من مفكرة سفير عربي باليابان

وأنا أبحث عن الاسباب التي أدت المعارضة البحرينية بشقيها المعتدل والمتطرف مقاطعة الانتخابات الماضية، أرسل لي أحد الأخوة الدبلوماسيين& مقال بعنوان، أرحمونا يرحمكم الله، للمفكر الكويتي د. أحمد الربعي، نشر في عام 2002، يقول فيه: "علينا الاعتراف بأننا نمر بظرف استثنائي! وطننا، وبلدنا، وقلوبنا قلقة بشأن المستقبل، فإن صمتنا عما يدور سنشعر إننا دخلنا مع الشياطين الخرس في حفلة صمت مريبة، وان تحدثنا ربما ننكأ جراحا قديمة وجديدة لا تساعد جروحنا على الالتئام!! ماذا نفعل؟ من يعلق الجرس؟ من يصرخ بأهل السفينة أن انتبهوا إلى المخاطر، وبالربابنة أن نظموا الصفوف، وبالبحارة أن يشدوا وثاق السارية أملا في إبحار جميل؟!! اللغة المباشرة قد تبدو صعبة، اللغة المائعة سقطة أخلاقية، اللغة التكتيكية مؤامرة على إستراتيجية العيش بسلام، اللغة المجاملة طعنة في الخاصرة لمن نجاملهم ونحبهم، اللغة الخشنة قد تجرح خدود الزهور الجميلة، واللغة الناعمة لا توصل الرسالة بكل بهائها ورونقها الجميل!!& أي لغة نحتاج؟ أي قدرة لغوية يخترعها محب للوطن وللأرض وللناس؟ تقول لهم استيقظوا من غفوتكم دون ان تؤذيهم، وحدقوا في نور المستقبل دون أن تخطف أبصارهم؟ ومن أين لنا بمعجم لغوي يجمع بين المحبة والوضوح، الصراحة وحسن الحوار والمجاملة دون نفاق؟ أية غرفة عمليات نحتاجها للقيام بعملية جراحية دون ألم، واجتثاث للدمامل والندوب، دون قطرة دم واحدة؟ كيف نجمع بين علم التخدير وبين المحافظة على الذاكرة، ونجمع بين المشارط التي تمارس عملها دون أذى، وبين الشفاء العاجل. استذكروا تاريخكم أيها الناس، تاريخ النجاحات والإخفاقات، تاريخ الأزمات، وكيف خرجنا منها، ثم تاريخ الكارثة حين سقط الوطن على يد ذئاب مفترسة لا قلوب لها، فأعدنا لهذا الوطن اعتباره، وطعناه من جديد معتمدين على علم المحبة. نريد أن نصرخ انتبهوا!! لا نريد أن نجرح أحدا، ولكننا لا نستطيع الاستمرار في حفلة المجاملة!! أيها الأحبة ارحمونا!! يرحمكم الله!!
لنتذكر عزيزي القارئ بأن هذا المقال يرجع لأكثر عقد من الزمن، فما سيقول الكاتب عن وضع أمتنا العربية ولاسلامية اليوم، ولنحاول عزيزي القارئ ان ندرس سبب مقاطعة المعارضة البحرينية في هذا الوقت الحرج من تاريخ امتنا العربية ولاسلامية، ولو تابعنا الحرب الاعلامية بين المجموعات المقاطعة والمجموعات المؤيدة لتصورنا بأننا في بلد ستدمرها دماء الطائفية. ويبدو بأن جارتنا إيران عانى شعبها من هذه الطائفية الملعونة، بل بدأ النظام الإيراني نفسه ملاحظة الخطر ألذي بدأ يلاحقه، والذي قد يؤدي لإنهياره، فقد لفت نظري تصريح بالسي ان ان العربية في 10 نوفمبر الماضي، لرئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في ايران، هاشمي رفسنجاني، نقلا عن وكالة الانباء الرسمية، إرنا، يقول فيه: "القران الكريم يؤكد أن لا تنازعوا، فتفشلوا، وتذهب ريحكم، إلا أننا تجاهلنا هذه الاية، وقمنا بإثارة الخلافات بين المسلمين. لكننا لم نعر ذلك أي اهتمام وتمسكنا بالخلافات السنية الشيعية، وبشتم الصحابة، والاحتفال بيوم مقتل الخليفة عمر (رضي الله عنه)، حتى باتت هذه الاعمال عادية للكثيرين.. الاعمال المثيرة للفرقة بين المسلمين نتيجتها الوصول إلى القاعدة، وداعش، وطالبان، وأمثال هذه الجماعات. نحن امة المليار و 700 مليون مسلم، نمتلك ستين دولة، يمكنها أن تكون أعلى قوة في العالم، لكن هذه الاعمال اضعفتها امام الدول الاخرى."&
كما لفت نظري افتتاحية نشرته صحيفة الوطن السعودية في 29 نوفمبر الماضي، وتحت عنوان، الحاجة لتشريع يحرم الطائفية، تقول فيه: "الاوضاع المأزومة في المنطقة، وتداعياتها التي انسحبت على الواقع السعودي عبر انضمام بعض شبابنا إلى التنظيمات الإرهابية، تؤكد الحاجة إلى تشريع أنظمة وقوانين تجرم الطائفية، لأنها الباب المفتوح الذي يدخل منه المتطرفون إلى كهوف الإرهاب والتعصب، ليخرجوا منه وقد تشبعوا بأدواء الاحتقان المذهبي، وأدبيات الإقصاء والتكفير، واستباحة الدماء والعبث بالاوطان. وفي عصر الانفجار المعرفي والتقني هذا، ومنذ بدء الربيع العربي، اندلعت الحروب والانقسامات في أكثر من بلد مجاور، وكانت الطائفية أسهل الطرق لتجيش البسطاء، وشحنهم ضد المخالف في المذهب، وتبرير قتل المخالف، لأن الإرهاب لا يحتاج أكثر من الإيمان الذي يغلفه الحماس ببعض الأفكار المتطرفة دون أدنى تساؤل أو تفسير لها، ومما فاقم الأمر اختلاط المفاهيم وعدم المفاصة بين ما هو سياسي وما هو ديني، وهذا الخلط نتجت عنه كوارث اجتماعية وإنسانية في بعض الدول المجاورة، وخرجت من عباءته ميليشيات تحترف القتل والاغتيال والتدمير باسم الدين. الطائفية كانت مسمار نعش هذه المجتمعات، فقسمتها مذهبيا وأشعلت الحروب بينها. التطرف يبدأ من رفض الاخر واقصائه، والتدخل في معتقداته وأفكاره، وبيئته التي نشأ فيها، ومحاولة الانتقاص منه أو تغيره بالإكراه، ثم يتحول الأمر لحالة من الاستعداء، وفي كل مرة يتم استدعاء التاريخ وإسقاط مورثاته على الواقع، وذلك من خلال استغلال المنابر التعليمية والاعلامية، كالفضائيات وبعض مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تستغل منابر الجمعة وبعض المخيمات الدعوية، بغرض تحقيق تلك الاجندات العدائية، وهو يغذي الاحتقان لينمو مع الزمن، ويصبح خطرا اجتماعيا يهدد الكيان الوطني. فأي كيان وطني يقوم بالضرورة على التعدد والتنوع، والتباين الثقافي والديني والعرقي، وصهر ذلك كله في نسيج واحد يقوم على أساس المواطنة، واحترام الانظمة والقوانين. ولا نعلم لماذا لم يتم - حتى الان- سن قوانين وأنظمة تجرم الطائفية، وتعاقب من يروج أو يدعو لها، فنحن أحوج ما نكون في هذا الوقت لهكذا أنظمة وتشريعات تحصن المجتمع من هذا الداء الثقافي، وتحمي نسيجنا الوطني من التفت والانقسام؟"
ويضيف الدكتور محمد الرميحي في مقال بعنوان، البحرين الى تونس...دروس الربع الاول من الربيع العربي، نشرته صحيفة الشرق الأوسط في 29 نوفمبر الماضي يقول فيه: "المشكلة الكبرى التي أراها قادمة في المنطقة، ليست الإطاحة بالأسد، على صعوبتها، وليست بحرب «داعش» على مرارتها أيضا، ولكن أكبر من ذلك، ترميم الأوطان، فالجروح الغائرة في النسيج الوطني الإنساني العراقي والسوري واليمني والليبي وحتى التونسي والمصري، لهذا الجيل، وربما الجيل القادم، على الرغم من تفاوت عمق الجرح، فإنه جرح يحتاج من أجل اندماله إلى جهد كبير وزمن طويل، فسقوط الدولة (لا النظام) عملية سهلة نسبيا، ولكن ترميم الأوطان هو الأصعب، ذلك الدرس الثالث من دروس الربع الأول من الربيع العربي."&
وهنا قد نتساءل ما الذي دفع بالمعارضة البحرينية لقرار المقاطعة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ امتنا العربية والاسلامية؟ فهل هي قرار جماعي أم فرض مستورد؟ هل هي قناعة عقلية أم فتوى دينية؟ وهل من المعقول في الألفية الثالثة، وفي واقع التكنولوجية الاجتماعية، وفي عصر العولمة، أن يترك رجال السياسة مستقبل الوطن لفتاوى دينية؟ ولنراجع عزيزي القارئ رأي خيرة المفكرين العرب في هذه المقاطعة. فلنجد بأن الدكتور محمد الرميحي في نفس المقال يقول: "في البحرين تمت انتخابات قالت السلطات، إن الإقبال عليها بلغ النصف وأكثر من الذين يحق لهم الانتخاب، وقالت المعارضة إن من جاء إلى الصناديق لا يزيد على 30 في المائة من المسجلين، لا يهم هذا الاختلاف، المهم أن المعارضة، وهي تدعو إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان وحق الفرد في أن يعبر عن نفسه، وهي شعارات لا يستطيع عاقل أن يدحض صحتها أو أهميتها، في نفس الوقت من حقها أن تدعو مؤيديها إلى المقاطعة سلميا، إلا أنه ليس من حقها أن تقوم بـ«إرهاب» جزء من جمهورها، فإما أن يقاطع أو يحرق بيته! فكيف يستقيم هذا وذاك؟ ومع ذلك تغاضت السلطة عن ذاك الفعل، لأن مثله لو حدث في بلد مثل بريطانيا، لأصبح مجرّما. «ولم أذكر إيران»!! فإن كان ثمة إيمان بأهمية الديمقراطية، بالمعنى المتعارف عليه، فليطلق العنان لكل فرد أن يختار ما يرغب في فعله، قاطع هو أو شارك، دون إكراه يصل إلى حد الإرهاب. هي كما قلت نوع من «الديمقراطية» التي يحق لجماعة ما أن تقرر مواصفاتها، دون الأخذ برأي الآخرين الشركاء في الوطن أو حتى الشركاء في الصف."
كما كتب الدكتور باقر النجار مقال في الصحافة البحرينية في شهر نوفمير الماضي، بعنوان، البحرين انتخابات ومقاطعة، يقول فيه: "ومسألة المقاطعة للانتخابات الشرعية رغم أنها حق سياسي للقوى الفاعلة في العملية السياسية، فإن الكثير من فعل المقاطعة لم يخرج بنتائج مهمة للقوى المقاطعة، بمعنى أن فعل المقاطعة يُخرجُ القوى السياسية المعارضة من مجال تأثيري مهم، حتى وإنْ كان محدودا، كما أن دفع الضرر كما يقولون، كان يتطلب منها الدخول أكثر منه الخروج من العملية السياسية. وأعتقد أن قرار المقاطعة للانتخابات كان القرار الأسهل لعدة أسباب، بعضها قد يكون متعلقا بالتنظيمات السياسية ذاتها، ومحاولتها المحافظة على قدر من التماسك الداخلي بين تشكيلاتها المختلفة، ولربما بعض من حواضنها الاجتماعية، وبعضها الآخر متعلق بمحاولاتها المحافظة على تحالفاتها السياسية مع القوى الأخرى المعارضة أو الأكثر تشددا.. وأن الخروج من العملية السياسية والاعتماد على التأثير الخارجي من خلال الشارع يفقد هذه القوى ليس فقط القدرة على التأثير، وإنما يفقد شارعها الصغير أو الكبير مواقع مهمة في العملية السياسية، بل قد يفقده قدرا من المنافع تتحقق من خلال الاندماج في العملية السياسية لا الخروج منها. وهذا يعني أن الغياب المؤسساتي يقود حتما إلى قدر من الغياب المؤثر عن هذه المستويات الرسمية وغير الرسمية، بل إن قدرة بعض من المستويات غير الرسمية على التفاعل الرسمي معها وبفعل هذا الغياب يبدو مستحيلا، بل غير ممكن. وكما يقول المفكر الكويتي محمد الرميحي: «إنك لا تستطيع أن تؤثر في نتائج اللعبة وأنت خارج الملعب مهما كان صوتك عاليا، وحتى تكون مؤثرا عليك أن تكون داخل الملعب». ثم إن تجربة المقاطعة السياسية لقوى المعارضة الأردنية على مدى السنوات الماضية قد أضعفت من حضورها السياسي وقدراتها التأثيرية في القرار الرسمي، كما في القطاعات الاجتماعية غير الرسمية. وبالمثل، يمكن القول إن مقاطعة قوى المعارضة الكويتية للبرلمان الكويتي قد أضعف من قدرتها الاستقطابية والتأثيرية على القرار الرسمي، كما هو فيما يخص جماعات دوائرها الانتخابية. كما أن قدرة النظام في كلا البلدين على تبني سياسات جديدة نحو المجتمع الممثل لهذه التنظيمات السياسية قد قاد هو الآخر إلى ضعف الالتفاف الذي تحظى به هذه القوى في دوائرها الانتخابية التي بدا يسودها قدر من التململ من غياب قوة مؤثرة وتحمل رؤية وبرنامجا إصلاحيا.."
وينهي الدكتور باقر النجار مقاله بالقول: " فحن أمام تحديات اجتماعية لا بد من التفكير الجدي بها في المرحلة القادمة، سواء أكان ذلك بوجود المعارضة أم بخروجها، لتجاوز حالة الاستقطاب المذهبي من خلال تبني برامج تأهيلية تخص كل الجماعات والمستويات، دونها لا نستطيع تجاوز هذا المشكل الذي يأتي في تمثُلات ورموز بعضها بائن ومعلن، وبعضها الآخر مستتر. كما أننا نواجه معضلا سياسيا يتمثل ليس فقط في قدرتنا على تبني حلول غير تقليدية لمعضلاتنا السياسية، وإنما في أن نعزز وندفع نحو تأسيس جديد وغير ظرفي للمواطنة، وطرق جديدة لعمليات الإدماج في العمليات السياسية، وهو عمل يتطلب مصفوفة من الإجراءات والمبادرات السياسية النوعية والتشريعات القانونية والفعل الثقافي الجديد. كما أننا أمام خيارات للبناء المؤسسي الجديد ننزع فيه نحو قدر من الإنجاز الإداري والوظيفي النوعي على صعيد الأجهزة والمؤسسات الخدمية المترهلة أو على صعيد المؤسسات والشركات المختلطة وفي القطاع الخاص الذي بات متأثرا في بعض من قطاعاته بكثير من قيم الأداء السائدة في القطاع الرسمي، نتجاوز من خلاله حالات الوهن والضعف في الأداء الوظيفي وفي اختيار قياداته الذي بات المعطى الذاتي سلاحها الوحيد في الصعود الإداري. وختاما، فإننا نقول: إن الكثير من الحلول أو إمكانيات الحلول في الدول الصغيرة تتأثر بدرجة كبيرة بمحيطها الإقليمي الأكثر قربا وتأثيرا وهي في حلولها لا يمكن أن تخرج عن تلك الحلول التي يمكن أن يجيزها الإقليم أو تلك التي قد تسبب لها قدرا من الاهتزاز لأنماط فعلها السياسي في صناعة القرار أو تلك التي تبتعد كثيرا عن ثقافتها السياسية." ولنا لقاء.

د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان