في يوم الثلاثاء الماضي وئد حلم مشروع وطني سعودي يعزز الوحدة الوطنية ويحمي جنابها من دعاة الفتن ومثيري الفرقة، حيث صوت 74 عضوا في مجلس الشورى ضد توصية لتشريع نظام الوحدة الوطنية في أغلبية ساحقة، وقد برر الأعضاء هذا الرفض على رأي أحدهم بكون هذا النظام يمثل إعتداء على النظام الأساسي للحكم الذي أحتوى على أكثر من اثني عشرة مادة تعني بتعزيز الأمن الوطني والوحدة الوطنية، ولا أعرف مالتأصيل القانوني الذي ساق قائل هذا الرأي! حيث أن النظام الأساسي للحكم في المملكة يمثل الدستور الذي يعني بعلاقة الوطن بالمواطن وهو السلطة القانونية العليا التي يجب أن تراعيها كافة الأنظمة المشرعة وإلا حتم عليها البطلان، وبالتالي إيراد النظام الأساسي للحكم في مواده على مايصون الوحدة الوطنية هو مايعزز تواؤم أي نظام يشرع مع أهداف هذه المواد وكون نظام الوحدة الوطنية لايتعارض مع مواد النظام الأساسي للحكم فإن ذلك يكسبه المشروعية فضلا عن كونه بات ضرورة ملحة في ظل تداعيات اللهيب الطائفي الذي يعصف بالمنطقة.

الإستناد على الإحالة لماورد في النظام الأساسي للحكم بإعتباره كافيا لنبذ مظاهر العنصرية والطائفية في المجتمع إستناد ضعيف على إعتبار أن النظام الأساسي للحكم يؤطر الخطوط العريضة التي من واجب القوانين والأنظمة المشرعة تفصيلها بمايتواءم مع أحكامه ولايخالفه، بيد أن النظام الأساسي للحكم أقر مبدأ شخصية العقوبة ولاجريمة ولاعقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نظامي وبالتالي أي قاعدة يقرها الدستور لابد أن يحميها بإقرار العقوبة المناسبة للتجاوز عليها وهذا ليس دور الدستور بل دور الأنظمة المشرعة التي تراعي مبدأ دستورية القوانين، وبالتالي كيف يمكن أن تدين ممارسي الطائفية ومثيري الفرقة طالما أن هناك تغييب للعقوبة اللازمة لمقترفي هذا السلوك الخطير! فإستنادك على نص دستوري غير كافي طالما لايوجد نظام يفصل الأحكام التي يعنيها ويقرر مايلائمها من عقوبات، فالزعم بعدم وجود فراغ تشريعي غير دقيق حيث أن النظام الأساسي للحكم كفل مشروعية إقرار النظام الذي يتواءم معه ولايعارضه بتقرير الأحكام العامة التي يجب أن تسير على نسقها أنظمة الدولة وتعزز من فاعليتها بتحديد أحكام واضحة وضوحا جليا تردع وتجزع أي حاقد يريد تقويض أمن هذه البلاد.

ولو كان التعويل على نص دستوري كافيا لما أقرت الأنظمة المختلفة بمافيها نظام جرائم الإرهاب وتمويله على إعتبار أن المعنى الواسع الذي تتضمنه نصوص الدستور لنبذ مظاهر الفرقة والفتن والنصوص المتعلقة بضرورة إضطلاع الدولة والمواطن بحفظ الأمن يدخل في سياقها حظر ممارسات الإرهاب! والجدير بالتأمل أن مثل هذه الأنظمة نوقشت تحت قبة المجلس دون أن يتصدى لها أحد بإعتبارها معتدية على النظام الأساسي للحكم، فمثلا أقر الدستور حق التعليم والرعاية الصحية وحق العمل والمسكن إلا أن ورود مثل هذه الحقوق لم يمنع مجلس الشورى ذاته من إقرار الأنظمة التي تحقق هدف النظام الأساسي للحكم أصلا وتفند الكيفية التي تحمي هذه الحقوق!

ورأى أحد أعضاء المجلس أن المشروع المقدم للوحدة الوطنية من صلب مهام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني معتبرا أن مشروع الوحدة الوطنية نعيشه اليوم في أجمل نماذجه الذي حققه المؤسس المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بعد أن كانت القبيلة تحارب القبيلة والطائفة تعتدي على أخرى متصورا أن الوحدة الوطنية لاتصان بوريقات على حد وصفه، ويرى آخر أن لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في تقريرها لم تقدم توثيقا لظاهرة الكراهية بين الطوائف!

وفي تصوري أن التنظير في الوقت الراهن قفز على الواقع فلامناص من إيجاد حل مع تفنيد آليات تنفيذه حيث أن مانعيشه اليوم من إضطرابات على مستوى الشرق الأوسط يهدد سلمنا وأمننا بما في ذلك المشروع الجليل الذي قدمه لنا الملك عبدالعزيز-طيب الله ثراه- والذي صاحبه إنصهار القبلية والطائفية والهويات والإنتماءات في الوحدة الوطنية، إلا أننا يجب أن نحافظ عليه بإقرار القوانين التي تحمي هذا المشروع والتعويل على مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني غير موفق حيث أننا نعيش أزمة حوار في كافة الأمور دون أن يكون للمركز دوره الملحوظ والفاعل في تكريس مفهوم الحوار فمابالنا لو حملناه مسؤولية أمنية محضة تتعلق بأمن قومي فخطورة العنصرية ومايهدد الوحدة الوطنية تفوق طاقة وسلطة مركز لاتعدو قراراته كونها توصيات يستأنس بها العامة حيث أن المركز لايمتلك صلاحيات تشريعية!

أعتقد أن إنتظار تقرير يكشف ظاهرة الكراهية في الوقت الراهن هو هدر للوقت! فيمكنك القياس على الأحداث المتجددة مرورا بحادثة الدالوة والقديح ومحاولة تفجير مسجد الإمام الحسين، علاوة على ماتتضمنه وسائل التواصل الإجتماعي التي تعتبر منصة إلتقاء المختلفين وماتعج به من تمييز عنصري وطائفي وعرقي لايمكن لأي مشروع أن يوقف هذا المد إلا بعد إقرار الأنظمة الرادعة. ولايوجد أدنى شك في توجه خادم الحرمين الشريفين لتعزيز مفاهيم الوحدة الوطنية وآخرها خطابه على لسان وزير الإعلام عادل الطريفي الذي أكد رفضه التام للتصنيف المذهبي والطائفي فضلا عن كلمته بداية استلامه مقاليد الحكم حين كرس أن لافرق بين مواطن وآخر ولابين منطقة وأخرى قولا وأعقبه فعلا بجملة من القرارات ضد ممارسي العنصرية كان من كان! وفي هذا النسق تحتفظ الدولة برصانتها وقوتها أمام عواصف الغلغلة لإشغالها بالفتن وكل ذلك يحتم إقرار الحلم الوطني ونأمل من هيئة الخبراء بمجلس الوزراء إعادة الأمل في تحقيق هذا الحلم.