ينهشون بجسد الخليقة لاعتقادهم بأن الخالق ضعيفٌ

&لدرجة أنه بحاجة ماسة لأنياب آدميّ يحرس مملكته

من المتوقع أن يكون أغلبكم قد صادف المقطع المسرب من جمهورية عشاق الآخرة في أفغانستان، ألا وهو مشهد إحراق المرأة الأفغانية في الفيديو الذي تم تناوله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب اتهامها بإحراق المصحف الشريف، فحقيقة وأنا في لحظة المتابعة تذكرت بأن الكثير منا من الممكن أن يلقوا نفس المصير، إذا ما صرنا بين أيديهم أو أيدي من يماثلونهم في الفهم والتصرف والعقيدة، خصوصاً نحن معشر اللامتدينين، وإمكانية حرقنا أفراداً أو جماعات غير مستبعدة في ظل تنامي سرطان التطرف، وذلك وفقاً للفتوى المبنية على النص الديني الغائب، الفتوى التي بموجبها تم إصدار قرار قتل تلك المرأة، القرار الذي قد يسري علينا باعتبار أن أغلبنا أحرق صفحات عدة في زمانه، تلك الأوراق التي كانت تتضمن سوراً من القرآن الكريم، باعتبار أن كبار السن في ديارنا وكذلك الأهل والمشايخ كانوا دائماً ما ينصحوننا ونحن صغار بضرورة حرق أية ورقة من القرآن نجدها في الطريق، لئلا تُداس أو تُهان كلماتها الربانية من قبل طائشٍ أو جاهلٍ من الأوادم، وكذلك الأمر انتشالها من أمام القطعان الحيوانية التي قد تسلك ذلك الطريق في الذهاب والاياب.

ومادام الحال كذلك فيبدو بأن وحشية البعض من بني جنسنا ستبقى تُعبر عن مكنونها وتمارس أنشطتها الإجرامية، بناءً على الرخصة الدينية نفسها التي بموجبها تم قتل المرأة الأفغانية، تلك الرخصة التي تُعطى لكل من ادعى بأنه رجل دين أو حامل لواءه، ويحق له اعتماداً على الصك الديني بأن يحاكم الناس وفقاً للسلطة الممنوحة له من قبل أصحاب الفتاوى، حتى وإن لم يعرف ألف الدين من بائه، فالمهم لديه أنه وبحسب فهمه وقناعاته أنه يُدافع عن القيم التي رسختها العقائد الثيوقراطية في تربته.

عموماً لم تكن جريمة قتل المرأة الأفغانية إلا حالة من آلاف الحالات في بلاد المسلمين، إذ أن التراجيديا الأيزيدية لا تزال في البال بما أن فصول المأساة لم تنتهي بعد، ولا تزال الوحشية تمارس برخصة دينية في أكثر من بقعة جغرافية من عالمنا، ولعل خير من تسلم زعامة الوحشية الدينية في الشرق الأوسط هم الدواعش، الذين سمح لهم غياب التفسير الديني الواضح بممارسة كل الموبقات واقتراف كل أشكال الجرائم بناءً على فهمهم الخاص للنص القرآني، والأمثلة من الصعب الالمام بكلها باعتبارهم مستمرون في وحشيتهم حتى يومنا هذا، لذلك نتساءل أليس على علماء الإسلام ومثلما هو القرآن وحيد وموحد في كل دول العالم، التفكير مسرعاً بإيجاد شروحٍ موحدة للنص القرآني أيضاً؟ وبالتالي يتم الاعتماد على تلك الشروح والتفاسير في كل العالم بالتوازي مع نصوص القرآن الكريم المنتشرة على البسيطة، وذلك حتى يُقطع دابر التأويل القاتل في هذه البقعة أو تلك لدى أئمة العدوانية والظلام، وتتخلص الأمة الاسلامية ومن بعدها العالم كله، من شرور وحوشٍ لا يزالون معتقدينَ بأن الدين أفضل ميدان من ميادين الأنشطة القاتلة، باعتبار أن مطاطية التفاسير تسمح لهم بالمناورة والاتيان بكل ما لا يخطر بخلد إنسان يحب الحياة ويتنعم بموجوداتها، وذلك سواءً أكان مؤمناً بالآخرة أم لا.

وبغض النظر عن الإدانات الدولية لوحشية بعض الفصائل من المتطرفين الاسلاميين وفي مقدمتهم تنظيم داعش الذي احتل الصدارة الشنيعة منذ العام الماضي، ترانا نتساءل عن ماهية جدوى بيانات الشجب والاستنكار والإدانة؟ طالما أن هناك سبب دائم لولادة السفاحين وانبعاث المتطرفين في كل زمانٍ ومكان، ولنفترض أن الدول الحليفة مجتمعةً استطاعوا اجتثاث تنظيم الدولة الاسلامية من جذوره، فمن الذي يضمن عدم ظهور من يزيدونهم عنفاً ووحشية ودماراً في المستقبل، ما دام المُحرض جاهز على الدوام، ألا وهو النص الديني بتفاسيره المزاجية، والغريب في الأمر هو أن حماة الفكر الديني والساعين لترسيخه في أذهان الناس لم يساهموا الى يومنا هذا في عملية تطهير الدين مما علق به من رواسب الجهلة، ممن يجعلونه مطية لتحقيق كل رغباتهم الوحشية، أو محاولة تخليصه كلياً من أهواء ومزاجيات جيوش التفاسير المنتشرين في كل ديار المسلمين، أولئك الحماة الذين أثبتت الأعوام والتجارب الميدانية بأنهم لم يستفيدوا ولو بذرةٍ واحدة من التاريخ الدموي للكنيسة الغربية، وكيف كانت الوحشية المطلقة تمارس باسم الدين المسيحي في العالم، وكأن على الاسلام أن يعيش التجربة الدموية للكنيسة بحذافيرها، ومن ثم ربما يتم التفكير بتحييد الدين عن السياسة والدولة والقوانين البشرية، وإذا كان في زمن تحكم الكنيسة بحياة الناس وُجدَ أناسٌ مضحون من متنوري ونخبة تلك البلاد ممن كان لديهم الاستعداد للفداء بحيواتهم لقاء تخليص المجتمع من مخاطر الدين وسطوة رجاله، فهل سنجد بعض متنوري الأمة الاسلامية في مقدمة من يسارعون بالتقدم للأمام وتسجيل موقفٍ تاريخي؟ وذلك في الوقوف بكل قوة وما يؤمنون به في وجه همجية الغوغائيين، من خلال إعلانٍ واضحٍ وصريح يتضمن تصحيح المسار الديني الذي لم يعد يتماشى مع القوانين والمواثيق والمعاهدات الانسانية المعاصرة، وحصره في بيوت العبادة مع تحديد شكل العلاقة بين النص والعبد من جهة، والعبد مع الخالق من جهةٍ ثانية، ولو دفعوا ثمن ذلك الموقف الثوري غالياً، وذلك على غرار ما دفعه مِن قبلهم مَن يماثلونهم في الأفكار والرؤى والقيم بعض متنوري الدول الغربية؟ أم سيستمر أصحاب الفكر وحُراس العقيدة في بلادنا كعادتهم السيرَ على قناعاتٍ نخبوية انتهازية؟ تلك التي تم ترسيخها في وعي المثقف فيما يتعلق بسعيهم لإجراء التغييرات البنيوية في مجتمعاتهم، وذلك في اعتمادهم لاستبدال القائم أو زحزحة الحُكام والإطاحة بالحكم الى الاتكال على المواطن للمبادرة والتضحية بعامة الناس نيابة عنهم، كما هو حالهم الآن حيث تراهم على النهج ذاته سائرون؟&

&