أجبت في الحلقة الأولى من المقال على السؤال هل لدينا اسلامين أحدهما سياسي وآخر غير سياسي، وفي الحلقة الثانية أجبت على السؤال من الذين يثيرون هذه المغالطة والكذبة الكبيرة وما هي دوافعهم الى ذلك، في هذه الحلقة أحاول الاجابة على سؤال ما هي صفات ومؤهلات الحاكم الاسلامي لكي يستحق ان نطلق على حكمه حكما اسلاميا.
الخطأ الذي يقع فيه الكثير من الناس انهم يعتقدون ان كل من يدعي أنه يحكم باسم الاسلام أو يطبق حكما من أحكامه كارغام غير المسلمين على دفع الجزية فانه يستحق ان نطلق عليه الحاكم الاسلامي وحكومته حكومة اسلامية، بينما يجب أن يتمتع قائد المسلمين بميزات وخصائص تؤهله لقيادتهم والا فسيكون وبالا عليهم وعلى البلاد.
القائد أو الزعيم أو الرئيس أو سمّه ما شئت يلعب دورا خطيرا في مسيرة بلاده نحو التقدم والازدهار أو نحو الانحطاط والهاوية، وهناك ميزتان أساسيتان يجب ان يتمتع بهما الحاكم ليستطيع ان ينقل مجتمعه الى بر الأمان شرط أن يستجيب المجتمع لكل ما يقرره لا أن يتمرد على قراراته، الميزتان هما العلم والعصمة والتي تعني الامتناع عن ارتكاب كل الأخطاء.
هاتان الميزتان متلازمتان، فلا يكفي أن يكون القائد أعلم الناس ولكنه غير معصوم عن ارتكاب الخطأ فمن المؤكد ان مصالحه وأهواءه ستتعارض يوما ما مع علمه مما يضطره الى تقديم مصالحه على علمه، وفي نفس الوقت لا يمكن أن يكون القائد معصوما وليس لديه علما لأن الجهل سيقوده بالتأكيد الى ارتكاب الخطأ.
وعلى الرغم من وجود نظريات متعددة للحكم ورغم التقدم العلمي الهائل ايضا إلا انه حتى اليوم لم يتم اكتشاف اداة أو جهاز أو طريقة لمعرفة ان هذا الانسان المرشح للرئاسة يخلو من الأخطاء وانه اعلم الناس وحتى لو تم التأكد من أنه يخلو من الأخطاء ولكن لا توجد أية ضمانات بأن يبقى كذلك، وفي نفس الوقت فاذا كان العلم بحد ذاته غير كامل فكيف يمكن أن يكون هذا الانسان أعلم الناس؟
ولكن ربنا عزوجل يعلم بكل ما يعلنه البشر وما يخفيه وبكل مكنوناته ويعلم بدرجات علمهم ومدى ارتكابهم للاخطاء من هنا ليس هناك سبيل لاختيار أفضل البشر لقيادة الأمة الا رب العالمين وهذا ما فعله ربنا عزوجل، من هنا فان المسلمين جميعا يعتقدون ان النبوة منصب تكويني وليس تشريعي، اي أن الله عزوجل هو الذي يحدد ويختار ويصطفي من البشر من يكون نبيا ولا يمكن للبشر أن يرشحوا وينتخبوا نبيهم بل انهم عاجزون عن الاختيار، كما لا يختلف المسلمون على أن دور النبي لا يقتصر على تبليغ الرسالة وانما قيادة الأمة بل لا يمكن تبليغ الرسالة ولا تتكامل من دون قيادة الأمة.
اختلف المسلمون على قيادة الأمة من بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونعتقد نحن الشيعة الامامية ان ربنا عزوجل لا يترك هذه الأمة من دون قيادة بعد رسول الله لذلك نؤمن ان أئمة أهل البيت خلفوا رسول الله في قيادة الأمة، والجدير بالذكر أن المسلمين جميعا وليس الشيعة وحدهم يقرون بنزاهة وعلم ائمة أهل البيت عليهم السلام وهما الصفتان الرئيسيتان لقيادة الأمة بل ان المسلمين السنة يعلنون حبهم وتعظيمهم لأهل البيت غير ان الفارق الوحيد هو انهم لا يعتقدون ان امامتهم وخلافتهم تكوينية وواجبة بل أن الخلافة من بعد الرسول شورى بين الأمة.
أما في الزمن الحالي فنعتقد نحن الشيعة الامامية ان امامنا غائب ويتعين علينا العودة الى مراجع الدين ليحددوا لنا مسؤوليتنا الشرعية تجاه القضايا التي تواجهنا، وتجدر الاشارة الى أن العودة الى مراجع الدين واجبة على الذين لا يتفرغون لدراسة العلوم الدينية، أما الذين يتفرغون لها ويصلون الى مرحلة نسميها الاجتهاد فهؤلاء بامكانهم ان يستنبطوا الحكم الشرعي بانفسهم ويطبقوه وليسوا بحاجة الى اتباع أحد مراجع الدين.
وهناك خلاف بين الشيعة حول صلاحيات المرجع الديني وان كان لديه كل صلاحيات أئمة أهل البيت ومن بينها قيادة الأمة أم بعضها، فهناك من يقول انه لديه كل الصلاحيات ويجب على الأمة اتباعه والامتثال لقراراته، وهناك من لا يدعو الى ذلك.
السؤال المطروح اذا كان الله قد اصطفى من البشرية احدهم ليكون رسوله وقائدا لهم فلماذا لم نشهد تطورا ملحوظا في الأمة خلال تلك الفترة التي قادها النبي؟ أولا، حصل تطور كبير خاصة على الصعيد الأخلاقي والانساني خلال فترة بعثة الرسل بل ان الله لا يبعث الانبياء غالبا الا لينقذ المجتمع والبشرية التي بلغت غاية الانحطاط والتفسخ، ثانيا، لا يكفي أن يكون القائد معصوما عن ارتكاب الأخطاء وأعلم الناس لينقذ مجتمعه بل على المجتمع أن يطيع الرسول ليتحقق التطور والرقي، يذكر لنا التاريخ ان المسلمين هزموا في معركة أحد عندما غادر المقاتلون الذين أمرهم الرسول بالتموضع في الجبل مواقعهم.
&
التعليقات