توحي التصرّفات الأخيرة للحوثيين، أي "انصار الله" في اليمن، برغبة واضحة في الإنتهاء عمليا، وإن لم يكن رسميا، من الرئيس الإنتقالي عبد ربّه منصور هادي والحكومة التي تشكّلت برئاسة خالد بحّاح. الرئيس الإنتقالي موجود في دار الرئاسة في صنعاء، لكن سلطته لا تتجاوز اسوار الدار التي كان علي عبدالله صالح يدير شؤون اليمن منها. متى ستنتفي الحاجة إلى الرئيس الإنتقالي، الذي تنتهي ولايته الشهر المقبل؟ يبدو أن المسألة مسألة وقت، خصوصا بعد الإنتقادات التي وجّهتها اليه قيادات حوثية وبعد استقالة المستشار الرئاسي صالح الصماد الذي كان يمثّل "انصار الله" لدى عبد ربّه منصور.
&يقضم الحوثيون السلطة بهدوء وتؤدة احيانا وبسرعة في احيان أخرى وفق خطة مرسومة تأخذ في الإعتبار العقبات التي يواجهونها& في محاولتهم وضع اليد على البلد كلّه. يسعون إلى التقدّم عسكريا في كلّ الإتجاهات غير آبهين بأنّ خطواتهم، والخطاب السياسي الذي يرافقها، تثير حساسيات ذات طابع مذهبي سترتدّ عليهم عاجلا أن آجلا. ولكن ما العمل عندما& تكون هناك اجندة ايرانية تفرض في المرحلة الراهنة على طهران عرض عضلاتها في كلّ مكان تمتلك فيه اوراقا؟
من الصعب فصل ما يقوم به "انصار الله" في اليمن من تصعيد عن ردّ الفعل الإيراني على هبوط اسعار النفط إلى درجة بات النظام في طهران مهدّدا؟
هاهم يخطفون الآن أحمد عوض بن مبارك مدير مكتب رئيس الجمهورية الإنتقالي بعدما وضعوا في الماضي القريب فيتو على توليه رئاسة الحكومة. يبدو همّهم محصورا في تأكيد أنّ ليس في الإمكان تمرير الدستور الجديد الذي كان بن مبارك يحمل مسودّته إلى اجتماع& يحضره اعضاء في لجنة مهمتها مراقبة تنفيذ مخرجات الحوار اليمني، التي من بينها مسودة الدستور الجديد.
من الواضح أنّ لدى الحوثيين خطة بديلة في حال تعذّر عليهم حكم اليمن كلّه. الدليل على ذلك، تركيزهم في المرحلة الراهنة على الإمساك بكلّ مراكز القرار في صنعاء، ووضع اليد على منطقة مأرب الغنية بالنفط بعد عجزهم عن التقدّم& إلى داخل تعز، عاصمة الوسط الشافعي.
لن تكون معركة مأرب سهلة على "انصار الله"، خصوصا أن القبائل في تلك المنطقة في غاية الشراسة، اضافة إلى أن عليهم التقدّم في مناطق مكشوفة. لكنّ المرجّح أنّهم سيتمكنون من& تحقيق اختراق ما في تلك المنطقة على الرغم من الخسائر الكبيرة التي يمكن أن تلحق بهم.
يعكس ما يشهده اليمن من احداث متسارعة مدى التضايق الإيراني هبوط اسعار النفط. لذلك نرى منفذي الأجندة الإيرانية يضغطون في كلّ مكان يستطيعون فيه الضغط. ليس كلام السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" في لبنان بعيدا عن هذا الجوّ. صعّد نصرالله مع البحرين، وبالتالي مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلى أبعد حدود. سبقه إلى ذلك عبد الملك الحوثي في خطبة عيد الولد النبوي. سعى نصرالله بعد ذلك إلى توجيه تهديدات إلى اسرائيل متجاهلا وجود القرار ١٧٠١ الصادر عن مجلس الأمن صيف العام ٢٠٠٦. كانت رسالته واضحة كلّ الوضوح. فحوى الرسالة أن لبنان ورقة ايرانية لا أكثر وأنّه على استعداد للذهاب بعيدا من أجل تأكيد ذلك.
إلى أي حدّ يمكن أن يذهب "انصار الله" في تصعيدهم في اليمن؟ هل يريدون تفكيك السلطة في اليمن أم تفكيك اليمن؟
ما يحصل على الأرض تفكيك لليمن يأخذ بدربه السلطة القائمة أو ما بقي منها. هذه السلطة لم تعد قادرة على اقرار مسودّة الدستور الجديد الذي توصّلت إليه لجنة الحوار الوطني والذي يدعو إلى قيام "دولة اتحادية" ذات ستة أقاليم.
إعترض الحوثيون على الأقاليم الستة. كان الأجدر بالرئيس الإنتقالي ادراك أنّهم قادرون على تنفيذ تهديداتهم التي تشمل تطبيق "اتفاق السلم والشراكة" الذي فرضوه بعد سيطرتهم على صنعاء في الحادي والعشرين من أيلول ـ سبتمبر الماضي. يريدون تطبيق الإتفاق ولكن بالطريقة التي يعتبرونها مناسبة لهم لا أكثر ولا أقلّ!
كذلك، كان مفترضا بالرئيس الإنتقالي الإعلان رسميا أنّه لم يعد قادرا على تغطية تصرّفات الحوثيين الذي نشروا "اللجان الشعبية" في كلّ انحاء العاصمة وحولها وصاروا موجودين في كلّ وزارة أو مؤسسة رسمية يراقبون ما يجري فيها. صار "انصار الله" الطرف الآمر والناهي في صنعاء ومناطق اخرى. صاروا السلطة الحقيقية في حين لا دور للرئيس الإنتقالي سوى اعطاء صبغة شرعية لتصرّفاتهم.
نفّذ الحوثيون انقلابا على مراحل. هناك استعجال لديهم الآن. هذا الإستعجال تفرضه الأجندة الإيرانية ولا شيء آخر. ما النتائج التي يمكن أن تترتّب على ذلك؟ الأكيد أنّ اللعبة التي يمارسها "انصار الله" في غاية الخطورة، لا لشيء سوى لأنّ ليس لديهم أي مشروع يواجهون من خلاله مشاكل البلد. مشاكل اليمن لا تحصى خصوصا تلك المرتبطة بالفقر والتخلف والنمو السكاني وانعدام الموارد الطبيعية والتطرّف الديني الذي بدأ يأخذ شكلا جديدا في ضوء المواجهة ذات الطابع المذهبي بين "انصار الله" من جهة والمناطق ذات الأكثرية الشافعية من جهة أخرى...هذا من دون الحديث عن مشاكل الجنوب والصراعات فيه.
هل اتخذت ايران قرارا بالسيطرة على قسم من اليمن في غياب القدرة على بسط نفوذها عليه كلّه؟ الجواب أنّ هذا الأمر يمكن أن يكون واردا في حال اصرّ "انصار الله" على تعرية الرئيس الإنتقالي كما فعلوا عندما خطفوا مدير مكتبه واعلنوا صراحة مسؤوليتهم عن ذلك. قد يطلقون بن مبارك، كما قد يحتفظون به لفترة. لكنّ المهمّ في كلّ ذلك أن الخطف حصل وأنّ الرئاسة باتت مكشوفة.
يبدو أن هناك قرارا لدى الحوثيين بالتخلي عن ورقة التين التي كان يوفّرها عبد ربّه منصور. لم تعد هناك حاجة اليه، على الرغم من أنّه يمثّل، شئنا أم ابينا، شرعية ما.
السؤال الآن ماذا بعد هذه الخطوة. هل دولة في شمال اليمن، عاصمتها صنعاء. تقف حدودها عند تعز وفي مناطق على مشارف مأرب قابلة للحياة؟
هل يمكن لمثل هذه الدولة خدمة ايران في شيء؟ هل تفتيت اليمن يمكن أن يخدم هدفا ما باستثناء تمكن ايران من ايجاد موطئ قدم في ارض يمنية لديها حدود طويلة مع المملكة العربية السعودية؟
الواضح أنّ ايران على عجلة من امرها هذه الأيّام. الواضح أيضا أنّها تتصرف تحت ضغط قوي عائد إلى تدهور اسعار النفط. ما هو اكثر وضوحا أنّ اليمن يمكن ان يدفع ثمنا غاليا لهذا الإستعجال الإيراني الذي لا أفق سياسيا له...هناك بكل بساطة تفكيك في اليمن نتيجة تفكيك السلطة فيه.&&&

&