بحكم نشأته في بيئة ديمقراطية،حيث أمضى سنوات دراساته الجامعية وشطرا من حياته السياسية مديرا لمكتب الإتحاد الوطني في كل من بريطانيا وأميركا، وما إكتسبه من ثقافة مدنية إستثمرها من خلال شبكة علاقات دولية بالعديد من المحافل والأوساط الدولية،تحول برهم صالح الى رجل دولة يؤمل منه أن يغير الكثير من المعادلات القائمة في منطقة موبوءة بأنظمة حكم وقيادات دكتاتورية،سواء قيادات الدولة أو قيادات الأحزاب.

&لذلك عندما أتى طالباني ببرهم الى كردستان عام 2001 وعينه رئيسا لحكومة الإقليم بإدارة السليمانية أراد الأخير أن يجري بعض الإصلاحات في نظام الحكم السائد موظفا خبرته وثقافته المدنية،ورغم أنه خاطر بالكثير في مواجهة التحديات خاصة من ذوي النفوذ العشائري والسلطوي وأصحاب المصالح الخاصة، لكنه كاد أن يتقدم بنموذج ناجح للحكم الرشيد في أول تجربة تخوضها كردستان.

ولمس المواطن الكردي فرقا كبيرا بين أداء الحكومة التي أدارها برهم في السليمانية وحكومة أربيل تحت إدارة نيجيرفان بارزاني،وكانت لدى برهم مشروع إصلاحي مثير لتغيير أسلوب إدارة الحكم،لكن الأحداث تسارعت بسقوط النظام السابق فرشح برهم ليحتل منصب نائب رئيس الوزراء ببغداد فلم يستطع إستكمال برنامجه الإصلاحي للحكم بالاقليم.

وفي بغداد حاول برهم أن يعمم فكرته الإصلاحية على عموم العراق خاصة وأنه وجد قرينا له بشخص الدكتور أياد علاوي الذي كان هو وبرهم أفضل ثنائي حكما العراق بعد سقوط النظام الصدامي، لكن مراكز القوى الجديدة وظهور المد الطائفي وبروز شخصيات سياسية تعمل لمصالح طائفية وشخصية وتنفذ أجندات مرتبطة بقوى إقليمية حالت دون تحقيق ذلك، خاصة بعد أن إستلذ قادة تلك المراكز أطايب السلطة وذاقوا حلاوتها، فلم يسمحوا لبرهم وغيره من التوجه نحو بناء حقيقي للديمقراطية وهي حلم معظم العراقيين بعد سنوات طويلة من المعاناة تحت أنظمة حكم دكتاتورية.

في عام 2009 وبعد إجراء الإنتخابات البرلمانية في كردستان رشح برهم صالح ليقود حكومة إقليم جديدة فسنحت له فرصة جديدة لتطبيق رؤيته الإصلاحية، وكانت الآمال معقودة عليه لإجراء تغيير جذري بأسلوب الحكم، لكنه واجه منذ البداية صدا من قبل حزب بارزاني الحليف، الذي رأى بأن نجاح برهم في مسعاه سيؤدي الى هبوط شعبيته من خلال إظهار فساد وعيوب سلطة هذا الحزب الممتدة منذ عام 1991، فقام هذا الحزب بمحاربته وعرقلة جميع جهوده الهادفة الى تغيير أسلوب إدارة الحكم، ومع ذلك فقد تمكن برهم من مواجهة جميع الضغوط بما فيها ضغوطات قيادات حزبه الإتحاد الوطني الذي شارك حزب بارزاني بمعاداة برنامجه الإصلاحي خوفا من مصالح تلك القيادات.

بعد مرض الرئيس طالباني حدث تحول مهم على صعيد الوضع السياسي في العراق، وكان من المؤمل أن يترشح برهم لملء الفراغ الذي أحدثه غياب طالباني وهو الممثل الأعلى للشعب الكردي بالسلطة في العراق، ولكن مصالح عائلة طالباني وسيطرة زوجته وبعض أعوانها على الوضع الداخلي في قيادة الإتحاد الوطني حالت مرة أخرى دون تحقيق هذا الأمر، فبقي موقع طالباني شاغرا الى حين إنتهاء مدة ولايته الرئاسية وهي الفترة التي إشتدت فيها الصراعات السياسية ووصلت الى حدود إحتلال محافظات ومناطق واسعة بالعراق.

قبل غياب طالباني عن المشهد السياسي كون برهم صالح كتلة إصلاحية داخل الإتحاد الوطني وكسب العديد من أعضاء الحزب وكوادره،ونشطت كتلته بشكل فاعل بعد مرض طالباني وغيابه عن قيادة الإتحاد الوطني،وطالبت بعقد المؤتمر الحزبي الرابع من أجل إقرار ذلك البرنامج الإصلاحي، ولكن القيادة المتنفذة داخل الإتحاد متمثلة بزوجة طالباني عارضت عقد المؤتمر.

وبعد السقوط المدوي للإتحاد الوطني وهزيمته المرة في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة إتجهت أنظار كوادر وأعضاء الإتحاد الوطني مرة أخرى الى إحياء مشروع برهم صالح من أجل إعادة إستنهاض الإتحاد الوطني،وكان الأمل معقودا على برهم وكتلته الإصلاحية من أجل إعادة ترتيب البيت الداخلي للإتحاد الوطني، والسعي لتشكيل قيادة شبابية جديدة تأخذ على عاتقها قيادة الإتحاد بالمرحلة الحرجة، لكن عائلة طالباني وقفت مرة أخرى بالمرصاد من أجل إفشال جهود برهم.

اليوم تحول حزب طالباني الى حزب عائلي لايختلف كثيرا عن حزب بارزاني الذي تستأثر عائلة مسعود بارزاني بقيادته منذ تشكيله،فالبوادر ظهرت بشكل جلي في الفترة الأخيرة من خلال تسليم معظم الأجهزة الحساسة بالإتحاد الوطني ومعظم مناصب الحكومة الحساسة بأفراد من عائلة طالباني تحت قيادة هيرو ابراهيم زوجة طالباني المريض الذي لايدرك حاليا ما يدور حوله ويستغل إسمه في تمرير الكثير من مخططات العائلة بما يرسخ حكمها الأبدي للإتحاد الوطني.

كانت المؤامرة التي حاكتها هيرو زوجة طالباني لحرمان برهم صالح من منصب رئاسة الدولة العراقية بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير،فتلك المؤامرة قضت تماما على كل أمل بالتجديد والنهوض في الإتحاد الوطني،وأودى بالمشروع الإصلاحي الذي تبناه برهم صالح وإجتمع حوله عدد كبير من كوادر وأعضاء الحزب، وبحسب التوقعات فإن هيرو ستستمر بمعاداة ومحاربة برهم ومنعه من أي مركز قيادي يؤهله ليكون صاحب قرار داخل قيادة الإتحاد الوطني، ونتوقع أن تحيك هيرو مؤامرة أخرى في المؤتمر الحزبي القادم وأن تعمل على منعه من الحصول حتى على مقعده كعضو قيادي بالحزب،لأنها ببساطة لا تتحمل وجوده داخل قيادة الإتحاد بما يمتلكه من شعبية طاغية خاصة لدى الشريحة الشبابية داخل تنظيم الإتحاد الوطني.

بعد أن وصلت مؤامرات زوجة طالباني الى الذروة بمنع حصول برهم على إستحقاقه الرئاسي على الرغم من المطالبات الحزبية والجماهيرية،وبعد إصرارها على الوقوف بوجه أية مشروعات إصلاحية داخل الإتحاد الوطني، لم يبق أمام برهم صالح سوى البحث عن مكان آخر يمكنه أن يعمل فيه على تنفيذ برنامجه الإصلاحي للنظام السياسي بكردستان، وحركة التغيير الكردية التي يقودها السياسي الكردي نوشيروان مصطفى هي المكان الأنسب لبرهم صالح ليواصل جهوده نحو إجراء التغيير.

فحركة التغيير رفعت منذ البداية شعار تغيير النظام السياسي بكردستان،وإستقطبت أعدادا كبيرة من المواطنين الناقمين على صيغة إدارة الحكم من قبل الحزبين الفاشلين والفاسدين بكردستان وهما حزبا بارزاني وطالباني، وهذه الحركة تمتلك رؤية واضحة لكيفية تغيير النظام السياسي ولديها مشروع متكامل بهذا الشأن،لو تم دمجه بمشروع برهم صالح أعتقد بأن الصورة ستكتمل وتتوضح بشكل أفضل، فبرهم الذي تحول اليوم الى رمز شبابي بكردستان بإستطاعته أن يتفاهم بشكل أفضل مع أعضاء حركة التغيير وأغلبهم من الشباب المتحمس والمتطلع للتغيير بكردستان.

الأمر يحتاج من برهم الى قرار شجاع وجريء بنقل نشاطه الى داخل حركة التغيير والإنضمام الى جهدها بإحداث التغيير المطلوب في النظام السياسي،ولأن الحركة تمتلك شعبية طاغية بكردستان فإن بإمكانها دعم مشروع برهم صالح وكتلته الإصلاحية من خلال وحدة إندماجية ستتيح للطرفين إمكانية تحقيق هذا الحلم العتيق لأغلبية شعب كردستان،وهو تثبيت أسس ديمقراطية حقيقية بكردستان وإصلاح النظام السياسي الغارق حاليا بالفساد بفضل أداء حزبي السلطة اللذان لا يرتجى منهما أي خير لا لمواطني كردستان اليوم ولا لمستقبل الأجيال القادمة.

&

[email protected]