مرّت بضعة شهور على تشكيل حكومة حيدر العبادي بعد مخاض عسير عقب اختيار وزيري الدفاع والداخلية وتحمّلت وزر تركة ثقيلة من رزايا ومساوئ وزارة السيد نوري المالكي السابقة يصعب جدا حصرها ، ومع انها حكومة وليدة مازالت تحبو لكن حبوها يبدو متسارعا أمَلا في ان تقف على قدميها بأقدام راسخة ؛ فمنذ تولّيه رئاسة الوزراء اوعز أوّل الامر بإيقاف القصف على الاماكن المأهولة بالسكّان في المناطق الساخنة بذريعة محاربة الارهاب وعمل على الفور بحلّ الهيئات المترهلة في مجلس الوزراء والحدّ من المستشارين الكثر والبطانة الفاسدة من الذين اثقلوا ميزانية البلاد وعملَ على تنقية القوات المسلحة وإعفاء القادة الامنيين التي تحوم الشكوك حولهم بشأن نزاهتهم وضعف قدراتهم القتالية وسوء ادارتهم وهوانهم المثير للسخرية
كما حقق انتصارات ملموسة لدحر الارهاب في مناطق حزام بغداد بقضائه التام على عناصر داعش والتي كانت تسبب هلعا كبيرا لسكّان العاصمة بالاعتماد على عناصر الجيش الذين ثبت ولاؤهم من الصفوة العسكرية المختارة بعناية وان شاركت في المعارك فصائل من الحشد الشعبي المتطوع المتجحفل مع الجيش اضطرارا وتكتيكا مرحلياً ، فما الضير من الاستعانة بالحشد الشعبي اذا كان كل هذا الكم من القوات المسلحة عبارة عن اعداد هائلة لاتهش ولاتنشّ وانما مجرد جيش عرمرم هزيل القوى امتثالا لما قيل :
اذا لم يكن غير الأسِنّة مركبا -----& فما حيلة المضطرّ الاّ ركوبها
اذ تحررت أمرلي ومنطقة سليمان بيك التابعتان الى محافظة كركوك من الوجود الداعشي مثلما تحررّت بيجي ذات الموقع الستراتيجي نظرا لوجود أكبر مصفاة نفط فيها والتي تغذي العراق بنصف حاجته الى الوقود حاليا ، ومازالت القوات المسلّحة العراقية بكل ألوانها تعدّ العدة لاسترجاع المزيد من المناطق المحتلّة بعد ان اصبحت الكفّة الرابحة بيد مقاتلي العراق وليس بيد الارهاب الداعشي
وعلى الصعيد الخارجي ، عمل العبادي على تخفيف حدة التوتر بين بغداد وانقرة ولايخفى ماللأتراك من دور اساسي في هذا الوقت باعتبار انقرة لاعبا أساسيا وظلا ظليلا للمكوّن السنّي بشقيه المعتدل والمتطرّف ، ولأقول بملء فمي وأعني تنظيمات داعش وخفايا علاقاتها بالاتراك ، اضافة الى التقارب الذي يبعث على التفاؤل بين العراق والمملكة العربية السعودية ولقاءات الرئيس العراقي فؤاد معصوم بالعاهل السعودي الملك عبد الله ثم الحوارات البناءة الايجابية بين وزير خارجية البلدين بشأن اعادة العلاقات الديبلوماسية وتصفية الاجواء مما ينبئ بافتتاح السفارة السعودية ببغداد في القريب العاجل والانفراج الذي يبشّر بالخير بعد ان كانت تلك العلاقات في أوج توترها بين الجانبين أبان وزارة المالكي
يضاف الى ذلك التقارب الاخير على الصعيد الداخلي بين اربيل وبغداد الذي نحا منحىً ايجابيا بعد اطلاق صرف مرتبات حكومة اقليم كردستان كبادرة حسن نيّة وتذليل العقبات والأزمات التي حصلت بين شقيقَي الوطن الواحد بخصوص موارد النفط التي تفاقمت مشاكلها في عهد المالكي والتي كان حسين الشهرستاني / المستشار لشؤون الطاقة يشعل أوارها ويزيد من تفاقمها بين حين وآخر
كما أُعطي دورٌ هام لافراد العشائر في المناطق الغربية والمحتلة جزء من اراضيها بيد داعش من خلال تسليحهم ودعمهم لمقاومة الارهاب الداعشي الذي بلغ أعتى انواع القسوة في محافظة الانبار وقتل اهليها بدم بارد من قبل مسلّحي داعش ، وكانت زيارة السيد العبادي للعاصمة الاردنية عمان ولقائه بفصائل عراقية معارضة ورؤساء عشائر لهم تأثير قويّ لأجل استدراجهم وكسب رضاهم ووقوفهم الى جانبه من اجل رأب الصدع بين ابناء الوطن الواحد وان اختلفوا في الرؤى لأن العدو امام انظارهم بكل وحشيته وتعسّفه وهوَجهِ مما يحتّم مواجهته والتصدّي له بكل حزمٍ وشجاعة وهذا مايحصل الان ، فالايام المقبلة ستشهد خناقا شديدا على الارهاب الداعشي وتنذر بانكماش نشاطهم وانحسار سطوتهم
لاننكر ان امام حكومة العبادي شوط طويل وطويل جدا وقد لاتصل الى هدفها المنشود في القريب العاجل ولكنها حتما ستبلغ غايتها البعيدة ولو في وقت متأخر اذا رسخت اقدامها وواصلت مساعيها وخففت من وطأة التوترات داخليا بين ابناء العراق الواحد وخارجيا بين الدول الجارة الشقيقة وهذا لعمري أفضل من ان لانصل الى مانريد

[email protected]
&