يجازف و يغامر من يعرب عن تفاؤله بخصوص المرحلة السياسية القادمة و تبوأ الدکتور حيدر العبادي منصب رئاسة الوزراء، لأن أسباب فشل و إخفاق العملية السياسية مازالت قائمة بل انها أقوى و أکثر فعالية و تأثيرا من السابق.

إنتهاك السيادة الوطنية العراقية و عدم إستقلالية و حيادية القرار السياسي العراقي، هما العاملان الاهمان اللذان يشترط توفرهما کي يتم ضمان النجاح للعملية السياسية في العراق، لکن تجاذب القوى السياسية العراقية المختلفة بين التأثيرات الاقليمية و الدولية وخصوصا بين واشنطن و طهران، قد جعل من السيادة الوطنية للعراق و قراره السياسي، رهينين بمعادلة توازن القوى المؤثرة في العراق و خضوعها للمد و الجزر الحاصل فيها.

التحجج بإستحالة الحفاظ على السيادة الوطنية العراقية و إستقلالية القرار السياسي في ظل الاوضاع المتداعية عن سقوط النظام السابق، نعتقده مجرد تحجج و هروب للأمام و يجسد فشلا ذريعا للعقلية السياسية العراقية لمرحلة مابعد صدام حسين، ولو عدنا الى الوراء و تحديدا الى العهد الملکي، ودققنا النظر في الاداء السياسي الفريد من نوعه لرئيس الوزراء العراقي الراحل نوري السعيد، لوجدنا أن الرجل قد نجح و بدهاءه السياسي في فرض شخصية معنوية للعراق على الصعيدين الاقليمي و الدولي، بل وحتى أن إدخاله العراق في حلف السنتو او المعاهدة المرکزية، کانت بحق خطوة بالغة الذکاء ضمنت مصالح العراق من ناحية الجارتين المؤثرتين ترکيا و إيران، لکننا لو ألقينا نظرة على شکل و مضمون العلاقة الغريبة غير المتکافئة التي ربطت بين المالکي و النظام الايراني، لوجدنا العراق في عهد الانتداب البريطاني کان أفضل حالا من العراق في عهد المالکي!

الدکتور حيدر العبادي، أمام ترکة ثقيلة و يواجه خيارات متباينة لايوجد فيها خيار واحد إيجابي، والمطلوب منه فيما لو أراد أن يترك آثار بصماته على الخارطة العراقية و يسجل له موقفا تأريخيا تذکره الاجيال من وراءه، فإن عليه أن يفرض خياره، أن يوجد و يخلق خيارا وطنيا ينجح في إخراج العراق من المعمعة الايرانية ـ الامريکية بأقل خسارة ممکنة، ولئن کانت التجربة اليابانية و الالمانية نموذجان بهذا السياق، غير أن نوري السعيد سيظل رمزا وطنيا و معلما من معالم الاداء السياسي الوطني الفذ، وان بقاء الساسة العراقيين مرهونين بالعوامل الطائفية و العرقية و الفئوية وماشابه، فإنه يعزز أکثر فأکثر في إبقاء أسباب الفشل و إستمرارها.

نوري المالکي الذي ألقى ليس بکراته کلها في سلة النظام الايراني وانما جعل نفسه أيضا مجرد قطعة شطرنج يلعب بها هذا النظام متى و أينما يشاء، وحتى&وهو في الايام الاخيرة من ولايته الثقيلة على قلوب و عقول و أنفس العراقيين، فإنه لايزال يلهث خلف سراب النفوذ الايراني ظنا منه بأن ذلك يحميه، خصوصا بعد أن نجح في الافلات من تلك المصيدة الامريکية الغبية التي رهنت مصيره بمائة ألف توقيع عراقي کي يقدم للمحاکمة بتهمة إرتکاب جرائم ضد الانسانية، وانها لمهزلة العصر أن لايکون هناك 100 ألف عراقي رافض للمالکي فتعلن إدارة الرئيس اوباما عدم إکتمال النصاب ولذلك فهو برئ حتى تثبت إدانته، وکأن کل هذه المجازر و المواجهات و حمامات الدم لم تکن رکاما من مخلفات السياسات الفاشلة للمالکي، وکأنهم يريدون تبرئته حتى من إثارة النعرات الطائفية وهو الذي نصبوه مختار العصر خلفا للقعقاع الراحل!

الملفات التي أمام الدکتور العبادي و التي من خلالها سيتم إختبار قدراته، تأتي في مقدمتها ملف العلاقات العراقية ـ الايرانية و الى متى سيبقى مصير العراق مرتهنا بقاسم سليماني او علي شمخاني او حسين همداني؟ وهل الاهداف السابقة التي کانت محددة للمالکي على نفس حالها للعبادي؟

الاسئلة کثيرة و متباينة، لکن هناك ثمة مسألة تثير أکثر من علامة إستفهام و تعجب وهي تتعلق باللاجئين الايرانيين المعارضين للنظام الايراني و المتواجدين في مخيم ليبرتي، إذ في الوقت الذي يقضي المالکي الهزيع الاخير من حکمه غير الميمون، فإن الحصار المفروض على المخيم قد تم تشديده بصورة ملفتة للنظر إذ تم منع دخول المواد الغذائية و الوقود و الدواء منذ مايقارب 23 يوما، وفي الوقت الذي کانت بعض من الاوساط السياسية و الحقوقية تعتقد بأن سياسة الحکومة العراقية التي ستخلف المالکي ستختلف مع هؤلاء، لکن ناطقا بإسم حزب الدعوة شدد على أن سياسة الحکومة الجديدة ازاء سکان ليبرتی ستسير على نفس نهج الحکومة السابقة، لکن، السؤال الذي نجد ضرورة لطرحه: لماذا هذا التأکيد على لاجئين معارضين محاطين بالاسلاك الشائکة و محشورين في داخل کرفانات؟ هل أن مشکلة العراق الاساسية مع هؤلاء أم ماذا؟

&