&لا أقصد من الأعداء الذين يعتنقون ديانة غير الاسلام، ومع اننا نعتقد ان البشرية يجب أن تعتنق الاسلام غير ان التعدد العقائدي أمر واقع ورب العالمين يشير اليه في العديد من آيات القرآن الكريم كما انه جل وعلا يدعو نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله الى عدم ارغام الناس على الهداية، وما أقصده من الأعداء هم الذين يتآمرون ضد الاسلام والمسلمين ويخططون للنيل منهما والايقاع بالمسلمين صباح مساء، من هنا فان التآمر لا يقتصر على غير المسلمين ولربما تآمر مسلمون ضد بلدانهم وحكوماتهم الاسلامية أكثر من غير المسلمين، بل دعونا نعترف أن الأعداء لا يستطيعون تنفيذ أي مخطط ضد المسلمين من دون مساعدة محلية.

وبالرغم من أن الحملة الشرسة على الاسلام وتعاليمه وعلى المسلمين وبلدانهم والتي تمثلت أحيانا في الهجوم العسكري والاحتلال وأحيانا بالجماعات المسلحة وأحيانا أخرى بالفرق الضالة والمنحرفة عقائديا، كبدت المسلمين خسائر فادحة إلا أنه في نفس الوقت قدمت خدمة كبيرة لهم، والخدمة تمثلت في أن يتعرف المسلمون على ثغراتهم ونقاط ضعفهم كي يسعوا الى رأبها وسدها.

البلدان الاسلامية التي تعرضت للحملة من خلال الهجوم العسكري قامت بالاعتماد على نفسها في تطوير قدراتها العسكرية، والتي تعرضت للحصار والعقوبات سعت الى ايجاد البدائل الكفيلة بتجاوز العقوبات والحصار، ولا أريد هنا الاستطراد في الانجازات التي حققتها البلدان الاسلامية نتيجة الهجوم الشرس عليها، إلا أن مجرد المقاومة وتحقيق الانجازات حتى وان كانت وضيعة فهي الخطوة الأولى نحو التقدم والتطور.

لا أريد الاستطراد في الهجوم العسكري المباشر لأعداء الاسلام على البلدان الاسلامية، وإنما أحاول التركيز على الهجوم غير المباشر كحملات التشويه والتشكيك والاستهزاء والسخرية بتعاليم الاسلام ومعتقدات المسلمين، فأعتقد ان هذه الحملة أيضا قدمت خدمة كبيرة للمسلمين، خاصة في الجانب العلمي والثقافي.

وخلافا لما يزعمه البعض من أن الاسلام دين التخلف والرجعية، فقد وردت في القرآن الكريم وأحاديث الرسول وأهل بيته عليهم السلام دعوات حثيثة الى ضرورة التعلم والتفقه، بل أن بعض الفقهاء قال ان طلب العلم واجب كفائي، أي انه اذا ذهبت مجموعة لطلب العلم سقط عن الآخرين، واذا لم يذهب أحد فيكون الجميع آثمين.

وهناك روايات عديدة في تعظيم مكانة العلماء والتشجيع على التعلم، وقد سمعنا جميعا الحديث الشريف الذي يقول "مداد العلماء خير من دماء الشهداء" ولنتصور أن الشهيد يضحي بأغلى ما لديه وهي حياته ورغم ذلك فان العالم أفضل من الشهيد، وحديث شريف آخر، يقول: "ان تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة"، ويكفي لكل من يريد أن يطلع على تأكيد الاسلام على طلب العلم ومكانة العلم والعلماء أن يكتب عبارة "فضل العالم" في محرك البحث، ليرى مئات الآيات وآلاف الأحاديث التي تحث على طلب العلم ومكانة العلماء عند الله ودين الاسلام، لذلك فمن الظلم اتهام الاسلام بالتخلف والجهل.

المشكلة المزمنة التي يعاني منها المسلمون هي ابتعادهم عن العلم، وهذه المشكلة ليست وليدة الساعة وانما رافقت المسلمين على مر العصور، فها هو الامام الصادق عليه السلام، وهو الامام السادس للشيعة يقول"ليت السياط على رؤوس اصحابي حتى يتفقهوا في الدين"، الى هذه الدرجة يحث الامام على طلب العلم.

طالما تفاخر أعداء المسلمين بتقدمهم العلمي والمدني، وطالما وقع المسلمون فريسة فخاخ أعدائهم نتيجة جهلهم، لماذا نرى اليوم أغلب بلدان المسلمين تعاني من المشاكل والصراعات والتخلف التقني، أليس السبب الرئيس هو الجهل؟ هذا في الوقت الذي يؤكد فيه الاسلام على ضرورة التعلم، إلى ماذا يرمز اكتشاف العلماء بين فترة وأخرى ان القرآن سبق ان أخبر عن ظاهرة معينة؟ ألا يدل على أن القرآن الكريم دعانا الى العلم منذ نزوله على حبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ بينما يأتي البعض ليقول ان الاسلام دين التخلف والرجعية والجهل.

&الهدف من دعوة التعاليم الدينية واصرارها على ضرورة التعلم هو ان الانسان المسلم كلما تعلم ازداد تمسكا بدينه اذ تنجلى أمامه كل الحقائق، ويتحول الى كتلة من العطاء ليخدم شعبه وبلاده، لأن الدين لا يكتفي بدعوته الى التعلم وانما المرحلة التالية هي بذل علمه للآخرين، والهجمة الشرسة التي يتعرض لها الاسلام على يد أعدائه تسببت في ردة فعل قوية لدى النخب في المجتمعات الاسلامية، خاصة مع تصاعد التيار الديني في هذه المجتمعات، وفي السنوات الأخيرة شهدت البلدان الاسلامية ثورة كبيرة في انشاء الحوزات العلمية والمراكز والمعاهد العلمية والبحثية للرد على الشبهات والشكوك وفي نفس الوقت بذل المساعي من أجل التنقيب عن كنوز العلوم الاسلامية.

اليوم يدرك خطباء الجمعة والجماعة والمنابر أنهم يواجهون تحديا كبيرا، فلكي يحافظوا على شعبيتهم وتأثيرهم على المتلقين عليهم ألا يكتفوا بترديد ما ذكروه قبل عشرات السنين وانما التطرق الى التحديات ووضع الحلول لها، اليوم المسلمون يميزون بين المبلغ الديني الذي لا تخرج من فمه الا كنوز العلم وبين المبلغ الذي اعتاد على ترديد ما قاله في السنوات السابقة.

سبق وقلت ان مؤامرة داعش محاولة بائسة لمنع الاسلام من التوسع والتمدد والانتشار، وفي الوقت الذي أحدثت فيه هزة على الصعيد الأمني والسياسي في البلدان الاسلامية فانها في نفس الوقت أحدثت هزة في وعي الأمة، ولذلك نرى ان الجميع يندد بهذه الظاهرة.

&