27
حين كتب نزار في التسعينيات: متى يعلنون وفاة العرب
نسي أنهم قد ماتوا
وأنهم لم يكونوا منذ قرون
سوى أنصاف ميتين ثم أجساد دمى!
وياليته .. قال:
متى يا أنصاف الميتين
سيقضي السنة على الشيعة
أو يقضي الشيعة على السنة
كي : ينتصر الإستعمار بالضربة القاضية؟
متى سترحل السقيفة عن وعينا
لنذهب في القرن الواحد والعشرين نحو صناديق الإختيار والإقتراع؟
متى سنعبد الله مخلصين له الدين
ولا نعبد طاغية؟!
متى سترحل عنا كوابيس الظلام
وجيوش المتعطشين للدماء
كي نفرح مرة
ونطرب مرة
ونعشق مرة
ونرقص على أنغام الحرية ؟
لكن نزار صدق أننا كنا أحياء كي نموت
وحين تساءل متى نموت
كنا أجساد دمى
تحركها الرياح إن هبت من شمال أو من جنوب
تُصنع المأساة ببؤسنا
وتُعلق المشانق لنا
وتُنحر الرقاب الميتة
ونعتقد أننا نمارس الحياة وقد متنا منذ زمن بعيد !
لوعاش نزار حتى عصرنا الحاضر لقال:
متى يعلنون إنقراض الدمى
وتذهب العتمة
والسكين
وداعش والنصرة والعصائب
كي: نتنفس الحياة ويطل القمر ؟!
يقول نزار وقد ملأه اليأس وهو يعتقد أن العرب لايزالون أحياء:
أحاول أن أتصور ما هو شكل الوطن؟
أحاول أن أستعيد مكاني في بطن أمي
وأسبح ضد مياه الزمن...
وأسرق تينا ، ولوزا ، و خوخا،
وأركض مثل العصافير خلف السفن.
أحاول أن أتخيل جنة عدنٍ
وكيف سأقضي الإجازة بين نهور العقيق...
وبين نهور اللبن...
وحين أفقت...اكتشفت هشاشة حلمي
فلا قمرٌ في سماء أريحا...
ولا سمكٌ في مياه الفرات
ولا قهوةٌ في عدن...
ولو كان نزار يعيش& الآن بين الدمى لرأى كيف اختفى سماء أريحا عن الوجود وأصبحت الجماجم المقطوعة تسبح في نهر الفرات كالأسماك وحين يذهب البحارة صوب شواطيء عدن لا يجدون غير الأشباح المتصارعة على رائحة القهوة العدنية القديمة !
يحاول نزار أن يخاطب حبيبة مفترضة :
أحاول سيدتي أن أحبك...
خارج كل الطقوس...
وخارج كل النصوص...
وخارج كل الشرائع والأنظمه
أحاول سيدتي أن أحبك...
في أي منفى ذهبت إليه...
لأشعر حين أضمك يوما لصدري
بأني أضم تراب الوطن...
ولايدري أن تلك الحبيبة التي تخيل حضنها كحضن الوطن لم تكن سوى دمية جسدية تذهب لتمنح ذلك الجسد الخالي من روح ليكون قربانا لجنة مفترضة& عند أقدام دمية ذكورية بلا روح أيضا لتتصارع الدمى وتتناكح على تراب أرض تسمى في عرف الدمى .. وثن !
ويتذكر نزار أحلام طفولته في عالم أنصاف الميتين قبل أن يتحولوا الى دمى متحركة :
أحاول مذ كنت طفلا، قراءة أي كتابٍ
تحدث عن أنبياء العرب.
وعن حكماء العرب... وعن شعراء العرب...
فلم أر إلا قصائد تلحس رجل الخليفة
من أجل جفنة رزٍ... وخمسين درهم...
فيا للعجب!!
ولم أر إلا قبائل ليست تفرق ما بين لحم النساء...
وبين الرطب...
فيا للعجب!!
ولم أر إلا جرائد تخلع أثوابها الداخليه...
لأي رئيسٍ من الغيب يأتي...
وأي عقيدٍ على جثة الشعب يمشي...
وأي مرابٍ يكدس في راحتيه الذهب...
فيا للعجب!!
يتجلى الحس النزاري هنا في أعلى درجات التجلي وهو يتنبأ بعصر& تلحس فيه القصائد رجل الخليفة في عصر دولة الخلافة وتلك القبائل التي لاتفرق بين لحم النساء والرطب .. لكنه نسي أن يتنبأ .. بأن أكباد وقلوب الرجال ستمضع كالعلكة وتبلع كحبات العنب .
أما الجرائد فقد تحول إعلامها الى جرائد ورقية والكترونية وقنوات فضائية .. وبرغم تطور التكنلوجيا فلا تزال جميعها كما وصفها نزار تخلع اثوابها الداخلية& لكنها الآن تتعرى بدون حياء أو خجل وتمارس العهر والإرهاب على الشواطيء مباشرة على الهواء.
ثم يقول :
أنا منذ خمسين عاما
أحاول رسم بلادٍ
تسمى مجازا بلاد العرب
رسمت بلون الشرايين حينا
وحينا رسمت بلون الغضب.
وحين انتهى الرسم، ساءلت نفسي:
إذا أعلنوا ذات يومٍ وفاة العرب...
ففي أي مقبرةٍ يدفنون؟
ومن سوف يبكي عليهم؟
وليس لديهم بناتٌ...
وليس لديهم بنون...
وليس هنالك حزنٌ،
وليس هنالك من يحزنون!!
كان نزار هنا يعيش في عالم الصدمة لأنه لم يدرك في تلك الأيام ان العرب قد ماتوا .. ويتساءل عن أي مقبرة ستضم رفاتهم ولا يدري رغم عبقريته أنهم قد دفنوا في مقبرة التاريخ منذ أن أهانوا العقل واتبعوا خطوات الجهل والخرافة ... وحكموا على العباقرة ( الإستثناء) تلك المصابيح الوضاءة .. بالزندقة!
ويمارس هنا دور العالم الرياضي فيقول :
أحاول منذ بدأت كتابة شعري
قياس المسافة بيني وبين جدودي العرب.
رأيت جيوشا...ولا من جيوش...
رأيت فتوحا...ولا من فتوح...
وتابعت كل الحروب على شاشة التلفزه...
فقتلى على شاشة التلفزه...
وجرحى على شاشة التلفزه...
ونصرٌ من الله يأتي إلينا...على شاشة التلفزه... !
ليتخيل الواقع القادم بشكل يصبح حقيقة وليبرهن مجددا على عبقرية التخيل المنطقي المبني على أسس القياس الرياضية في الوقت الذي يحاول ان يتجاهل الحقيقة وقت إيحاء القصيدة .. أن العرب قد ماتوا!
ثم ينهي قصيدته العجيبة التي صورت واقعا قادما بعد عقد من الزمن كحقيقة ناصعة لشاعر عبقري ويقول :
أيا وطني: جعلوك مسلسل رعبٍ
نتابع أحداثه في المساء.
فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء؟؟
....
أنا...بعد خمسين عاما
أحاول تسجيل ما قد رأيت...
رأيت شعوبا تظن بأن رجال المباحث
أمرٌ من الله...مثل الصداع...ومثل الزكام...
ومثل الجذام...ومثل الجرب...
رأيت العروبة معروضةً في مزاد الأثاث القديم...
ولكنني...ما رأيت العرب !!
ما أصدق تعبيره وتصويره :
حقا : إن العروبة الآن معروضة في مزاد الأثاث الغربي والاسرائيلي والايراني والتركي وحتى الباكستاني !!
وسماسرة البيع والشراء لهذه السلعة العروبية المعروضة في المزادات قد كثروا ولبس الكثير منهم غترة العربي وعقاله وتعطر برائحة الطيب العربي وركب حصانا عربيا أصيلا وأصبح يجول في المزاد بحثا عن مشتري ليبيع عليه أرضا عربية أو فتاة عربية .. ولتظل الكرامة العربية يتيمة في ظل موت العرب وبقاء الدمى لتعبر عن واقع مزيف وافتراضي يسمى مجازا بلاد العرب& !!
[email protected]
&
التعليقات