برزت مؤخراً إلى العلن النظرة المتباينة للأمور بين طهران ودمشق، فقد حفلت أجهزة الإعلام المؤيدة للنظام السوري بعديد المقالات التي تأخذ على إيران تخليها عن دعم الرئيس الأسد، فيما تتوالى انتصارات معارضيه في شمال البلاد وجنوبها، المثير أن يتولى الهجوم على طهران أصدقاء للنظام السوري، أخذوا على عاتقهم مهمة التعبير عن الجفاء الذي بات سمة العلاقة بين حليفين أساسيين في محور المقاومة والممانعة، ووصل الأمر بصحيفة لبنانية حد اتهام طهران بعدم دعم الحصان الذي يجر عربات هذا التحالف، في إشارة للجيش السوري الذي يتعرض لهجمات أقوى، نتيجة الثقل الذي تمتع به معارضوه بسبب الدعم السعودي التركي القطري، وتسليحهم بأسلحة حديثة قادرة على خلق حالة من التوازن بين الخصمين.
وصل الأمر حد الكشف أن المساعدات الايرانية للنظام السوري لم تكن مبدأية أو مجانية، فقد قال أحد أنصار النظام السوري ومحور الممانعة، إن الأسد رهن الكثير من ممتلكات الدولة السورية لإيران، مقابل المساعدات المادية والأسلحة التي قدمها له خلال الأعوام الماضية، وتحدث آخر عن تقسيم الدولة السورية من خلال نقل العاصمة من دمشق إلى اللاذقية، فيما تبرع آخرون بالحديث عن صفقة عقدتها طهران مع أنقرة، تسمح للأتراك بتزويد معارضي الأسد بما يحتاجونه من السلاح، دون أن يرد الإيرانيون بتزويد النظام باحتياجاته، وبما يوحي بأن طهران باعت النظام السوري في صفقة ستكشفها قادمات الأيام.
الأدهى أن البعض من مؤيدي النظام السوري بدأ يشمل النظام الإيراني، بهجومه على الإسلام السياسي بكل تجلياته بما فيها ولاية الفقيه، ومسؤوليته في إبراز الانقسام المذهبي المسبب لحروب أهلية تهدد وحد الأوطان، وفي المقابل الإشادة بفكرة القومية القادرة وحدها دون غيرها، على الحفاظ على وحدة الدول وشعوبها، وبديهي أن طهران تمثل عند هؤلاء قاعدة من قواعد الإسلام السياسي، بينما تتصدى دمشق لقيادة التيار القومي، باعتبارها "قلب العروبة النابض"، وحجر الزاوية في البناء القومي المأمول.
المروجون للسياسات الإيرانية يؤكدون أن طهران ما زالت على العهد، وأن علينا انتظار القليل من الوقت لنكتشف حجم دعمها لحلفائها ووفائها لهم، وأن توقيعها اتفاقاً نهائياً مع الغرب بشأن ملفها النووي المثير للجدل، لن ينزع عنها طابعها الثوري، ولن يشطبها من محور المقاومة والممانعة، مع أن طهران منشغلة اليوم بالصورة الإقليمية، وأولويتها في هذه المرحلة هي الاتفاق النووي النهائي المتوقع انجازه خلال الشهرين القادمين، حيث سيلي ذلك تطوير بيئة الاعمال مع الغرب، وليس تصدير الثورة أو المقاومة والممانعة.
لا يعني ذلك أن علاقات البلدين تتجه الى القطيعة، فهناك العديد من المصالح المحتاجة الى الرعاية، وطهران لن تتخلى عن استثماراتها في سوريا، لكن الواضح أن الفجوة تتسع بين من ينظر لمصلحته من زاوية الصورة الإقليمية الأكبر، ومن ينظر لمصالحه من الزاوية السورية، دون الأخذ بالإعتبار ما يحيط بها من ظلال، وستكشف قادمات الأيام إلى أين ستنتهي العلاقة بين طهران ودمشق، وكيف ستتعامل إيران مع مستجدات ما بعد النووي، وما إذا كان بقاء الأسد سيظل جزءاً حيويا من المصالح الإيرانية، أم أنها ستوافق على بعض الطروحات الداعية لبقاء النظام السوري دون رأسه وهل يقبل السوريون المؤيدون للاسد ذلك.
في الأثناء هل يمكن إغفال العهد السعودي الجديد، الذي يتحرك بقوة لإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، بدل التصدي لجماعة الإخوان المسلمين، خصوصاً مع التنسيق القائم مع قطر وتركيا وبما يعني قوة دفع جديدة لمعارضي الأسد قد تنتهي بهم إلى حسم الأمور لصالحهم وقد تدفع النظام إلى خيار التقسيم، وفي الحالتين فإن سوريا مقبلة على أيام حالكة شديدة السواد.

&