوليين، روسيا والصين، إذ يظهر نتيجتها كطرف دولي مسئول ومرن ويحترم تعهداته الدولية، وهو الأمر الذي يحاول على الدوام تسويقه في المحافل والأوساط الدولية.
غير أن هذه الإستراتيجية التفاوضية كان لها أثر سلبياً في الواقع إذ دفعت المجتمع الدولي إلى خفض توقعاته من مؤتمر جينيف 2 من إمكانية التوصل لاتفاقية سلام شامل تنهي النزاع المرير بين الأطراف إلى مسألة بناء الثقة بين طرفي الصراع وذلك وفقا لنظرية السلام السلبي بإدارة الأزمات، وهي نظرية تقوم على إدارة الصراعات أكثر من حلها، كما أن منهجيتها والآليات التي تلحظها للحل تعني إقامة الصراع لمدة طويلة والاهتمام فقط بتبريد بعض البؤر الساخنة وتعزيز القواسم المشتركة بين الأطراف، والبناء على كل مرحلة سابقة مرحلة لاحقة أكثر تقدماً، أي مراكمة التفاهمات ما أمكن وصولاً إلى حصر الأزمة في أضيق أطرها.
كما تنطوي هذه الإستراتيجية على خطر استغلال نظام الأسد لها عبر إغراق القضايا ذات البعد الإنساني التي يبدي مرونة وانفتاحا في نقاشها بالتفصيلات الكثيرة والتركيز لإطالة مدى التفاوض بشأنها، ومن ثم يتجاوز المسائل الإشكالية في القضية مثل مسألة تشكيل الحكومة الانتقالية كتكتيك لإضاعة الوقت إلى أبعد مدى ممكن حتى موعد الانتخابات في الصيف القادم والتي تتيح إمكانية إما إعادة ترشيح بشار الأسد لنفسه رئيساً لمدة جديدة أو لجوئه إلى تمديد ولايته لوقت غير محدد استنادا إلى نص دستوري في الدستور السوري الذي تم تعديله مؤخراً، والذي يتيح لرئيس الدولة تمديد رئاسته إذا ارتأى أن الظروف غير مناسبة لإجراء عملية انتخابية.
والواقع أن الخروج من هذه الاحتمالات يتطلب إرادة دولية حازمة، إذ لا يمكن الاكتفاء أو الركون للنوايا الحسنة هنا، ولا بد من وضوح في الرؤية والتعاطي، صحيح أن الإدارة الأمريكية حددت تعريفاً واضحاً للمؤتمر يقوم على تشكيل حكومة انتقالية وأن لا وجود للأسد في مستقبل سورية، لكن ذلك يبقى غير كافياً في ظل استمرار إستراتيجية الرئيس أوباما الرخوة تجاه أزمات الشرق الأوسط ، والملف السوري على وجه التحديد، كما أن ذلك لا يمكن الوثوق به ما لم يحصل تعديل حقيقي في الإستراتيجية الروسية تجاه نظام بشار الأسد وما لم يتم القطع مع السياسات القديمة ذات الطبيعة الإلتوائية في الموضوع السوري عموماً.