&

لا يخلو مكان عمل في دول الخليج بشكل عام من الموظفين الغربيين، وأغلبهم في مراكز عالية برتبة مدير او رئيس. ظاهر الامر ثقة عالية بالخبرات الغربية، وأيضا تحفظ تجاه الوافدين العرب. لكن خلف هذه الثقة أيضا أسباب نفسية عربية عامة.

فالمتتبع للنظرة العربية تجاه الغربي، يلاحظ ان للأخير هالة في النفسية العربية، تميزه عن الاخرين، خصوصاً ان كان الغربي اشقراً وأزرق العينين.
فهل منبع هذا عقدة نقص؟!

اذكر في طفولتي كنّا نسمع في البيت والمدرسة ومن الاصحاب كلمة "الأجانب"، وفي الأغلب تدل على الحضارة والرقي والفهم والتفوق في كل شيء. مثلا نستخدم مقولات مثل "الأجانب لا يفعلون هذا و ذاك او الأجانب يأكلون هذه الأكلات". ومثلي كالكثيرين من أبناء جيلي غلب على مخيالي البشرة الشقراء والعيون الزرق حين يذكر الغربي، لم أتصورهم الا بثياب جميلة وأنيقة، لم أتخيل أن هناك غربياً غير مثقف، أو قليل التحضر وفاقد الذوق والمدنية. تلك الأفكار بنيت منذ الطفولة، وتقريباً تمثل تصوراً جمعياً لكل البيئة الاجتماعية العربية. فالاجنبي يعني "كائنا فوق بشري" ومتفوقاً في كل شيء.

لكن المعاشرة للمجتمعات الغربية، ومعايشة للانسان "الأجنبي" في البلدان الأوربية وأمريكا، تصنع شعوراً عالياً بالتساوي والتشابه بالانسانية، والادراك بأنها ايضا تحتوي على على طبقات وشرائح، على يمين ويسار، على فقر وغنى، على ثقافة وجهل، على تدين وعلمانية... هناك من يرتدون أسوأ الملابس، وهناك انيقون الى حد تجميل الثياب، يوجد محافظون ويوجدون متمردون... انهم بشر مثلنا ولكنهم يختلفون عنا بالثقافة والعادات.

نعم، وبسبب قيم الحضارة التي تنتمي لحقوق الانسان، توجد حساسية انسانية عالية في العديد من المرافق الاجتماعية. وايضا بسبب النظم الديمقراطية والانتماء لفكرة التناقل السلمي للسلطة وسيادة القانون، توجد دول أكثر حداثة من دولنا. فالنظرة يفترض أن توجه لهذه الجوانب، الى الغرب باعتباره قيمة حضارية انسانية، وليس الى الغربي باعتباره انسانا سوبرمان. بينما نحن لا ننظر الى هذا الجانب المهم، لأسباب دينية وسياسية، ونقتصر على نظرة عقدة النقص.

هي نظرة خشية أكثر من احترام. فمن السهل أن يمارس العربي الشراسة والعنصرية تجاه اخيه، لكن خوفه يمنعه من ان يكون كذلك امام الغربي، بل حمل وديع الا اذا كان الدافع سياسي او عقائدي.. هذه العقدة امتدت الى الشباب العربي، فتجد نفسك أحياناً تجلس مع شلة من الاصدقاء العرب تجمعهم اللغة العربية لكنهم يفضلون ان يتكلموا نصف الكلام بالانكليزيّة وان دخل على جلستهم شخص غربي ستتحول الأنظار له و يصبح مركز الاهتمام. بل ان اللغة الانجليزية او الفرنسية أو الالمانية معيار تقييم المثقف من غيره لدى شرائح سطحية من الشبان.&

من اكثر الأمثلة التي يمكن تسجيلها في عملية التوظيف العربي هي، أن يكون البريطاني مثلا، أعلى مرتبة من أي عربي آخر، خصوصا اذا كان عربيا من بلد اخر، حتى لو كان حاملاً لخبرات وشهادات اعلى من نظيره "البريطاني ـ الاجنبي".&

الاعلام الغربي أيضاً يلعب دوراً كبيراً حيث نشاهد هذا العالم البعيد يعيش حياة رفاهية، جميل المظهر، انيق، مثقف، حضاري. والأفلام الأميركية وكليبات الأغاني تظهر لنا كل شيء على أنه ايجابي وجميل. مما جعلنا نعتقد بل نؤمن على سبيل المثال ان القارة الأميركية هي وطن الأحلام حيث تستطيع ان تحقق نفسك وتكسب المال خلال فترة قصيرة.

في الواقع، العالم الغربي متطور جداً و حضاري ويحترم الفرد وبحفظ حقوقه لكنه أيضاً يحمل العديد من السلبيات التي قد لا نراها او لا نشعر ان بنيت نظرتنا فقط من خلال السينما. ولدينا نحن ايضا من الكفاءات ما يمكن أن يبني أوطاننا، لكن الذهنية السياسية والنظرة الاجتماعية، تدمر الخبرات العربية وتجعلها تهرب بعيداً الى أوطان الاحلام، والغريب أن بعضهم في تلك الاوطان يكونون في الاعالي، لأنه لا يواجه ذات الكوابح والمحطمات التي واجهها في وطنه.
&